على مدار أشهر عديدة طويلة كنا نقول لكل الطيبين المعارضين لنظام بشار الأسد: لكم الحق في معارضته والتحريض ضده وضد نظامه كوجهة نظر يجب أن تكون مكفولة لكل صاحب رأي وموقف.. ولكنكم لن تسقطوا النظام السوري.. يمكنكم إحداث قتل ما، سيطرة هنا، أو هناك.. لكنكم لن تسقطوا النظام.. وكنا نؤكد للمتحدثين معنا واللائمين لنا لأننا نرفض الاقتتال الداخلي: إنكم في المحصلة ستخدمون المخطط الأمريكي.. قد تنجحون في تفتيت سوريا وإضعاف قوتها وتكسير المجتمع السوري وإرهاقه ولن يكون هناك مستفيد إلا أمريكا وإسرائيل.. ولعلكم بذلك تصنعون مناخا جديدا لتمكين العلاقة بين النظام والغرب بعد أن يكونوا أضعفوه إلى درجة يقدم فيها تنازلات عميقة.. لكن كيف يستمعون إلينا وهم يتلقون الوعود من قبل الأصدقاء والحلفاء والأموال والسلاح وتفتح لهم معسكرات تدريب ويقف معهم إعلام دولي ضخم.. قال تعالى: ((يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)).
لقد ضحك عليهم الغربيون وأدوات الغربيين في المنطقة. وشيئا فشيئا أصبح موقفهم في دائرة الخطإ الاستراتيجي لأنهم لن يستفيدوا من فعلهم ولن تستفيد سورية ولن يستفيد المسلمون وستصبح القدس أكثر بعدا عنا.. أما المخطط الأمريكي المعلن على لسان كبار الاستراتيجيين الأمريكان المتمثل بفوضى خلاقة وشرق أوسط جديد فهو فقط المستفيد.. ومن هنا بالضبط لابد من التأكيد على التفريق بين الموقف والتحليل الذي يقود إلى الموقف.. ولأن هذا الذي نقدمه كتحليل لا يستند إلى رغبة أو مودة على حساب الرؤية والحق إنما هو رؤية الواقع بأطرافه المحلية والإقليمية والدولية كما هي فكان لا بد أن نصل إلى نتيجة مفادها خطورة ما تقدم عليه المجموعات المسلحة في سورية على المدى الاستراتيجي من خطإ شنيع.
ما كان على المعارضة السورية إدراكه بناء على معرفتها لطبيعة النظام ولتحالفاته أنه لن يسقط غدا.. لطالما أكد ساسة عرب وإعلاميون أن الأسد ساقط قريبا لا محالة وأعطوا لذلك آجالا تعني أنه كان لا بد أن يتلاشى في خبر كان شأنه شأن بن علي ومبارك والقذافي.. إلا أن رؤية الواقع كانت تقول إن هذا كلام في غير السياق لأن الأسد ضمانة دولية لعدم انهيار النظام الدولي، وإسقاطه سيبعث عواصف في العلاقات الدولية والإقليمية لم تتهيأ لها الولايات المتحدة الأمريكية بعد لمواجهتها.
لقد أصبح الأسد حلقة التحالف الإيراني الروسي المتينة والتي تعتبر نقطة ارتكاز لمستقبل كلا البلدين بل ومحددة لمصير مستقبله السياسي فكان الوقوف الدبلوماسي والسياسي والمالي والمعنوي، بل وحتى التزويد بالمقاتلين كما يفعل حزب الله، واضحا بأنه خيار أخير لدى أصدقاء سوريا لا يمكن التلاعب فيه.
كان هذا هو عنصر القوة الرئيسي في حالة النظام السوري يقابله في الجبهة المضادة تشرذم مستمر في قوى المعارضة السورية وعدم صدقية حلفائها في إرادة التغيير للنظام حيث لم يكن لدى الحلفاء والأصدقاء نية تغيير النظام بل تقديم وصفة حرب أهلية كما هي الحال في ليبيا بعد القذافي واليمن بعد علي عبدالله صالح والعراق بعد صدام حسين.. وكذلك ما يثار حول بعض المعارضة السورية المسلحة من شبهات العلاقة بإسرائيل.. وكذلك استمرار الصراع سنوات قاسية تلقى المجتمع السوري خلالها مآسي كبيرة شتتته وألقت به على حواف الجوع والضياع.
للأسباب العديدة السابقة لن تسقط العمليات العسكرية التي تقوم بها المجموعات المسلحة النظام السوري حتى لو بقي في يده واحد بالمائة من سوريا.. بل سيكون ضعفه ورقة قوة بيده للحوار مع الأمريكان والتوصل إلى صفقات فيما هو يئن من الضغوط..
أجل إن سورية أصبحت شذرَ مذر مدمرة معذبة شقية بكل هؤلاء الذين حاربوها أو حاربوا باسمها.. ولن ينفع الكلام الآن إنما هي المبادرات الصادقة المخلصة لإخراج الشعب السوري من هذه المهلكة.. فلقد فشل النظام في الحفاظ على سوريا موحدة وفشلت المعارضة أن تتوحد وأن تسقط النظام. والآن جاء وقت النزول من الشجرة.. لا بد من التوافق لوضع حد لإهراق الدم وتدمير العمران ومن ثم يصار إلى تفاهمات سياسية لإنشاء واقع سياسي جديد يتسع للجميع.. تولانا الله برحمته.