الأربعاء 1 نيسان (أبريل) 2015

الكتلة التاريخية وثقافة التبعية

الأربعاء 1 نيسان (أبريل) 2015 par فيصل جلول

كاد “الربع الربيع” أن يطيح بناء اجتهد إسلاميون وقوميون في إعماره أواسط التسعينات من القرن الماضي حول أهداف عامة بديهية في الفكر السياسي العربي، ومن بينها تشكيل كتلة تاريخية تنهض بالعرب إلى مستوى الأمم السيدة والمتقدمة وتختصر خمسة قرون من الغياب في أروقة السلطنة العثمانية .
وما دام المشروع ينطوي على النهضة الحضارية العابرة للحدود والانقسامات والإيديولوجيات وما دامت النهضة تستدعي التخلص من الاحتلال الأجنبي والتبعية، كان من الطبيعي أن يعتمد المشاركون في هذا الجهد مبدأ الدفاع عن المقاومة علماً بأن ممثلين عن تياراتها اللبنانية والفلسطينية والعراقية شاركوا في تأسيس “المؤتمر القومي الإسلامي” ومنحوه جاذبية كان بأمس الحاجة إليها في انطلاقته الأولى وكان من الطبيعي أن يتركز القسم الأكبر من نشاطه حول مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق ولبنان وقد واكب “المؤتمر القومي الإسلامي” تحرير جنوب لبنان . في عام 2000 وانتصارات المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي والانسحاب “الإسرائيلي” من غزة تتويجاً لمقاومة أهلها وحرب “إسرائيل” على لبنان عام 2006 . .الخ .
لم يواجه المؤتمر تحديات حقيقية تهدد تكوينه حتى اندلاع ما سمي ب“الربيع العربي” فقد انقسمت تياراته وتباعدت وانتظمت في اصطاف كلاسيكي بين أغلبية من القوميين في اتجاه وأغلبية من الإسلاميين في اتجاه آخر . وكان حجم الانقسام أكبر من أن يتيح انعقاد دورات المؤتمر العادية فكان أن اتخذت إدارته قراراً صائباً بتجميد اجتماعاته والاحتفاظ بفرصة اللقاء مجدداً لتجاوز القطيعة وكانت هذه الفرصة في بيروت نهاية عطلة الأسبوع الماضي .
في مؤتمر بيروت المنصرم ما كان الاستئناف ميسراً تماماً فقد امتنع قسم مهم من أعضاء المؤتمر عن حضور جلساته وأفصحت مداولاته عن صعوبات جدية في تجاوز ما وقع الأمر الذي أسفر عن بيان ختامي شديد العمومية يكاد أن يكون بلا معنى لولا تذكيره بأولوية النضال ضد الاحتلال “الإسرائيلي” .
وعلى الرغم من أن التركيز على هذه الأولوية أمر مهم فقد اعتمدت كمخرج لارفضاض المؤتمر بنية الاستئناف وتفادياً للقطيعة، فكانت حلاً يعد بحل دون أن يضمنه أو يؤشر على وجهته أو حتى ينم عن رغبة في طي صفحته ولعل هذا ما يعيدنا إلى مرحلة ما قبل تأسيس المؤتمر وإلى ماضي التباعد أو التصارع والتنافس بين التيارين القومي والإسلامي . ولو أردنا التوغل نحو المزيد من التشاؤم والإحباط لخرجنا بخلاصة مفادها أن بيان المؤتمر الأخير قال بفشل مشروع الكتلة التاريخية أمام أول اختبار جدي لعفتها .
يستدعي التفاؤل المحسوب مقاربة جوهر الاختلاف بين التيارين اللذين يلتقيان بصورة طبيعية على هدف واحد من دون أن يجتمعا في إطار تنظيمي واحد فكل منهما يريد النهضة العربية وكل منهما يرى وجوبها بوسائله النظرية والنضالية وأظن أن ذلك ناجم عن لحظة انبثاق التيارين التاريخية مع انهيار السلطنة العثمانية . ففي عشرينات القرن الماضي رفض دعاة الإسلام السياسي إلغاء الخلافة الإسلامية من طرف العلمانيين الأتراك واعتبروا أن مصير الأمة الإسلامية وليس العربية فحسب يرتبط ارتباطاً عضوياً بالخلافة وفي أربعينات القرن العشرين نشأت تنظيمات القوميين العرب التي اعتبرت أن توحيد العرب بوصفهم أمة عظيمة أمر غالب على ما عداه وأن على هذه الأمة أن تنهض على غرار الأمم التي نهضت بعد الثورة الصناعية في أوروبا وتشكلت حول أسواق قومية .
ما من شك في أن إلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا كان يلقي بظلاله الكئيبة على تيارات الإسلام السياسي وبخاصة الإخوان المسلمين التي وصفت بالماضوية لتعلقها بمشروع تاريخي ينتمي إلى عصر الإمبراطوريات المنهارة وبالتالي ما كان جذاباً لأجيال ولدت في كنف الاستعمار الغربي ولنخب غير مسلمة نشدت المساواة التامة مع المسلمين بوصفهم أفراداً في مجتمعات وليست جماعة تحتل مرتبة ذمية وتتحمل تبعاتها على كل صعيد .
ومن سوء الحظ أن الافتراق بين التيارين تجسد في أنظمة سياسية وكانت مصر ساحته الأبرز ومختبره الأكثر وضوحاً وفيها نشأ التيار القومي العربي الأهم وحقق إنجازات تاريخية في فترة زمنية قصيرة وكاد أن يحقق إنجازاً غير مسبوق بتوحيد عرب آسيا وعرب إفريقيا عبر الوحدة المصرية - السورية إلا أن ضعف خبرته السياسية أدى إلى الانفصال ومن ثم إلى بداية تراجع مر بهزيمة يونيو/حزيران عام 1967 ولم يستقر على حال حتى اليوم .
ومن سوء الحظ أيضاً أن التراجع ترافق مع تنكيل بالإسلام السياسي وقد دفع قادة وعناصر هذا التيار ثمناً باهظاً لتراجع القوميين إلا أن جاءت حركات الربيع العربي لتمنحهم فرصة لاختبار استعدادهم لقيادة الأمة العربية فكانت النتائج محبطة في مصر وفي كل مكان تقريباً إلى حد أن إسلاميين تونسيين بدأوا بنفي انتماء تيارهم إلى حركة الإخوان التقليدية .
لقد هبطت فكرة الكتلة التاريخية على “المؤتمر القومي الإسلامي” لتضع حلاً نظرياً على الأقل لهذه التجربة العربية المأساوية ولتوحد تيارات الامة الإسلامية والقومية انطلاقاً من هدفها النهضوي الواحد وقد اجتهد دعاتها في تقريب الفكرة ذات المنشأ الإيطالي من الواقع العربي وتمت تبيئتها بطريقة ميسرة إلا أن ذلك لم يكف للانتصار على ثقافة سياسية عربية وافدة من خارج الحدود ومتراكمة منذ انهيار الخلافة ومحملة بقيم التبعية والالتحاق وبمقاييس الأفضل الغربي والذي أحال ويحيل مشروع النهضة العربية إلى مشروع افتراضي جميل لكن دعاته لم يترددوا في التضحية به من أجل حسابات سياسية تبعد سنوات ضوئية عن النهضة والنهوض .
ومع ذلك لا خيار آخر للنهضة العربية غير الكتلة التاريخية شرط أن يقرر المشرفون على المؤتمر القومي الإسلامي تحرير المشروع من الثقافة السياسية المحملة بأفكار التبعية والالتحاق، فالتابع لا ينهض أبداً، وإن نهض ما عاد تابعاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2183048

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2183048 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40