الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015

حلم «الباب العالي» تبدده الأصوات الكردية

الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015 par فيصل جلول

لا بد أن تكون الحال العصبية للرئيس رجب طيب أردوغان قد اجتازت أرقاماً قياسية جديدة بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التركية. فقد رأى بأم العين حلماً «سلطانياً» ينهار كقصر من كرتون كاد أن يصل إليه لولا اختراق كردي مفاجئ توج بثمانين نائباً في البرلمان المنتخب بزعامة صلاح الدين دمرتاش.

سيناريو الانتخابات التشريعية لحزب العدالة والتنمية كان واضحاً لمن يرى ويسمع ، وقد انعقد حول تعديل دستوري يغير نظام الحكم من برلماني أقرب إلى النظام الإيطالي إلى رئاسي أقرب إلى النظام الروسي ،يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة تقربه من مكانة «الباب العالي» في النظام العثماني.
وكان من المنتظر أن يوفر له هذا التعديل فرصة تولي الحكم لولايتين كل منها 7 سنوات، كما كانت الحال في دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة السابق، أي ما يقارب ال 4 أعوام تضاف إلى عام خلال النظام القديم وعشرة أعوام قضاها في رئاسة مجلس الوزراء كلاعب أول، فيكون المجموع أكثر من ربع قرن أي ما يشبه مدة رئاسة بعض الحكام العرب، حيث تدخل أردوغان لخلعهم عن كراسيهم في ظل نفاق ديمقراطي موصوف.
ومن مهازل القدر أن يكون مسرح هذا السيناريو قد أعد بعناية منذ مطالع العام الجاري، حيث افتتح «الباب العالي» المفترض قصره «الأبيض» الذي أراده رمزاً لحكمه وهو الأكبر في العالم ، إذ يضم ألف غرفة ، افتتحه بطريقة احتفالية أشبه بالستالينية ،الأمر الذي أصاب شطراً مهماً من مواطنيه بالهلع إذا ما قيض له التعديل الدستوري وبالتالي الحكم بشروطه وليس وفق اللعبة الديمقراطية التي حملته إلى الحكم.
حتى يصل إلى هذا الهدف كان أردوغان يحتاج إلى ثلثي عدد النواب أي نحو 350 برلمانياً، الا أنه حصل على 258 وبالتالي فشل مرتين، الأولى في عدم تحصيله على الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومة ومنحها الثقة ، والثانية لابتعاده كثيراً عن أغلبية الثلثين من أجل التعديل الدستوري. فكيف ولماذا سقط من عل وماذا بعد السقوط؟
الكيفية والأسباب ليست معقدة، فقد راكم رئيس الوزراء التركي أخطاء خارجية وداخلية فادحة. في الداخل ما عادت سياسته الاقتصادية جذابة وهي علة صعوده، فقد ارتفعت البطالة إلى مستويات عالية جداً ولم ينطلق النمو كما كان يأمل ، وبدأت بوادر التضخم تؤثر سلباً في الليرة التركية وفي القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود الذين حملوه إلى الحكم مظفراً قبل 12 عاماً.
وعلى صعيد آخر همّش أردوغان الجيش وأضعف السلطات القضائية وضغط على الحريات وسجن مئات الصحفيين وطهّر حزبه من مركز قوة ممثلاً بفتح الله غولين ، فبدا مثيراً للتحفظ والحذر من جراء تصديه وقهره لكل السلطات المضادة التي تعترض طريقه.. ولعل هذا القهر هو المسؤول عن انحسار شريحة مهمة من الناخبين عن حزبه.
أما على الصعيد الخارجي فلم يبلغ أياً من أهدافه المرسومة في سياسة«صفر مشاكل» في محيط بلاده. فهي غارقة في الحرب السورية والعراقية مع ما ينجم عن ذلك من نتائج سلبية بالنسبة لملايين النازحين الذين يحتاجون إلى الرعاية والإدارة والمراقبة، وتسوء أكثر فأكثر علاقات تركيا مع مصر بسب إصراره على تبني قضية الإخوان المسلمين وتزداد سوءاً مع المغرب الأقصى ، وتقابل بالاستياء في ليبيا من جراء تأييده للإخوان الليبيين، فضلاً عن شكوك جدية حول دعم «الإرهابيين».
وفي العالم العربي اختار المشاكسة متسبباً بمشاكل عويصة مع الدول الأخرى، وفي القضية الأرمنية لم يتقدم خطوة واحدة، بل تمكن الأرمن من تحويل مئوية قضيتهم إلى مضبطة اتهام صارخ ضد الدولة التركية الحديثة بوصفها وريثة للسلطنة العثمانية التي ارتكبت مجازر ضد الأرمن. وأخيراً لا يكاد يتقدم خطوة في علاقاته مع طهران حتى يتراجع خطوتين.
إن إضافة الأخطاء في سياسة الرئيس التركي المحلية إلى الأخطاء الفادحة في سياسته الخارجية تفسر إلى حد كبير الإخفاق الأول في استحقاقاته الانتخابية المظفرة وغير المنقطعة منذ أكثر من عشر سنوات ، فكيف سيرد على هذا الإخفاق وبأي وسائل؟
الراجح أنه لم يستوعب بعد حجم الخسارة، بدليل أن رئيس وزرائه يكابر ويتحدث عن انتصار حزبي. والراجح أن وقت المكابرة لن يطول وسيكون على الحزب أن يصرف النظر عن التعديل الدستوري وأن يكتفي بتشكيل حكومة مع طرف أو أطراف تقبل بالحكم معه ، ويقبل هو بالتنازل أمامها وهي مهمة عويصة من جراء تناقض السياسات والبعد النفسي الشاسع عن الحكم الائتلافي في عهده. وإذا كان حظ الأكراد هو الأكبر في الحكم مع العدالة والتنمية، فإن الأمر يتعدى الحكم إلى الاستراتيجية التركية المكرسة للأكراد.. ويستفاد من عارفين بالشأن الكردي أن حكم الطرفين من شأنه أن يمضي إلى حكومة متعددة القومية وهو من الكبائر بالنسبة للعلمانيين والقوميين الأتراك وربما إلى تسهيل ولادة دولة كردية في شمال العراق وسوريا تحت الوصاية التركية.. بالمقابل ثمة من يظن أن أردوغان لن يقبل هذه النتيجة وسينتظر 45 يوماً، كما يقضي الدستور لحل مشكلة عويصة من هذا النوع لكي يدعو إلى انتخابات مبكرة، وفي الحالتين من الصعب ضمان النتائج.
في هذه اللحظات يمكن تخيل حال أردوغان الذي ربما يكون قد أصيب بغليان داخلي في كل مرة كان يشاهد صلاح الدين ديمرتاش يقول لجمهوره «أنا طباخ جيد أحضر أطباقاً لذيذة الطعم وأكوي قمصاني بنفسي وأعتني بابنتي عندما تكون زوجتي مشغولة» ، ربما بهذا الكلام وبهذا التواضع استطاع الزعيم الكردي الشاب أن يقطع على أردوغان أحلام العظمة السلطانية مرة واحدة.. يرجو كثيرون أن تكون طويلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 97 / 2177934

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177934 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40