الأربعاء 15 تموز (يوليو) 2015

انتصار يوناني جزئي على حيتان أوروبا

الأربعاء 15 تموز (يوليو) 2015 par فيصل جلول

خاضت اليونان معركة شرسة خلال اليومين الماضيين مع حيتان الاتحاد الأوروبي الذين استقبلوا ألكسيس تسيبراس عشية المفاوضات بيافطة «غريغسيت» أي اليونان «برا». كان الخيار المرفوع في وجهه: إما طرد اليونان من منطقة «اليورو» أو القبول بشروط مهينة ووحشية لقاء إعادة جدولة الديون التي تتجاوز ال 350 مليار دولار، وبرنامج مالي لإنعاش الاقتصاد اليوناني.
كان على تسيبراس أن يقبل شروط المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بخصخصة قطاعات واسعة من الاقتصاد اليوناني، ووضع حصيلة هذه الخصخصة في صندوق مالي يكون مقره لوكسمبورغ.
قال له أحد الوزراء خلال المفاوضات: ما حاجتك لتلفزيون وطني، لماذا لا تقفله؟
كان آخرون يطرحون اقتراحات تفضي إلى بيع الممتلكات الوطنية اليونانية، ووضعها في لوكسمبورغ تحت إدارة أوروبية بحيث تصبح البلاد بلا سيادة، وتدار من الخارج، أي تكف عن أن تكون بلداً مستقلاً وإنما تابعة للإدارة الأوروبية التي تصنع فيها ألمانيا الصيف والشتاء.
محصلة التفاوض جاءت في مرتبة وسطى.
فقد ألغي احتمال الطرد ووضع خارج طاولة المفاوضات بعد ساعات قليلة من النقاش.. بالمقابل لم يذعن رئيس الوزراء اليوناني للمطالب الوحشية الأوروبية كلها، وقاوم بعناد وإصرار ضد المس بسيادة بلاده، وعليه قبل القسم الأكبر من مشاريع الخصخصة المطروحة، لكن الحصيلة ستبقى في أثينا في صندوق وطني تديره اليونان، ويحق لممثل أوروبي المشاركة في الإشراف على أعماله لكي يتأكد من أن إدارة هذا الصندوق لن تبدد أموالاً هي ضمانة الدائنين الأوروبيين لاستعادة أموالهم.
في حين أصر الأوروبيون على أن يكون بعض تمويل مشروع الاستقرار اليوناني من صندوق النقد الدولي رفض تسيبراس إصرارهم، وقال إنه لا يريد لا هو ولا مواطنوه رؤية ممثلي هذا الصندوق يتجولون في أثينا ويفرضون على اليونانيين الإجراءات الواجب عليهم اتخاذها.
وعلى الرغم من رفضه شروطاً مهينة من هذا النوع ما كان بوسع تسيبراس تفادي الإجراءات الوحشية التي وضعت كشروط لحصوله على حوالي 80 مليار دولار كبرنامج مالي للمساعدة على إنعاش الاقتصاد اليوناني، ومن بينها زيادة ال «تي في ا» أو القيمة المضافة بنسبة 10 في المئة على المطاعم والاستهلاك وحجبها عن الفنادق.

وتأخير سن التقاعد إلى 67 عاماً، علماً بأن المرأة اليونانية كان بوسعها الحصول على التقاعد في سن ال 45 عاماً إن كانت تحتفظ بثلاثة أطفال. ومن بين الإجراءات الجديدة سيكون على الجزر اليونانية التي تتمتع بامتيازات ضريبية أن تُحرم من هذه الامتيازات، وسيكون أيضاً على الجيش أن يخسر جزءاً من امتيازاته المالية ومثله الوكالات البحرية، وسيكون على الحكومة أن تخصخص مطارات ومرافئ وأن تتخلى عن بعض ممتلكاتها للسوق الليبرالي، وحجة الألمان وغيرهم في هذا الصدد أن اليونان ستتبع في هذا المجال باقي الدول الأوروبية.
والثابت أن الإجراءات التي وافق عليها تسيبراس ليست كلها سيئة فالبعض منها مفيد للغاية لبلاده، وكان يجب أن يُتخذ منذ زمن بعيد والمثال الأبرز هو مؤسسة الإحصاء الوطني التي يحتاج إليها أي بلد من أجل إدارة المجتمع والاقتصاد بطريقة علمية. هذه المؤسسة سيكون على تسيبراس تشكيلها بسرعة قصوى، وسيكون عليه أيضاً تشكيل مؤسسة «للطابو» تبنى على أسس علمية، وتضع حداً للفوضى العقارية القائمة في أنحاء مختلفة من البلاد.
وأخيراً.. لن تكون الأوليغارشية اليونانية محمية من الضرائب فهي ستدفع بنسب أكبر من ذي قبل، وبرقابة أشد بحيث لا يتحمل الفقراء وحدهم كلفة الإملاءات الأوروبية على اليونان.
يفضي ما سبق إلى سؤال كبير: هل ربح تسيبراس أم خسر في هذه المواجهة؟.
أما كان عليه أن يغادر منطقة اليورو كما طالبه أكثر من 60 في المئة من مواطنيه خلال استفتاء الأسبوع الماضي؟
ما من شك في أن نتيجة المقاومة اليونانية للتوحش المالي لم تكن مظفرة مئة بالمئة فقد كسب الطرفان معاً..
فلا اليونان ركعت ولا أوروبا تمرغ أنفها بالوحل. والواضح أن هذه النتيجة تعكس تماماً ميزان القوى الراهن في أوروبا، ذلك أن المقاومة اليونانية والأوروبية للتوحش المالي ليست شاملة بعد، وقد لمس تسيبراس ذلك بدقة الأسبوع الماضي حيث تظاهر مئات في فرنسا وإسبانيا دعماً له وهذا لا يكفي لقيام جبهات عريضة لدعم اليونان في مواجهة طويلة مع الحيتان الأوروبية.
وعلى الصعيد الداخلي اليوناني كان بوسع تسيبراس أن يقيس حجم الراديكاليين الذين يريدون الخروج من اليورو مقارنة بالذين يريدون البقاء في أوروبا، وقد لمس هنا أيضاً حجم الراديكاليين الذي لا يكفي لخوض معركة الخروج، وتصرف بالتالي كجنرال على أهبة معركة حاسمة يحصي وسائله ووسائل أعدائه قبل القتال، ويحسب فرص النجاح والفشل.
تسيبراس ال “غيفاري” النزعة، ربما كان يرغب في أكثر من جبهة ضد الاتحاد الأوروبي ليربح المعركة، فإذا به وحيداً ومجبراً على استخلاص الدروس المفيدة، ومن بينها التقاط اليد الفرنسية الممدودة والتوصل إلى مساومة تحفظ ماء وجه الجميع وتحافظ على وحدة الاتحاد الأوروبي وبخاصة منطقة اليورو، وتعزز قاعدة المساومة في شؤون الاتحاد والثقة بالقطبين الفرنسي والألماني في رئاسة الاتحاد، ناهيك عن مكاسب يونانية أكيدة في جدولة الديون، وبرنامج سريع لتعويم المصارف اليونانية بالسيولة ما يعني أن على تسيبراس من الآن فصاعداً ليس تأجيل الإصلاحات التي كان على بلاده اعتمادها منذ زمن بعيد، سواء كانت في منطقة اليورو أو خارجها، وإنما الانكباب على إصلاحات تتيح لهذا البلد أن يتحول من مسرح مفتوح للأوليغارشية المحلية إلى وطن يستند إلى اقتصاد قوي، وليس عرضة لهزات بنيوية خطيرة كل بضع سنوات.. نعم لم يربح تسيبراس معركة بروكسل لكنه لم يهزم فيها أيضاً.. ولعل الرهان الأهم هو على انطلاقة جديدة تعيد لليونانيين الأمل والثقة بمستقبل أفضل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2183105

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2183105 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40