الجمعة 23 آب (أغسطس) 2019

بنيامين نتنياهو والانسحاب الآمن

الجمعة 23 آب (أغسطس) 2019 par د. محمد السعيد ادريس

على الرغم من كل ما يحرص عليه بنيامين نتنياهو رئيس حكومة «إسرائيل» من إظهار للقوة والنجاح، فإنه يعيش في الواقع، حياة أخرى مفعمة بهواجس الرحيل المخزي في ظل توقعات بحدوث أحد مصيرين: إما الذهاب إلى البيت وإما الذهاب إلى السجن إذا سارت إجراءات محاكمته في الجرائم المتهم فيها عقب إجراء الانتخابات العامة في موعدها المقرر يوم ال 17 سبتمبر / أيلول المقبل. أحد الأسباب المهمة لهذه الهواجس ذلك التعقد الشديد، الذي بات يفرض نفسه بقوة هذه الأيام على نتنياهو للسيناريوهات المتوقعة لنتائج تلك الانتخابات، وتشكيل التحالف الذي سيحكم «إسرائيل». فالانتخابات التي ستجرى بعد نحو ثلاثة أسابيع من الآن لن يستطيع نتنياهو عزلها كلية عن الظروف الصعبة التي حالت دون تمكينه من تشكيل حكومته عقب فوز حزبه في الانتخابات السابقة.
من أهم معالم تلك الظروف الصعبة عجز نتنياهو عن إقناعه شريكه أفيجدور ليبرلمان اليميني للقبول بالمشاركة في الحكومة والتخلي عن شرطه الأساسي بشأن تجنيد الشباب اليهود المنخرطين في المدارس الدينية. هذه المشكلة بشقيها ما زالت قائمة حتى الآن أمام نتنياهو الذي سيكون مضطراً للقبول بأحد خيارين، إما إصدار قانون تجنيد المتدينين وكسب ليبرمان وحزبه في ائتلافه الحكومي الجديد بعد إجراء الانتخابات القادمة وإنقاذ نفسه، لكنه سيكون قد خسر في ذات الوقت دعم الأحزاب الدينية لحكومته، وهي خسارة يصعب تعويضها، وإما أن يرفض إصدار قانون التجنيد ويكسب الأحزاب الدينية ودعمها، لكنه سيخسر حتماً دعم ليبرمان وحزبه لائتلافه الحكومي.
من أهم هذه المعالم أيضاً أن نتنياهو تخلى عن أخلاقيات الممارسة السياسية باللجوء إلى خيار حل الكنيست، لأنه بهذا الخيار يكون قد فضل نفسه على حزبه، وعلى غيره من قيادات الليكود المؤهلين لخلافته، وهو بهذا الخيار أيضاً جعل نفسه أولوية تسبق الحزب، وفرض معادلة «إما أنا وإما لا أحد».
كل تلك التعقيدات أخذت تفرض نفسها الآن على نتنياهو، على الرغم من توقعات فوز حزبه بالعدد الأكبر من المقاعد داخل الكنيست ومن ثم تكليفه مجدداً بتشكيل الحكومة الجديدة. إذ لم يعد أمامه غير تلك السيناريوهات الأربعة التي أوجزتها صحيفة «جيروزاليم بوست» لتشكيل الحكومة الجديدة وهي:
- أن يتفوق نتنياهو وحزبه (الليكود) ويتجاوز كل التوقعات وينجح في تشكيل تحالف حكومي بأغلبية 61 مقعداً من مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعداً من دون حاجة إلى التحالف مع أفيجدور ليبرمان وحزبه. وهذا سيناريو بعيد تماماً عن كل حقائق الخريطة الانتخابية حالياً.
- أن يعجز نتنياهو عن تشكيل تحالف انتخابي من دون مشاركة ليبرمان، لكنه ينجح في إعادة إقناع ليبرمان بالمشاركة معه في حكومته الجديدة، وهذا معناه أن يتراجع ليبرمان بنسبة مئة في المئة عن أفكاره وشروطه، وخصوصاً قانون تجنيد المتدينين، وهذا سيناريو مستبعد تماماً هو الآخر.
- أن يفشل نتنياهو في تشكيل تحالف حكومي من دون ليبرمان وأن ينجح في التحالف مع تكتل «أبيض- أزرق» المنافس (يسار الوسط)، وهذا سيناريو مرفوض بالمطلق من بينى جانتس زعيم تكتل «أبيض- أزرق»، خصوصاً في ظل غموض حسابات نتنياهو وعدم الثقة به.
- أن يشكل نتنياهو حكومة أقلية أي لا تحظى بأغلبية 61 مقعداً في الكنيست، وهو ما يعني أنها حكومة محكوم عليها بالسقوط الحتمي، وهذا أيضاً سيناريو مستبعد تماماً.
وانطلاقاً من إدراك كل هذه التعقيدات قدم آفي شبلون اجتهاداً في صحيفة «هآرتس» يمكن اعتباره «الخيار الآمن» لخروج نتنياهو من الحياة السياسية، لأن عجزه عن تشكيل الحكومة معناه أن يجد نفسه أمام أحد خيارين لا ثالث لهما: إما البيت وإما السجن. يتلخص هذا الخيار في أن يتحالف حزب الليكود بزعامة نتنياهو مع تكتل «أبيض- أزرق» بزعامة بينى جانتس ليشكلا معاً حكومة وحدة وطنية يتناوب فيها جانتس مع نتنياهو رئاستها، على أن يجمد نتنياهو نشاطه خلال فترة محاكمته أمام القضاء، وإذا تمت تبرئته يواصل رئاسة الحكومة حتى بداية التناوب مع جانتس، وفي نهاية الولاية يستقيل ويتقاعد سياسياً كشرط لهذا التحالف، أما إذا أدين قضائياً، فسيجري مسبقاً الاتفاق على حصوله على العفو، مقابل ألا يعود نهائياً إلى الحياة السياسية.
لكن يبقى السؤال: هل بينى جانتس يملك أخلاقيات إنقاذ نتنياهو الذي لم يلتزم بتلك الأخلاقيات، وهو يفرض شروطه ويحل الكنيست وفق معادلته الخاصة: «إما أنا وإما لا أحد».
إجابة صعبة بقدر صعوبة نهاية لم يفكر فيها لحظة بنيامين نتنياهو الذي سيجد نفسه مضطراً للبحث عن بدائل أخرى لتغيير المعادلة كلها لمصلحته حتى لو اضطر إلى «المغامرة» أو حتى «المقامرة»، وهذه أو تلك ستفرض حتماً هي الأخرى شروطها التي لن تقل صعوبة عمّا يواجهه نتنياهو الآن من خيارات شديدة المرارة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2183541

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد السعيد ادريس   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2183541 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40