الجمعة 25 كانون الثاني (يناير) 2019

العراق «منصة مواجهة» بين واشنطن وطهران

الجمعة 25 كانون الثاني (يناير) 2019 par د. محمد السعيد ادريس

عندما يكرر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الالتزام بقاعدة «السرِّية» في زيارة العراق على نحو ما فعل رئيسه دونالد ترامب، قبل زيارته للعراق بأسبوعين، فحتماً هناك مشكلة في العلاقات الأمريكية- العراقية. الرئيس ترامب، زار العراق سراً ليلة 26 ديسمبر/‏كانون الأول الماضي، ليحتفل مع جنوده في العراق بعيد الميلاد المجيد، لم يستطع ترامب، الإعلان عن هذه الزيارة، ولم يجرؤ على الهبوط بطائرته مباشرة في مطار بغداد، بل لم يزر بغداد نهائياً خلال تلك الزيارة ولم يلتق أي مسؤول عراقي. هبط في قاعدة «عين الأسد» الأمريكية في محافظة الأنبار، واكتفى بمحادثة تلفونية مع رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدى.
وجاء بومبيو، هو الآخر ليقوم بزيارة مفاجئة للعراق، حرص على عدم الإعلان عنها خلال جولته التي زار فيها الأردن ومصر وخمس دول خليجية، باستثناء الكويت التي لم يزرها متعللاً بسفره المفاجئ إلى بلاده للمشاركة في «جنازة عائلية!؟».
استرجاع ظروف زيارة ترامب ل «قاعدة عين الأسد» وما أدلى به الرئيس الأمريكي من تصريحات يؤكد فيها رفضه لسياسة التمدد العسكري الأمريكي في الخارج، ورفضه أن تبقى بلاده «شرطي العالم» واعتراضه على «التريليونات التي صرفتها واشنطن» على المنطقة منذ غزوها العراق عام 2003، وحديثه عن ضرورة تخفيض الإنفاق العسكري، يمكن أن يرتب نتيجتين؛ الأولى، هي أن قرار ترامب الانسحاب من الخارج ليس قراراً غير مدروس أو أنه قرار «مزاجي» يعكس تهوراً غير محسوب في اتخاذ القرارات.
العكس هو الصحيح. فالرئيس الأمريكي يتحدث انطلاقاً من مشروع سياسي مقتنع به يختلف عن قناعات المؤسسة الحاكمة في واشنطن، هو أكثر اقتراباً من المطالب الشعبية التي تهتم بمعالجة البطالة والارتقاء بالمستويات المعيشية وصرف الأموال الأمريكية على الأمريكيين، وهو ما عبر عنه ترامب بشعار «أمريكا أولاً»، أما النتيجة الثانية، فهي أن هناك إصراراً لدى الرئيس الأمريكي على فرض ما يُعرف في السياسة الخارجية الأمريكية ب «انكماش السياسة الخارجية»، لذلك نجده يكرر نفس الكلام بنفس المدلول منذ أيام قليلة في قاعدة «دوفر» ،فقد حرص ترامب على أن يقول: «نحن نقتل «الدواعش» بالنيابة عن روسيا وإيران وسوريا والعراق وغيرها من الدول . نريد إرجاع مواطنينا إلى ديارهم».
مثل هذه الأفكار تفرض علامة استفهام كبيرة حول ما جاء بومبيو من أجله، وما استهدفته جولته العربية سواء دعوته وترويجه للتحالف الاستراتيجي الإقليمي للتصدي لما يعتبره «العدو» المشترك، وبالتحديد إيران في جولته الأخيرة، وتأكيده أن الولايات المتحدة لن تغادر المنطقة ولن تتخلى عن حلفائها.
تصريحات بومبيو، ومشروعه التحالفي الجديد في الشرق الأوسط يتناقض بالكامل مع ما يعلنه ويؤكده ويكرره الرئيس الأمريكي من جدية في الالتزام بسياسة الانكماش والانعزال المتأصلة الجذور منذ سنوات طويلة في عمق العقل الاستراتيجي الأمريكي. طبيعي أن تسأل الدول العربية: من تصدق؟ الرئيس أم وزير خارجيته؟
هذا السؤال يكتسب أهمية مضاعفة بالنسبة للعراق، التي تعامل معها مايك بومبيو، باعتبارها «منصة المواجهة» الأساسية مع إيران. فقد كشفت لقاءات بومبيو وتصريحاته عقب لقاءاته مع الرئاسات العراقية الثلاث: رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، إضافة إلى وزير الخارجية، عن أنه يهدف إلى تفكيك الارتباط العراقي بإيران، ويريد أن تحل الولايات المتحدة محل إيران كحليف يعتمد عليه اقتصادياً ونفطياً وعسكرياً. بمعنى أوضح يريد بومبيو أن يحقق في العراق ما فشل في تحقيقه في سوريا وبالتحديد تفكيك التحالف العراقي مع إيران.
تحويل العراق إلى «منصة مواجهة» مع إيران تديرها واشنطن كان محور طموحات زيارة بومبيو للعراق، وهذا ما أدركته طهران، ومن هنا جاءت زيارة محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني للعراق بعد يوم واحد من مغادرة بومبيو، للعاصمة العراقية، ظريف كان حريصاً على أن يقول في مستهل زيارته «لسنا في حاجة إلى زيارة العراق سراً» في تعليق له مغزاه، وكان حريصاً أيضاً على إبداء ملاحظة أخرى مهمة بقوله إنه لا مقارنة بين «الوجود الإيراني الأصيل في العراق وبين التهافت الأمريكي على العراق».
ظريف، لم يكتف بزيارة الرئاسات العراقية، لكنه كان حريصاً على أن يزور أيضاً «المكونات العراقية» والأهم هو زيارة المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، الذي زاره مرتين خلال هذه الزيارة، كما التقى في مقر القنصلية الإيرانية بكربلاء مع معتمدي المرجع الأعلى اللذين يمثلانه في صلاة الجمعة كل أسبوع، في رسالة واضحة وصريحة للأمريكيين تقول: «نحن باقون وأنتم راحلون». رسالة من شأنها أن تفرض العراق فعلاً منصة مواجهة مع الولايات المتحدة، تراهن فيها طهران على عدم جدية المشروع الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط على ضوء رؤية الرئيس ترامب، وتصريحاته وسياسته «الانعزالية» الجديدة، وهي رسالة جديرة بالتأمل العربي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4429 / 2183511

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد السعيد ادريس   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2183511 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40