السبت 27 تموز (يوليو) 2019

وديع حداد توأم جورج حبش

السبت 27 تموز (يوليو) 2019 par بسام أبو شريف

العلاقة الحميمة التي ربطت جورج حبش بوديع حداد علاقة صداقة عميقة أساسها اللقاء الفكري بين الاثنين ، وسندها ايمان الاثنين بأن الوحدة العربية هي طريق تحرير فلسطين .
كل هذا في أحضان قناعة راسخة جمعت الاثنين بأن العنف الثوري ، هو أسلوب الكفاح المجدي للانتصار على أعداء الأمة ، وفي مقدمتهم اسرائيل والصهاينة الذين سلبوا فلسطين بقوة السلاح الغربي ودعم الامبرياليين .
ما أضافه الزميلان الصديقان والمناضلان جورج حبش ووديع حداد للفكر القومي الذي كان الرابطة الوثقى بين أبناء الأمة العربية هو أسلوب الكفاح ، فقد أدخلا للفكر القومي آليته التنفيذية للوصول للأهداف السامية ، وهو أن على القوميين العرب أن يلجأوا للكفاح المسلحلتحقيق أهدافهم بوحدة وتحرير فلسطين .
ولذلك كان دور حركة القوميين العرب منذ البداية الضخ في قنوات دعم الثورة الجزائرية ، وانشاء الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني ، وانقلاب العراق على الملكية وحركة الفدائيين والمغاوير التي أطاحت بالانفصاليين ، ولعب الدورا الأساسي في ثورة 1958 ، في لبنان .
منذ بداية اللقاء بين الاثنين ، كان الدكتور وديع حداد أشبه برئيس الأركان للعمل القومي العربي فقد كان رجل التخطيط والتنفيذ العملي الدقيق ، وكان يتعامل مع العمليات الثورية كما يتعامل الجراح مع عملية جراحية من حيث الكفاءة والدقة والحرص والحذر ، وكان للدكتور جورج حبش دور القائدالسياسي والمفكر الذي يزود أركانه بالتوجيهات الاستراتيجية والتكتيكية للتخطيط والعمل الثوري .
ومع العام 1967 ، برزت الفرصة لاقامة تنظيم مقاتل يناضل ويكافح لتحرير فلسطين ، وذلك بعد سنوات من الاحجام عن القيام بعمليات عسكرية ثورية ضد اسرائيل خشية توريط مصروجمال عبدالناصر في حرب مازالت مصر غير مستعدة لها .
هزيمة 1967، دمرت كل الحواجز ، ولم يعد هنالك مايخسره القوميون سوى مرارة الهزيمة وجرى نقاش تبنى فيه جمال عبدالناصركليا ضرورة اشعال الكفاح المسلح بكافة أشكاله ، وكان لوديع حداد الدور الأساسي في المتابعة العملية للتعاون ودعم مصر للكفاح المسلح وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل خاص ، وأمضى وديع حداد بين دمشق والقاهرة أياما منهكة لترتيب التدريب ونقل السلاح والاعداد للقتال .
وكان التنسيق مع مصر ، ومع الرئيس جمال عبدالناصر يتم من خلال قناة حددت بين الجبهة والمخابرات المصرية ، ولم يكن الأمر سهلا فقد كان في جهاز المخابرات المصرية من لايحبذ دعم الجبهة الشعبية ، وكذلك في قيادة الجيش المصري لكن الأمور كانت تحل دائما بلقاء بين الرئيس جمال عبدالناصر والدكتور جورج حبش ، الذي ربطته مع جمال عبدالناصر علاقة محبة عميقة واحترام وصدق ، وكانت الأزمة الأكبر بين الرئيس جمال عبدالناصر والجبهة الشعبية قد سببها توزيع تقرير مؤتمر آب ” أول مؤتمر للجبهة الشعبية قبل انشقاق الديمقراطية وكان هذا التقرير قد أعده الفريق الذي سعى للانشقاق لاحقا ، فقد ورد فيه خطأ فكري وسياسي جسيم اذ اعتبر هذا التقرير الأنظمة الوطنية خارج معسكر الثورة ، وأهمها نظام مصر على أنها لم تعد في الصف الوطني فغضب جمال عبدالناصر لهذا الخطأ الكبير وأوقفت كل برامج الدعم ، وفي الوقت ذاته وبشكل متزامن اعتقلت المخابرات السورية الدكتور جورج حبش أثناء توجهه الى دمشق لحضور اجتماعات توحيد منظمات الكفاح المسلح الفلسطيني ووجهت له تهمة التحضير لانقلاب في سوريا ، وكان يحقق معه عبدالكريم الجندي مدير المخابرات السورية الذي انتحر لاحقا .
كنت أحد الذين حضروا مؤتمر آب الذي وصل الى طريق مسدود عندما ناقش تشكيل القيادة .
ولم يكن الدكتور جورج حبش حاضرا لأنه كان في السجن .
واتخذ المؤتمر قرارات حول التثقيف الجديد ( آلآف الكتب الماركسية واللينينية تم شراؤها ووزعت على الأعضاء لقراءتها دون أن يكون هنالك برنامج تثقيف ) ، كان ذلك لاعادة صياغة الفكر حسبما تصور أعضاء المجموعة ذاتها التي خاضت صراعا في صفوف حركة القوميين العرب في الأعوام 1965 – 1967 ، حول الانتقال للفكر الماركسي اللينيني وتبني هذه الأيديولوجية ) ، لكن أسلوب الطرح كان مستفزا لكل المناضلين الذين كانوا يرون في “الطلبة ” الذين يطرحون الجديد شبابا لاخبرة لهم في النضال ، ويعيشون حالة من الأحلام الفكرية !! ، وعندما طرح نشكيل القيادة اقترح الرفيق نايف حواتمة قيادة مشكلة من الطرفين ، وكان ذلك بعد خطبة عصماء حول بطولة ونضالية المقترح اسماؤهم ، ومنهم جورج حبش ووديع حداد وابو علي مصطفى ، وكان الدكتور وديع حداد والرفاق الآخرون قد قرروا رفض الترشح ورفض أي موقع قيادي .
وأسقط في يد فريق ” الانشقاق ” ، فكل الكلام الذي دار في المؤتمر لم يكن يعني أي شيء على الصعيد العملي ” التدريب … التسليح … التمويل … القتال ” ، واضطر الرفيق نايف حواتمة للتراجع وتقرر الدعوة لمؤتمر آخر في شباط من العام 1969 ، بعد أن يعود الجميع الى مواقعهم وتجري انتخابات ديموقراطية لاختيار أعضاء المؤتمر .
وعندما ظهرت نتائج الانتخابات ، وظهر فشل فريق الانشقاق قرر الرفيق نايف حواتمة ورفاقه عدم حضور مؤتمر شباط .
خلال تلك الفترة ” القيادة المؤقتة ” ، أطلق الدكتور وديع حداد ذقنه وسكن بغرفة صغيرة في مخيم الوحدات ” وكنت معه ” ، وقام بالتفرغ للتخطيط لتحرير جورج حبش ، كان حضور الحكيم ضروريا للجميع لكنه كان ضروريا أكثر لوديع حداد الذي كان يشعر بأنه فقد نصفه ولايمكنه العيش والعمل دونه ، فكان تحرير جورج حبش البند الأول على جدول أعماله .
واشتغل ليل نهار واشتغلنا جميعا معه ليل نهار .
كانت غرفة الدكتور وديع في مخيم الوحدات غرفة مضافة لوحدة سكنية بنتها وكالة الغوث بالمناسبة ( اسم مخيم الوحدات أطلق عليه لأنه كان عبارة عن وحدات سكنية بنتها وكالة الغوث في منطقة بعيدة عن المدينة – عمان آنذاك ونقل اليها اللاجئون الذين كانوا يقيمون في خيام على سفح جبل اللويبدة تحت مبنى السفارة الاميركية – سابقا وتحت قصر البشارات ) وكنت باستمرار في العام 1955 و1956 ، أتحرك مع أولاد المخيم نحمل بنادق من خشب ” تخيلنا انها بنادق ” لنواجه الاسرائيليين الذين احتلوا غزة وسيناء في العام 1956 .
كانت غرفة ضيقة رمى في زاويتها فرشة وغطاء ، ووضع له الرفاق طاولة خشبية وكرسيا طرح عليها أوراقه ، وراح يخطط ، رفض الرفيق نايف حواتمة السكن في المخيم واختار جبل الحسين ، وقام الدكتور وديع حداد قبل الشروع بالتخطيط لتحرير الدكتور جورج حبش باصدار التعليمات لشراء آلاف النسخ من كتب التثقيف وسلمت لتوزيعها على التنظيم الذي انهمك بالاعداد للانتخابات الداخلية لعضوية مؤتمر شباط .
وراح الدكتور وديع حداد كالجنرال يستدعي المنفذين فردا فردا ، أو مجموعة مجموعة يعطيهم التعليمات ، ويحدد لهم التوقيت ويطلب منهم الانجازبتحديد زمني دقيق .
الاستطلاع ثم التنفيذ
استخدم الدكتور وديع حداد في عمليات الاستطلاع ، وتبليغ الرسائل للحكيم سيدات من أسرة الحكيمكن يطلبن اذنا لزيارته من المخابرات كزيارات عائلية ، وكن يلتقين به تحت رقابة المخابرات وفهمت الرسائل التي لم تكن السيدات الناقلات يعرفن ماذا تعني ، لكن الحكيم استوعب مايدور… وأبلغ أنه جاهز وعند التنفيذ حدد الدكتور أشجع الرجال وأشدهم مراسا وقاد ابو طلعت ” رحمه الله ” ، العملية .
اختار يوم زيارة الحكيم المفروضة لمدير المخابرات للتحقيق الاسبوعي ، فقد كان الحكيم ينقل بسيارة عسكرية تواكبها سيارتا جيب حراسة من سجن الشيخ حسين الى مقر المخابرات وتعيده للسجن بعد انتهاء التحقيق .
في ذلك اليوم ، وبينما يعبر المركب الدكتور جورج حبش لسجنه بعد التحقيق اعترضت سيارة انضباط عسكري ” MP ” ، سورية تحمل اربعة ضباط انضباط عسكري بلباسهم الرسمي اعترضت سبيل الجيب التي تنقل الحكيم ، فرفع السائق يداه الى أعلى قائلا : ” سجين سياسي سيدي نعيده للسجن ! ” ، فأمره الضابط” ابو طلعت” ، بالتزام الصمت وأخرج جورج حبش عنوة بينما انهال الآخرون على المرافقين بالمسدسات ، حاول الحكيم أن يوقفهم فصرخ به ابو طلعت : ” اصعد للمرسيدس بسرعة ولاتتكلم ” .
صعد الحكيم للمرسيدس التي كانت تقف على قرب ، وقفز ابو طلعت وآخر في المقاعد الاخرى وانطلق السائق بأقصى سرعة ، كان السائق ” ابو داود علي الطحلة ” ، ويذكر لاحقا أنه سار بسرعة عجلين من الاربعة عند المنحنيات ، انطلق نحو الحدود اللبنانية وقبل الوصول اليها انحرف نحو طريق ترابي يؤدي الى طريق تهريب الأسلحة وعبر الى لبنان ، وهكذا حرر وديع حداد جورج حبش ، وكنا نحن ننتظره في بيروت وعندما تأخر الركب قلقنا لكن اتصالا هاتفيا أكد لنا أن كل شيء على مايرام .
حاول عبدالكريم الجندي اللحاق بالدكتور جورج حبش ، وأرسلت دوريات مخابرات الى البقاع وأمسك رفاقنا باحدى هذه الدوريات ، وحملها رسالة للجندي وأعادها الى سوريا سالمة .
كانت الرسالة من الدكتور وديع حداد ، وهدد فيها عبدالكريم الجندي ان هو استمر بالملاحقة .
في بيروت نقلنا الدكتور جورج حبش متخفيا الى منزل صديقه الدكتور نجيب ابو حيدر ، وكانت اتصالات سابقة قد أبلغت الرئيس جمال عبدالناصر بالعملية المنوي تنفيذها ، وطلب الرئيس جمال عبدالناصر ترتيب نقله الى القاهرة بأسرع وقت بعد وصوله بيروت .
وقام الدكتور وديع بتنسيق أمور سفره للقاهرة مع المخابرات المصرية ، وقمنا نحن بالاعداد لخروجه من المطار للطائرة ، لم يشهد مطار بيروت ازدحاما في المودعين أو المستقبلين كما شهدها لحظة سفر الحكيم الى القاهرة ، فقد اندفع لحظة دخول الحكيم مبنى المطار أكثر من ثلاثة آلآف شاب وشابة مما جعل أمر عبوره للطائرة قضية شكلية مكث ضباط الأمن العام “أعضاء في الحركة ” ، من تأمينه خلال لحظات وسافر الحكيم الى القاهرة ، وحلت أزمة العلاقة التي ولدها تقرير مؤتمر آب الذي أعده فريق الانشقاق ، وعادت العلاقات الى مجراها والدعم والتدريب والتسليح أعيد لسابق عهده .
وبعدها كان على وديع حداد ترتيب عودة الحكيم الى الاردن ، وذلك لتسلم قيادة الوضع داخل الجبهة ، وهذا ماكان يريده منه رفيق عمره وديع حداد فقد كان يتحرق شوقا للقيام بعمليات ضد العدو ليرفع من شأن الجبهة في لحظة كان يرى فيها هو وأبناء الجبهة أن هنالك مخططا لحرمان الجبهة من فرصة قيادة الثورة .
وتم ترتيب عودة الحكيم للاردن من خلال ضباط عراقيين أصدقاء ، ودخل الحكيم الاردن بثياب ضابط عراقي مع القوات العراقية وتسلم مسؤولية الجبهة عندها غادر الدكتور وديع حداد عمان ليباشر مهامه بالتخطيط للعمليات وتنفيذها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 67 / 2184493

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع بسام أبو شريف   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2184493 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40