السبت 19 كانون الثاني (يناير) 2019

المؤرخ الذي خان نفسه

السبت 19 كانون الثاني (يناير) 2019 par د. فايز رشيد

بیني موریس مؤرخ يهودي عاش في دولة الكيان الإسرائيلي, عندما هاجرت إليها عائلته في أربعينيات القرن الماضي. قام والداه بتأسيس كيبوتس ياسور على أرض قرية فلسطينية تم ترحيل أهلها, واستقرا سنة 1949 بالقدس. تم تعيين والده دبلوماسيا في نيويورك سنة 1957 واستقر فيها مع عائلته مدة أربع سنوات.عند إنهائه للمرحلة الثانوية التحق بالجيش لأداء خدمته العسكرية وانضم إلى وحدة المظليين. أنهى تجنيده قبل بدء حرب سنة 1967 بقليل, وتم إرسال وحدته إلى الجولان. هو صاحب كتاب “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” الصادر عام 1988, الذي كشف فيه حقيقة طرد أبناء شعبنا, والمذابح التي ارتكبت بحقهم, وفضح فيه كافة الوسائل الصهيونية لتفريغ الأرض, وهدم 450 قرية فلسطينية. هو المبادر إلى إطلاق تعبير “المؤرخين الجدد” في إسرائيل. بدأ تحوله في عام 2004, ذلك في مقابلة أجرتها معه صحيفة هآرتس في 9 يناير من ذلك العام, قال فيها بأن بن جوريون ارتكب خطأ استراتيجيا كبيرا بعدم إتمام مهمة الترانسفير في عام 1948. كما أنه يرى استحالة إقامة دولة إسرائيل النقية دون طرد العرب “في الخط الأخضر” من مدنهم وقراهم, ويضيف بأن إقامة “الدولة اليهودية” هي مهمة “أخلاقية”. يعتبر كذلك بيني موريس العرب والمسلمين “بربريين”, وحياة الفرد المسلم ليست ذات قيمة كما هي في الغرب! يعتبر هذا التصريح انقلابا لموريس على ماضيه وعلى كتاباته السابقة.
في مقابلة جديدة له مع عوفر أديرت في “هآرتس” (الأحد 13 يناير الحالي2019 ), يتنبأ بني موريس بالمستقبل, فيقول: “هذا المكان سیغرق مثل دولة شرق أوسطیة فيها أغلبیة عربیة … اليهود سیبقون أقلیة صغیرة داخل بحر عربي كبیر من الفلسطینیین, أقلیة مضطهدة أو سیتم ذبحنا”. بهذا يخدم موريس جیدا الدعایة الصهیونیة: أقلیة أمام أكثریة, داود أمام جولییت, ینهضون من أجل إفنائنا. نبوءات موريس تجافي الواقع وهي ليست أكثر من ترّهات, يرد عليه الكاتب التقدمي اليهودي جدعون ليفي, قائلا: “في الواقع, حدث العكس. الإسرائیلیون تكاثروا, سلبوا, طردوا, قتلوا وأحیانا ذبحوا”. لكن بيني موریس یستخف بذلك, من خلال وصف الجرائم والمذابح الصهيونية يحق شعبنا وأمتنا بأنها قمع بسيط معین, یشمل هنا وهناك جرائم صغیرة”. المؤرخ العتيد ندم على أن إسرائیل لم تطرد كل العرب وراء النهر في 1948, إنه الباحث الذي طرح خیارين: التطهیر العرقي أو إبادة شعب, والذي اقترح حبس كل الفلسطینیین في قفص لأنه “یوجد هناك حیوانات بریة”.
في فشل حل الدولتین الذي لم یعد قائما, یلقي كامل الأسباب على الفلسطینیین. إنه یتهم العرب بعدم النقد الذاتي. حله, هو “لعب اللعبة الدبلوماسیة من أجل الحفاظ على تأیید الغرب”. إنه یلغي العلاقة بین تنكیل الصهیونیة بالفلسطینیین والكراهیة التي یكنونها لإسرائیل. لا یخطر بباله أن تغییر أحد جوانب المعادلة یمكن أن یؤدي إلى تغییر الجانب الآخر. وفقا لموریس وأمثاله, العرب ولدوا كي یقتلوا. من وجهة نظره, فإن كل فلسطیني یستیقظ في الصباح یسأل نفسه: أي یهودي سأذبحه الیوم, وأي یهودي سألقیه في البحر. إنه يدير مدرسة من الكذب! هذه التي تحرر الصهیونیة من الذنب, وتحرر إسرائیل من جرائمها ومذابحها. إنه المؤرخ الذي كتب عن اقتلاع وطرد مئات آلاف من الفلسطينيين, وبعد ذلك يمنعهم من العودة. بيني موريس غیر مستعد للربط بین السبب والنتیجة. إنه صهيوني بامتياز.
كم هللنا في العام 1988 وفي تسعينيات الفرن الماضي لكتاب بيني موريس, اعتبرناه واحدا من مجموعة الكتاب الإسرائيليين وأساتذة الاجتماع السياسي والتاريخ, الذين أثبتوا أن إسرائيل دولة ملفقة, قامت على أكاذيب وأساطير. لقد سبق وأن وصف الكاتب اليهودي التقدمي آفي شلايم, أستاذ العلاقات الدولية المتقاعد من جامعة إكسفورد, كتاب بيني موريس عن طرد الفلسطينيين, قائلا إن الباحث حقق بالمنهج الذي ينبغي أن يكون بعناية وموضوعية وبلا تعاطف, وقدم إسهاما مهما في دراسة الخروج الجماعي الفلسطيني في 1948. وأضاف شلايم الذي يُعد من أبرز مجموعة “المؤرخين الجدد”, في معرض تعليقه ذاك, منتقدا تمسك اليهود بمعتقدات التاريخ القديم, قائلا: إن “فكرة ولادة إسرائيل ولدت مشوبة بشائبة التعليل الضعيف, القائم بسذاجة على أن دافيد كان يقاتل جاليوت العربي. وهذه, ببساطة, من الأفكار الزائفة, التي لم يبتدعها مؤرخون, وإنما اختلقها مشاركون صهاينة في حرب 48 رغبوا في الكتابة عن أدوارهم, من دون الاستفادة من الدخول إلى أرشيف حكومة إسرائيل, الذي فُتح للمرة الأولى في أوائل الثمانينيات”. بيني موريس ألّف كتابا جديدا بعنوان “1948.. تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية”,. يعرض في كتابه ما سماها “الحقوق اليهودية التاريخية”, ويقدم الصهيونية باعتبارها حركة قومية ضمن النسق العام لظهور القوميات الأوروبية. موريس يغالط في الحقائق التاريخية, زاعما أن اليهود حكموا أرض فلسطين ثلاثة عشر قرنا, بينما في كتابات اليهود أنفسهم تقول الحقيقة إنهم لم يحكموا سوى جزء من فلسطين, أقل من قرن (وهذا ما فنده مؤرخون كثيرون). ويكذّب نفسه فيقول نقيض ما قاله في دراساته العلمية: “العرب هم من بدأوا الحرب”, ويقلل من شأن المذابح, مثل دير ياسين التي “ضخّمتها دعاية العرب”, حسب ما يزعم. ويقسّم موريس في كتابه, حرب 1948 إلى مرحلتين, واحدة يسميها اعتباطا “الحرب الأهلية”, وكأن العصابات الصهيونية كانت من الأهل أو من شعب الأرض, وكأن الصراع كان أهليا. أما الثانية فيسميها “الحرب مع الجيوش العربية”. ويقدم الزعامات الفلسطينية على أنها “معادية للسامية” ومشبعة بثقافة إسلامية “تكره اليهود”, ويبرر جرائم العصابات الصهيونية التي بادرت إلى استخدام تقنية التفجيرات والإرهاب. في الواقع, فإن بيني موريس, في كتابه الجديد يقدم نفسه على حقيقتها, أنموذجا للمؤرخ الذي يكذِّب نفسه, ويخون المنهج العلمي الذي رفعه إلى سوية الباحثين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 142 / 2183604

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

41 من الزوار الآن

2183604 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 39


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40