حتى “صفقة القرن” يرفضها نتنياهو

الجمعة 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 par د. فايز رشيد

رغم نفي السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي ديفيد فريدمان أن تكون الإدارة الأميركية تدرس تأجيل نشر اقتراحها لما يسمى بـ”السلام”, صرّح بأنه سيتم نشر الخطة عندما تكون لديها أفضل فرصة للنجاح. وقال فريدمان في بيان مكتوب نادر نُشر على موقع السفارة الأميركية “أود أن أؤكد من جديد على أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بمشاركة تصورها للسلام مع إسرائيل والفلسطينيين وأصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين الآخرين في الوقت المناسب”. وأكد فريدمان تقريرا نُشر في الأسبوع الماضي حول اجتماع رفيع المستوى عُقد لمناقشة محتوى وتوقيت خطة السلام. إلى جانب فريدمان، حضر الاجتماع أيضا الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره الكبير جاريد كوشنر وكبير مبعوثي “السلام” جيسون جرينبلات ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون. وقال فريدمان إن اللقاء كان “مثمرا للغاية”, مشيرا إلى أن المشاركين فيه “ناقشوا تصور الرئيس لسلام شامل بين إسرائيل والفلسطينيين”, ولكن من دون أن يقدم تفاصيل إضافية. لكنه انتقد التقارير بشأن الاجتماع التي قال إنها كانت “غير دقيقة إلى حد كبير”.
رد فريدمان جاء بعد كشف مصادر سياسية إسرائيلية مقربة من المنظمات الصهيونية الأميركية, تم تأجيل إعلان “صفقة القرن” لما بعد الانتخابات الإسرائيلية. وترجح ذات المصادر أن تستجيب الإدارة الأميركية لطلب نتنياهو, ذلك أن الرئيس دونالد ترامب معني بنجاح نتنياهو في تولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة, ولا يريد أن يتسبب بأي خسارة له.
في حين أعربت جهات إسرائيلية عن قلقها من قرار الإدارة الأميركية وقف المساعدات الأميركية للمناطق المحتلة منذ العام 1967، من خلال مشروع الـ” USAID”, ما يعني تفاقم الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة, على وجه الخصوص.
ونقلت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية, عن مسؤولين في المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة قولها, إن نتنياهو يسعى من خلال شخصيات أميركية يهودية إلى تأجيل الإعلان عن صفقة القرن. وعمليا إلغاءها. وقالوا للصحيفة إنه “في نظر نتنياهو, فإن خطة السلام هي كابوس, وهو يعتزم عمل كل ما في وسعه كي يمنع نشرها”. وحسب الصحيفة, فإن من بين الناشطين لمنع الإعلان عن “الخطة”, السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر, وهو من أكثر الشخصيات المقربة لنتنياهو وللجناح اليميني المتشدد في الحزب الجمهوري الأميركي. ومعه السفير الأميركي في إسرائيل دافيد فريدمان. وحسب مصادر “معاريف” فإن هذين الاثنين منعا قبل عام نشر مسودة لخطة ترامب, كان قد أعدها المبعوث جيسون جرينبلات.
وقالت الصحيفة حسب هؤلاء، إن “دريمر ببساطة هو منفذ كلمة نتنياهو في واشنطن, والسفير فريدمان يرى نفسه سيد وحامي المستوطنات”. وأن “الخطة تتضمن قيودا على البناء في المستوطنات”. وحسب ذات المصدر, فإن نتنياهو “لم يستطب مبادرة السلام لترامب من اللحظة الأولى”, وأنه شدد معارضته ومساعيه لإحباطها في أعقاب الأزمة الأخيرة في حكومته واهتزاز الائتلاف. وحسب تقديرات سابقة, فإن نتنياهو يتحفظ كثيرا على ما يسمى “صفقة القرن”, لأنه مهما كانت الصفقة تتماشى مع أجندات اليمين الاستيطاني الصهيوني, فإنها ستنص في بعض بنودها على ما يتعارض مع مخططات اليمين الذي يقوده نتنياهو, لفرض ما يسمى “السيادة الإسرائيلية” على الغالبية الساحقة من مناطق الضفة المحتلة, وتحويل التجمعات السكانية الفلسطينية إلى جيوب محاصرة, منفصلة عن بعضها البعض.
من الواضح تماما, أن نفي فريدمان لتأجيل نشر الصفقة ما هو إلا تأكيد على سعيه لتأجيل ذلك, حرصا على مشاعر نتنياهو واليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفا, الذي لا يريد الأرض الفلسطينية كلها فقط, وإنما أجزاء كبيرة من الأرض العربية, مثل هضبة الجولان العربية السورية, ومزارع شبعا وأراضي الباقورة المستأجرة من الأردن, والتي طلب استردادها الأخير منذ شهر, لكن الكيان الصهيوني يسوّف ويطالب بمدّ استئجارها إلى أمد غير محدود! لسان حال نتنياهو كشايلوك الذي طلب من أحد زبائنه قطع رطل لحم من جسمه, كونه لم يستطع إيفاء دين شايلوك في موعده! نتنياهو ليس بأفضل من معلمه “تاجر البندقية المرابي”. إنه يريد كل فلسطين التاريخية, ولذلك يسنّ وزبانيته كل القوانين الفاشية العنصرية, التي تسوّغ لهم اقتراف حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين والعرب, واستيطان الأرض, واغتيال واعتقال الفلسطينيين وهدم بيوتهم وخلع أشجارهم! وفي النهاية ترحيل معظمهم على قاعدة “أرض أكثر وعرب أقلّ”. ليس كل ما يخططونه قدرا, ففلسطين كانت وهي وستظل عربية, حنى وإن طال زمن الاحتلال! وستتكسر الحملة الصهيونية مثلما تحطمت حملة نابليون على أسوار عكا, والغزوة الصليبية على أسوار القدس. شاء من شاء, وأبى من أبى.