أوضاع صعبة في غزة

الجمعة 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2018 par د. فايز رشيد

أعان الله سبحانه وتعالى أهلنا في غزة! فمن جهة تتزايد دعوات أصحاب الرؤوس الحامية في تل أبيب وواشنطن لتوجيه ضربة قاصمة الظهر إلى القطاع. ومن زاوية ثانية, للسنة الحادية عشرة على التوالي يعاني الغزاويون حصارا قاسيا فيها من قبل الجلادين الصهاينة. ومن ناحية ثالثة, يظل الانقسام الفلسطيني على حاله, الانقسام الذي يريد الأعداء تحويله إلى فصل نهائي بين الضفة الغربية والقطاع، حيث من الممكن أن يتحول هذا الفصل إلى هدف سياسي يتمثل في إقامة دويلة فلسطينية في غزة, كما تفهم هذه المسألة السلطة الفلسطسنسة في رام الله, وتعتبرها دخولا في تنفيذ صفقة القرن التصفوية, من جهتها فإن السلطة الفلسطينية من ناحية رابعة, وإلى جانب تجميدها لحصة غزة من الميزانية الفلسطينية, فإنها تدعو المنظمات الدولية والعديد من الدول لعدم إرسال مساعدات إلى القطاع! على جانب هذا المشهد المرتبك والمأساوي للمشروع الوطني الفلسطيني برمته , يظل جانبا مقاوما مضيئا في نضالات شعبنا, ألا وهي مسيرات العودة, التي تحولت إلى نهج كفاحي لتأكيد الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وسط هذه الأجواء, يجيء تحذير موفد الامم المتحدة الى الشرق الاوسط البلغاري نيكولاي ملادينوف أمام مجلس الامن من احتمال اندلاع حرب جديد “مدمرة” جديدة في قطاع غزة (هي ليست حربا بين دولتين, بالمعنى التقليدي للكلمة) بل اعتداء عدواني همجي من دولة مزنرة بأقوى ترسانة من الأسلحة, بما فيها المحرمة الاستعمال دولياً, وبين حركة مقاومة تتسلح بأبسط أنواع الأسلحة ,لكنها تؤمن بعدالة قضيتها, وحقها المشروع في الدفاع عن شعبها وعن نفسها على طريق تحرير أرضها المغتصبة زورا وعدوانا. يستطرد المسؤول الأممي في كلمة ألقاها عبر اتصال فيديو مباشر,قائلا : “إن غزة تنهار. ولا غلو في هذا الكلام. إنها الحقيقة”, مشيرا بشكل خاص الى أن اقتصاد هذه المنطقة “ينهار بشكل كارثي”. مضيفا” إن كل المؤشرات الإنسانية والإقتصادية والأمنية والسياسية تواصل التراجع. لا نزال على حافة صراع جديد قد يكون مدمرا, صراع يقول الجميع إنهم لا يريدونه لكنه بحاجة الى أكثر من كلمات لتجنب حدوثه”. وتابع “ما لم تتخذ جميع الأطراف خطوات واضحة جدا لخفض التوتر, فإن التداعيات ستكون كارثية”. للأسف, فإن المبعوث الأممي يساوي في معادلته المنقوصة بين الضحية والجلاد! ثم ألم يسأل نفسه: من الذي يحاصر من؟ ثم من يمتلك الأسلحة المدمرة؟ ثم, لو كانت مقاطعة في بلده محاصرة 11 عاما من قبل دولة محتلة! فهل يقبل بحصارها؟.
واللافت, ان ممثل بوليفيا لدى المنظمة الاممية, دعا هاغاي إلعاد مدير منظمة “بتسيلم” الاسرائيلية المعارضة للاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية, إلى الكلام أمام مجلس الامن, ما أثار حفيظة المندوب الاسرائيلي. وقال إلعاد الذي كان يجلس الى جانب السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور: “إن قطاع غزة الذي يعيش فيه مليونا شخص ليس سوى سجن مفتوح”. من جهته ندد السفير الصهيوني داني دانون بكلام إلعاد, واعتبر أن ما شهده مجلس الأمن عبارة عن “مهزلة”. وفجأة توقف عن الكلام بالانكليزية وتلفظ بكلام بـ “العبرية” موجه إلى هاغاي إلعاد, وكان غير مفهوم بالنسبة إلى غالبية أعضاء مجلس الامن ومترجمي الامم المتحدة. وقال مصدر دبلوماسي إن داني دانون وصف مدير بتسيلم بأنه “مواطن اسرائيلي يعمل في خدمة العدو” وهتف بوجهه ” عار عليك أيها الخائن”. وعاد دانون إلى الانكليزية مهاجما بوليفيا على مبادرتها. ولما أخذت المندوبة الأميركية المستقيلة نيكي هايلي الكلام, فضلت عدم التطرق إلى الصراع العربي – الصهيوني واكتفت بالتنديد بإيران (العدو اللدود لها ولبلادها وللكيان الصهيوني وللبعض العربي المتصهين!).
كما عبر مندوبو عدد من الدول الاوروبية عن القلق من احتمالات تدهور الوضع في قطاع غزة.
من جانب آخر, قال بيير كرينبول, المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في تصريح له ” إن الأوضاع المعيشية والإنسانية في قطاع غزة سيئة, ولها آثار خطيرة”,وأضاف خلال مؤتمر صحفي عقدته “أونروا”:” أتحدث عن آثار خطيرة لما يحدث بغزة, ولا أريد لأحد أن يقلل من سوء الأوضاع”. وبين أن “أونروا تعنى بالإنسان بالشكل الأساسي ولا عمل لها في الأمور السياسية”.وأوضح أن “نتائج الحرب الأخيرة (التي شنتها دولة الكيان السوير فاشي الصهيوني على غزة منتصف عام 2014), لا تزال لها تداعيات خطيرة على الناس, ولا زالت مستمرة بعدها”. وذكر أن التدهور الحالي الحاصل في قطاعي “الصحة والشؤون الاجتماعية, خطير ودراماتيكي. وقال إن سكان قطاع غزة يعانون من “ضغوط نفسية كبيرة, وبشكل غير مسبوق”. هذا يحدث في القرن الواحد والعشرين للفلسطينيين! أين هو المجتمع الدولي وحقوق الإنسان والأعراف والمواثيق الدولية؟.