الجمعة 27 تموز (يوليو) 2018

قانون القومية من منظار إسرائيلي آخر

الجمعة 27 تموز (يوليو) 2018 par د. فايز رشيد

يرى اليهود الأميركيون ـ كما غالبية اليهود في العالم ـ أن إسرائيل ماضية في اتجاه التديّن المتزمّت, وأنها تضيّق على الحركات الدينية الإصلاحية والليبرالية, والأخيرة هي الأكثر انتشارا بين يهود العالم, ولا تعترف بمؤسسات إسرائيل, وتحديدا في ولاية حكومة نتنياهو الحالية. لذلك, نشبت عدة أزمات بين حكومة إسرائيل, كمتبنية لقرارات المؤسسة الدينية لديها, وبين غالبية المنظمات اليهودية في العالم, على هذه الخلفية.
البعض من المستوطنين المهاجرين في الشارع الإسرائيلي, أدانوا سنّ الكنيست لقانون القومية, بالطبع ليس انطلاقا من تأييدهم للمساواة بين سكان فلسطين الأصليين مع اليهود المغتصبين لأرضها, وإنما من وجهة نظر, ما سيجّره القانون من ويلات ومخاطر على دولة الكيان الصهيوني. فهؤلاء ينطلقون من أهمية بقاء إسرائيل كدولة, ويرون في قانون القومية مقدمة لانهيار هذه الدولة, ذلك بتأجيج الصراعات المختلفة المحتدمة فيها. فمثلا, انتقد عضو الكنيست بني بيجن بشكل حاد الصياغة التي طُرحت للتصويت على القانون, قائلا إن “هذا الاقتراح خاطئ”, وانتقد الشرط الذي يسمح بـ”تأسيس مستوطنات لأفراد من دين واحد أو جنسية واحدة ـ المقصود اليهود ـ “, مشيرا إلى أنه قبل سبع سنوات وبدعم من حزب “ليكود” أقر الكنيست قانونا يمنع لجان القبول من رفض قبول مرشح لأسباب قومية, إضافة إلى سلسلة قيود إضافية.
ونقلت صحيفة “هآرتس” عن مصدر قانوني درس صياغة القانون, فقال, إن قرار منح اللغة العربية “مكانة خاصة” وإلغاء مكانتها كلغة رسمية, من شأنه أن يضر بتوسيع الوجود العربي في الفضاء العام في المستقبل, وذلك على عكس ما أتى في إعلان القانون الذي نص على أنه لا “يضعف وضع اللغة العربية في الممارسة قبل بدء هذا القانون الأساسي”.

من جانبه, اعتبر يوسي بيلين “أن سنّ قانون القومية هو “دليل ضعف لا قوة”. أما يديديا شتيرن فقد اعتبرته “ذئبا في جلد نعجة” ـ يديعوت أحرونوت ـ فهي أيضا تقول “يسعى مشروع القانون إلى تغيير القانون القائم: ضمن أمور أخرى يقترح تخفيض مستوى مكانة اللغة العربية, من لغة رسمية إلى لغة “ذات مكانة خاصة”, وهذه خطوة تستهدف استفزاز الأقلية العربية. كما أن القانون يقر بوجود استيطان مجتمعي منفصل على أساس القومية, في خلاف مع موقف المستشار القانوني للحكومة. ولكن ودون التقليل من أهمية هذه المواضيع, فإن الضرر الدراماتيكي لمشروع القانون هو الإخلال بالتوازن الذي يوجد بين الجانب الخاص للمشروع الصهيوني والجانب الكوني له. فمشروع القانون يعنى بتوسع في جانب واحد من المعادلة ـ الهوية اليهودية للدولة ـ دون أي ذكر لعنصرها الديمقراطي. ويدّعي واضعو المشروع أن الجانب الديمقراطي يعالج منذ الآن في قوانين أساس أخرى, ولكن هذا تضليل: ليس في إسرائيل وثيقة حقوق إنسان. وقال الكاتب حيمي شاليف, في صحيفة “هآرتس” إن “الضرر الأكبر للقانون هو في أوساط يهود أميركا. فمنظمات يهودية كثيرة، بما فيها تلك التي تملأ فمها بالماء بشكل عام, أدانت القانون الجديد بكلمات لاذعة, لكن أيضا بالنسبة للكثيرين الذين صمتوا, فإن قانون القومية هو جسم مسموم في قلوبهم”. وحسب شاليف, فإن اعتراض تلك المنظمات، ليس فقط على قانون القومية, وإنما أيضا على سلسلة من القوانين التي تقوّض حرية التعبير, مثل القانون الذي سيمنع قيام منظمات وجمعيات سلامية, مناهضة للاحتلال, وظهور مندوبين عنها أمام طلبة المدارس الإسرائيلية. وقال, إن قانون القومية كانت بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير, والمسمار الأخير في نعش إسرائيل”.
يرى اليهود الأميركيون ـ كما غالبية اليهود في العالم ـ أن إسرائيل ماضية في اتجاه التديّن المتزمّت, وأنها تضيّق على الحركات الدينية الإصلاحية والليبرالية, والأخيرة هي الأكثر انتشارا بين يهود العالم, ولا تعترف بمؤسسات إسرائيل, وتحديدا في ولاية حكومة نتنياهو الحالية. لذلك, نشبت عدة أزمات بين حكومة إسرائيل, كمتبنية لقرارات المؤسسة الدينية لديها, وبين غالبية المنظمات اليهودية في العالم, على هذه الخلفية. ويشار إلى أن استطلاعا للرأي كان قد نشر في شهر حزيران/يونيو الماضي, لشريحة مستطلَعين واسعة، قد دلّ على رفض واسع بين الأميركان اليهود لسياسات إسرائيل. فمن بين ما أشار له الاستطلاع, أن 12% فقط من الأميركان اليهود يعتبرون اليهود الإسرائيليين إخوة لهم, مقابل نسبة 28% بين الإسرائيليين تجاه الأميركان اليهود. وأن 66% من اليهود الأميركان يرفضون سياسات ترامب, التي يؤيدها 77% من الإسرائيليين. كما أن 59% من الأميركان اليهود عبّروا عن تأييدهم لحل الدولتين, مقابل 44% من الإسرائيليين. ويرى شاليف, أنه لو كانت الإدارة الأميركية كتلك التي كانت في فترة باراك أوباما لما استطاع بنيامين نتنياهو الدفع بقانون كهذا, وقال, إلا أن ترامب يمكن الافتراض أنه لم يسمع عن القانون, وإذا سمع فحينها لم يفهم, وإذا فهم فحينها حقا لم يهمه. هذه هي البشرى الكبيرة لعهده: إسرائيل يمكنها التنكيل بنفسها كما تشاء والولايات المتحدة لن تحرك ساكنا. وأضاف عن ترامب كاتبا, إن “على رأس الدولة الأقوى في العالم يقف رئيس غير مفهوم في أحسن الحالات وغير مستقر في أسوأ الحالات”.
بدورها, فقد حذرت “هآرتس” من أن العالم سيقول كلمته بشكل أشد ردا على سلسلة القوانين الإسرائيلية التي أقرها الكنيست في السنوات الأخيرة, وأشارت إلى ما استنتجه “معهد أبحاث في السويد في الشهر الماضي, وحتى قبل المصادقة على قانون القومية, أن إسرائيل كفت عن أن تكون ديمقراطية ليبرالية, وهي منذ الآن ديمقراطية انتخابية, التي فيها حق الانتخاب والترشح محفوظ, لكن ليس الالتزام بحق المساواة وسلطة القانون”. وتطرقت رئيسة حركة ميرتس, عضو الكنيست تمار زاندبرج, إلى الوضع الأمني وقالت “شاهدنا كل ما يحدث في غزة عندما لا يكون لدى الحكومة أي حل لأزمتها, كل ما لديها هو طرح قوانين عنصرية. آخر ما تحتاج إليه إسرائيل هذا الأسبوع هو القانون الأساسي: العنصرية, التي صيغت في الظلام ومن قبل نواب عنصريين. وهاجمت ميسم جلجولي من قيادة حركة “نقف معا” الحكومة الإسرائيلية وقالت إنها تستخدم قانون القومية كوسيلة للهروب من التعامل مع المشاكل الاجتماعية الحقيقية للإسرائيليين. وأضافت “هذه الحكومة لا تملك حلولا للمسنين والمعوقين والفقراء وهذه الحكومة ليس لديها حلول لأزمة السكن, وللأجور المنخفضة للعاملين الاجتماعيين والمعلمين والممرضين, فماذا تفعل؟… تبحث عن خلق التصعيد – عن الشجار مع المواطنين العرب من خلال قانون القومية, وأيضا من خلال القصف في غزة وجرّنا جميعا إلى المواجهة. وهذا ما أكده الناشط الاجتماعي الإسرائيلي أفي يالو عندما قال: إن هذا القانون يسعى إلى إضفاء الطابع المؤسسي الرسمي على العنصرية الموجودة اليوم لدى الإسرائيليين, والفصل بين مختلف المجموعات السكانية. ووصف الحاخام جلعاد كاريف, المدير العام لحركة الإصلاحيين, القانون بأنه “حقير” وقال “حسابنا الحقيقي هو مع المسؤولين المنتخبين الذين يعرفون في خفايا قلوبهم مدى الضرر الذي يلحقه قانون القومية في كتاب القانون الإسرائيلي, لكنهم يواصلون الصمت”. بالطبع العرب والدروز يرفضون القانون. ما نؤكده, أنه لو كانت الأوضاع الرسمية الفلسطينية, كما أوضاع الوطن العربي حاليا, هي غير التي عليه, لاقتربنا كثيرا من تحرير فلسطين, وبخاصة في ظل الصراعات المحتدمة في دويلة الكيان الصهيوني, التي تحفر قبرها بيديها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2183334

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2183334 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40