الجمعة 20 تموز (يوليو) 2018

دور غزة المحوري في صفقة ترامب

الجمعة 20 تموز (يوليو) 2018 par خيرالدين عبدالرحمن

جاء ترويج الإدارة الأمريكية المتصهينة لما أسمتها (صفقة القرن) عنواناً مضللاً لمشروع تصفية القضية الفلسطينية نهائياً لمصلحة تثبيت هيمنة وتوسع الغزوة الصهيونية التي اغتصبت فلسطين وشردت معظم شعبها في المنافي . تشكل ( الصفقة ) استمراراً تصعيدياً للدور الأمريكي العدائي تجاه فلسطين والعرب عموماً وانسياقاً مع مواقف وتهديدات دونالد ترامب المتصاعدة منذ تلاحقت إعلاناته المعادية للإسلام والمسلمين والعرب أثناء حملته الانتخابية وبعدها . ومع أن ملامح تلك (الصفقة) قد ظلت هيولية وملتبسة ، فإنها ظلت استنساخاً لخطط وبرامج صهيونية معلنة، كمخطط تصفية القضية الفلسطينية عبر إيجاد وطن بديل للفلسطينيين الذي عرضه برنارد لويس في حزيران 2006 على ورشة (الوطن البديل ) في معهد أميركان إنتربرايز كامتداد لمشروع لويس إعادة تقسيم العالم الإسلامي وتفتيته على أسس عرقية وطائفية تلغي العروبة من التداول ، والذي اعتمدته وزارة الدفاع الأمريكية ضمن استراتيجيتها التي أقرها الكونغرس سنة 1981. جوهر ما عرضه لويس على الورشة إقامة دولة سنية في محافظة الأنبار العراقية شبه الخالية التي تشكل ثلث مساحة العراق ودمجها مع شرقي الأردن ونقل الفلسطينيين إليها، بمن فيهم سكان الضفة الغربية التي تدمج خالية ونهائياً في ( دولة إسرائيل) لتشمل كل فلسطين التاريخية وتعلن دولة يهودية تخص اليهود فقط . كما تشمل التصفية تهجير فلسطينيي غزة الأصليين واللاجئين إلى شريط ساحلي في سيناء يمتد إلى مدينة العريش ، وهذا ما سبق للشهيد صلاح خلف أن قال لي أن أنور السادات قد أبلغه له ولأبي عمار سنة 1974 واصفاً إياه بقراره هو الهادف إلى تعزيز الدولة الفلسطينية العتيدة . أشير هنا على الهامش إلى معلومات تلت تسرب ما عرضه برنارد لويس أفادت بأن أفراداً متنفذين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وفي السلطة قد قاموا بشراء مساحات واسعة جداً من أراضي شمال الأردن المحاذية للأنبار العراقية بأسعار رخيصة ، متوقعين بيعها بعشرة أضعاف سعر الشراء لدى بدء إنشاء مدينة أو أكثر لتوطين الفلسطينيين هناك . كما تشكل التسريبات التي ظهرت عن ( صفقة) ترامب استنساخاً مطابقاً لما طرحه، مستشار الأمن القومي ( الإسرائيلي) آغور آيلاند سنة 2010.

ولئن كان تركيز صفقة ترامب وأصولها المشار إلى بعضها أعلاه شديداً على غزة بالذات ، فإن ما حدث من تدمير وتهجير ممنهجين لأهم تجمعات ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في العراق ولبنان وسوريا لا يقل أهمية وخطورة في السياق التصفوي.

وجاءت في نفس السياق حروب التدمير الوحشي المتلاحقة التي شنها جيش العدو على لبنان سنة 1982 وعلى غزة في العقدين الأخيرين متكاملة مع الحصار الإجرامي البري والبحري الخانق الذي فرضته سلطات العدو الصهيوني والسلطات المصرية والعقوبات التي فرضها محمود عباس على غزة وتأجيج الصراع بين حركة فتح وحركة حماس هناك .

ولئن شكلت غزة بؤرة رئيسة لإجراءات متناغمة متعددة الأطراف تستهدف تطويع الشعب الفلسطيني ومفاقمة إحباطه ومعاناته لكي تضعف مقاومته إلى أقصى حد ، فإن تسويغ الردة والتفريط بالحقوق والنكوص عن الأهداف الوطنية والتخاذل والاستسلام للغزاة الصهاينة والفساد والقمع في الساحتين الفلسطينية والعربية لم يأت صدفة ، وإنما كان محوراً رئيساً خفياً في صفقات التمهيد لتصفية القضية الفلسطينية من اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني التي أخرجت مصر من الصف العربي المؤهل لمواجهة الغزوة الصهيونية وأخضعتها لتسلل صهيوني متزايد هيمن على الدولة العميقة والإعلام فيها ، إلى اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة اللتين لعبتا دوراً كارثياً مماثلاً في الساحتين الفلسطينية والأردنية .

مع ذلك ، استطاعت غزة أن تشكل تحدياً جاداً وفاعلاً لجريمة تصفية القضية الفلسطينية وتبديد حقوق وآمال الشعب الفلسطيني . يكفي أن نسوق هنا مقتطفات من مقالة للصحفي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس الصهيونية يوم 15/7/2018 بالتزامن مع القصف الذي شنته قوات العدو لأهداف فلسطينية عديدة في غزة . كتب ليفي ” :لولا غزة ، لنسي الناس الاحتلال الإسرائيلي منذ زمن بعيد. لولا غزة, لشطبت إسرائيل القضية الفلسطينية من جدول الأعمال تماماً .. لا تزال غزة ناضجة تروي قصتها وما ارتكب من جرائم بحقها ، تروي حياتها اليومية، مثل أربعة ملايين من الناس لا يعيشون تحت الأحذية . لولا غزة ، لكان العالم قد نسي أيضا . معظمه قد نسي بالفعل . حتى الآن روح غزة هي التي لا تزال تبث روح الحياة في النضال اليائس للشعب الفلسطيني من أجل الحرية …

يجب علينا أيضاً أن نُعجب بنضال غزة يجب على الناس القلائل المتبقين هنا أن يشكروا الروح القوية التي لم تتراجع. سقطت روح الضفة الغربية بعد فشل الانتفاضة الثانية ….. وفقط روح قوية واحدة مصرة على نضالها. غزة لا تزال تحاول التنفس … كل ليالي وأيام غزة أصعب بكثير بسبب سياسات إسرائيل غير الإنسانية …. لكن غزة صامدة وتقاوم.”

صحيح أن نتائج الحصار الخانق الطويل على غزة والحروب المدمرة المتلاحقة التي شنها الكيان الصهيوني عليها ، والانقسام الحاد بين سلطة حركة حماس التي تحكم غزة والسلطة المنبثقة عن اتفاق أوسلو والملتزمة به في رام الله قد باتت نتائج سافرة : ففي غزة أعلى معدل بطالة في العالم على الإطلاق ، وأعلى معدلات الجوع والفقر في العالم ، وأعلى معدلات إعاقات الحروب الجسدية في العالم ، وارتفاع متزايد في معدلات هجرة الشباب ، الأمر الذي أسهم في أزمات مجتمعية ونفسية ومعيشية معقدة ، وتدهور قيمي متفاقم ، لكن كل هذا لم يؤثر على مستوى قدرة غزة على المقاومة ، بل على العكس تشير كل التقارير إلى أن القدرة القتالية غير المسبوقة في قطاع غزة باتت كفيلة بإيلام الكيان الصهيوني وصد اعتداءاته على الأقل ، بينما تشير تقارير متعددة إلى أن غزة قد أدركت نوعاً من التوازن النسبي مع قدرة عدوها الصهيوني على التدمير .

ولئن سخر بعض خصوم حركة حماس من صواريخها المصنع معظمها محلياً فإن المناضلة البارزة من فلسطينيي الناصرة حنين الزعبي قد ردت على القائلين إن صواريخ حماس عبثية لا تقتل من تصيبهم ، فقالت حنين : هذا بالضبط ما تقتله صواريخ حماس. تقتل حماس قناعة إسرائيل بأنها استطاعت عبر منجزاتها الثلاث الأهم خلال السنوات العشر الأخيرة: الجدار، والحصار والتنسيق الأمني، السيطرة على الوضع، وتثبيت حالة احتلال دون محتل.المقاومة تعيد للإسرائيلي الحضور الفلسطيني كمحتَل، وهو ما غاب عن الواقع والذهنية الإسرائيلي لسنين قد طالت .

ويمكنني إكمال القراءة الدقيقة الواعية التي كتبتها الأخت حنين الزعبي بحقيقة أن تراكم الخيبة والرعب من الغد في أوساط متزايدة من مجتمع الغزاة الصهاينة يضاعف من تسارع سقوط مشروع الاستعمار العنصري الاقتلاعي الإحلالي الصهيوني وتآكله الذاتي أمام جداره المسدود.

على الرغم من استمرار الاستنزاف الناجم عن توالي حملات تكريس الانقسام في الساحة الفلسطينية مستحضرة وقائع ومشاهد القمع الداخلي الذي مارسته بعض أجهزة السلطة أو أفرادها ضد حركة حماس ، ثم القمع الذي مارسته حماس لاحقاً انتقاماً أو تكريساً لسلطتها في غزة ، فإن قدرة غزة تتزايد على مقاومة الحصار من ناحية ، ومقاومة اعتداءات جيش العدو الصهيوني وحروبه المتلاحقة من ناحية ثانية . على أنه لا يخفى على واع عاقل أن أجهزة العدو الصهيوني تقف خلف معظم الحملات التي تؤجج الانقسام الداخلي ، تخطيطاً وتنفيذاً ، لتستعر نيران حقد متبادل، وليتعمق انقسام لا يخدم سوى كيان الغزاة الصهاينة الذي تمتد هيمنته اليوم بعيداً متجاوزة فلسطين المغتصبة إلى ما بين محيط العرب وخليجهم .

لقد تلقيت تقارير عديدة من غزة تجزم بأن مثلما انتهت كل مشاريع الغزاة والمستعمرين إلى فشل واندثار ، من الغزوات الصليبية ، إلى غزو نابليون الذي هزمته عكا، فإن غزة مؤهلة ولإلحاق الهزيمة بصفقة ترامب ، وإعادة الصراع ضد الغزوة الصهيونية إلى سياقه الطبيعي انطلاقاً من التمسك بكون فلسطين من النهر إلى البحر ملك أبدي لثلاث عشرة مليون فلسطيني ممن يعيشون على امتداد أرضها أو يترقبون العودة إليها من المنافي ولأجيالهم القادمة إلى يوم القيامة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2184557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع خيرالدين عبدالرحمن   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40