شهدت فلسطين المحتلة سنة 1948 خلال الأسبوعين الماضيين إضراباً عم جميع المدن والبلدات العربية، أعقبته تظاهرة حاشدة دعت لها «لجنة المتابعة العربية العليا». وذلك احتجاجاً على هدم أحد عشر منزلًا لمواطني مدينة قلنسوة بحجة بنائها من دون ترخيص. علماً أن المواطن العربي يبني من دون ترخيص ليس انطلاقاً من موقف وطني متحدياً سلطة الاحتلال، وإنما نتيجة تعسفها في إصدار تراخيص البناء للعرب وصيانة مبانيهم، ومحدودية مساحة الأرض المسموح لهم البناء عليها. غير أن ردة الفعل العربية المتمثلة في الإضراب العام والتظاهرة الحاشدة، ظاهرة غير مسبوقة في حراك الأقلية العربية تؤشر للتطور الكيفي في فعاليتها وقدرتها على التحدي والدفاع عن حقوقها المشروعة.
والثابت أن تداعيات النكبة كانت الأشد قسوة على من بقوا في ديارهم، إذ انتقلوا بين عشية وضحاها من كونهم ينتسبون للأكثرية في وطنهم التاريخي ليصبحوا أقلية قومية في كيان عنصري، متمايزة عنهم أكثريته الصهيونية على محاور الأصل والدين واللغة والثقافة والقيم وأنماط السلوك. كيان أقيم على معظم أرض آبائهم وأجدادهم، فرضت عليهم جنسيته، حيث غدوا «مستعمرة داخلية» ل«إسرائيل». ولم يكن قد بقي من المدن العربية ذات الكثافة النسبية سوى الناصرة، فيما كان 75% من الباقين فلاحين يعيشون في 104 قرى عربية، إضافة إلى 45 مجموعة بدوية من بقايا قبائل الجليل والنقب. وقد افتقد الباقون القيادة الوطنية، وفي التعامل معهم أخضعوا للتمييز العنصري لائتمانهم القومي العربي، وانتسابهم الديني مسلمين ومسيحيين.
ولقهر إرادتهم وضبط سلوكهم أصدر بن جوريون أمراً بإخضاعهم لحكم عسكري، مؤسس على قوانين الطوارىء التي فرضتها سلطة الانتداب 1945، وكانت شبيهة بقوانين نورمبرج النازية 1935، وبموجبها افتقد المواطن العربي حرية التعبير والتنظيم والحركة والمساواة أمام القانون. وقد أباح قانون الطوارئ للحاكم العسكري سلطة إغلاق مناطق المواطنين العرب، وتقييد حرية خروجهم منها ودخولهم إليها إلا بتصاريح صادرة عن الحاكم العسكري، بحيث قيدت حرية المواطن العربي في التنقل سواء للعمل، أو المعالجة الطبية، أو لإجراء معاملات تجارية، أو لزيارة الأقارب والأصدقاء. كما منح الحاكم العسكري صلاحية نفي العرب من قراهم، وإجبارهم على المثول أمام الشرطة في أي وقت، أو إرغامهم على الإقامة الجبرية في أي مكان، أو توقيفهم لفترة غير محدودة دون محاكمة.
وفي محاولة إعادة تشكيل الجيل العربي الجديد وظفت برامج التعليم خاصة التاريخ. ففي سنة 1953 صدر قانون التعليم الحكومي، وبموجبه حددت أهداف التعليم بالنص على «إرساء التعليم ضمن قيم الثقافة اليهودية، ومنجزات العلم، وحب الوطن، والولاء للوطن وللشعب اليهودي». ولتحقيق ذلك فرضت على الطلبة العرب مناهج تشيد بالإنسان اليهودي، وتقلل من قيمة العربي، وتركز على «بطولات» اليهود ومعاركهم عبر التاريخ، مقابل إبراز سلبيات تاريخ العرب والمسلمين، ووصف العرب بأنهم متخلفون ولا يستطيعون التقدم كالشعوب الأخرى.
ولما كانت الصهيونية أبرز خمائر التغيير في الواقع العربي استفز التحدي الصهيوني استجابة عربية تمثلت سنة 1959 بتشكيل منظمة «جماعة الأرض».وفي سياق تطور الحراك السياسي لعرب الأرض المحتلة حينها تشكلت سنة 1969 حركة «أبناء البلد» بمبادرة مثقفين وأكاديميين في مدينة أم الفحم في تضاد مع العائلية والعملاء. وقد عبرت عن تطور الفكر والتنظيم السياسي قومي التوجه والالتزام. وفي 31 أغسطس 1972 عقدت مؤتمرها الأول، وأصدرت أول برنامج سياسي لها، وغدت حركة قُطرية في أعقاب يوم الأرض سنة 1976 مشكلة إطار تحالف قوى متباينة الرؤى التقت على رفض واقع الكيان الصهيوني، ومعارضة حزب «ركاح» الشيوعي لقبوله قرار التقسيم، وما رأت فيه محاولة صهينة النشطاء السياسيين العرب المنتسبين إليه.
وقد عارضت حركة «أبناء البلد» الحلول الجزئية أو المرحلية، بما في ذلك إعلان إقامة «دولة»فلسطين الذي أصدره «المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة التي عقدت في الجزائر سنة 1988. كما عارضت اتفاق أوسلو الذي أسقط الثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها الحقوق الوطنية المشروعة لمواطني الأرض المحتلة، واعترف بحق «إسرائيل» في الوجود ما عنى الإقرار بعدم أحقية العرب بفلسطين، واعتبر النضال الفلسطيني الممتد إرهاباً، وكذلك عارضت ما سمي «القائمة التقدمية للسلام»ووصفتها بكونها ابناً شرعياً طبقياً وفكرياً وسياسياً لليمين الفلسطيني. وفي عام 2008 عقدت حركة «أبناء البلد» مؤتمر حيفا راعية للالتزام بحق عودة اللاجئين لديارهم واستردادهم أملاكهم، كما شاركت في مؤتمر ميونيخ المؤيد إقامة الدولة الديمقراطية الواحدة في عموم فلسطين.
ويمكن القول وبكثير من الثقة إن مواطني فلسطين المحتلة سنة 1948 باتوا يشكلون قوة يحسب حسابها في صراع شعبهم وأمتهم مع الإمبريالية وأداتها الصهيونية. وقد نمت قدراتهم وفعاليتهم طردياً كما تجلى ذلك بما شهدته فلسطين المحتلة مؤخراً من إضراب وتظاهرة حاشدة.
الجمعة 20 كانون الثاني (يناير) 2017
تطور مقاومة فلسطينيي 1948
الجمعة 20 كانون الثاني (يناير) 2017
par
عوني فرسخ
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
27 /
2186934
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف عوني فرسخ ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
14 من الزوار الآن
2186934 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 14