تصعب العودة إلى «الحياة الطبيعية» بعد انقضاء جائحة «كورونا»، كأن شيئاً لم يحدث.
في غضون عامين على أقصى تقدير سوف يجد العالم نفسه أمام تغييرات شبه جراحية في موازين القوى الدولية وقواعد الاشتباك وتفاعلات عميقة وانفجارات محتملة هنا وهناك، بأثر تداعيات المحنة الصحية وما كشفته من عوار فادح.
إذا لم نبادر بالمراجعة الاستباقية لمواطن الخلل بالتصحيح والتصويب وسد الثغرات فإن الحقائق الجديدة سوف تداهمنا بتحدياتها وزلازلها.
في بلد كمصر يعاني وطأة أزمتين وجوديتين، المياه والإرهاب، فإن عبء ما بعد «كورونا» مضاعف وثقيل.
الأولى، تقترب استحقاقاتها الخطرة في يوليو المقبل إذا ما أقدمت أثيوبيا على ملء «سد النهضة» بلا اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان.
الثانية، تطل برأسها من وقت لآخر، تستثمر في الأزمات وتعمل على هز ثقة المجتمع في نفسه وقدرته على التغلب عليها.
كان مثيراً للالتفات أن العملية الإرهابية، التي استهدفت مدرعة عسكرية جنوبي بئر العبد، وأسقطت شهداء ومصابين، رافقت الإعلان عن أول إصابة بوباء «كورونا» المستجد في شمالي سيناء.
إذا ما استشرت الجائحة في شمال سيناء فمن غير المستبعد زيادة منسوب العمليات الإرهابية، وإذا ما تفاقمت أزمة المياه فإن الاستثمار فيها بالعنف والإرهاب محتمل ووارد.
ذلك يستدعي أن ينهض البلد كله، بكل طاقاته وقدراته، لمواجهة أية صعاب، مهما بلغت ضراوتها، وتذليل أية أزمات، مهما استحكمت حلقاتها.
في اللحظة الحالية هناك مساران لأي إسهام جدي في حمل العبء المشترك.
المسار الأول: تحفظي ينظر في أزمة «كورونا»، حجمها وفواتيرها البشرية والصحية الباهظة، كفاءة المواجهة الصحية وخطط تخفيف قيود الحظر.
السؤال الرئيسي في مصر الآن ومعدلات الإصابات والوفيات في ارتفاع مضطرد: هل من الحكمة التعجل بالعودة إلى الحياة الطبيعية قبل السيطرة على الوباء؟
هناك ضرورات اقتصادية لا شك فيها وموازنات اضطرارية لضمان استمرار حركة الحياة، غير أن الكلمة الأولى والأخيرة للعلم والطب وليس لضغوط بعض رجال الأعمال.
أياً ما كانت درجة كفاءة المجموعة الاقتصادية الوزارية فإنها في حاجة إلى أن تستعين بآراء أساتذة وخبراء الاقتصاد في البلد، حتى تطمئن إلى أن ما تتخذه من إجراءات أقرب إلى الصحة وليست لها آثار سلبية تنعكس على المجتمع وسلامته.
المسار الثاني: استباقي ينظر في المتغيرات الدولية والإقليمية المحتملة، مصادر الخطر على الأمن القومي كما الفرص المتاحة، وفي الخيارات والتصورات والأفكار والسياسات والأولويات.
تحت ضربات الوباء تأكدت أهمية دور الدولة في مواجهته وأولويات الصحة والتعليم وضرورات التقنيات الحديثة.
ما الذي يجب علينا أن نؤكده، وما الذي يتوجب أن نراجعه؟
هذا كله موضوع حوار لا بد أن يشمل أهل الاختصاص من كافة المدارس الوطنية وأن يكون الرأي العام حاضراً فيه بالمشاركة والمتابعة.
دعونا ننظر في المرآة لنرى الحقيقة كما هي قبل التطلع إلى أي تصحيح وتصويب واجب قبل أن تداهمنا عوالم ما بعد «كورونا».
المجتمع المدني واستقلال القضاء واستقلال الجامعات والحقوق المنصوص عليها في الدستور عناوين كبرى تستحق التوقف عندها بالنقد والتصحيح، فالجور عليها عدوان صريح على الشرعية.
قبل ذلك كله فإن قضايا العدالة الاجتماعية والتنمية وعدالة توزيع الأعباء لها الأولوية الشعبية تحت ضغط الأنين الاجتماعي والأمل المراوغ في تحسين مستويات معيشة الطبقات الفقيرة.
لا يمكن لعاقل واحد أن يتوقع الانتقال من حال لحال في يوم وليلة. كل شيء يحتاج إلى وقت وإرادة سياسية مشتركة، إذا لم توجد مثل هذه الإرادة فإن الأخطار سوف تداهم البلد بأقسى من أي توقع.
فكرة المراجعة الاستباقية ربما يجري تجاهلها بذريعة أو أخرى، بوهم أو آخر، باليأس المفرط أو التهوين المفرط، لكن الواجب الوطني يقتضي طرحها.
النقاش العام ضروري والتماسك الوطني ضروري في مواجهة أية أخطار وتحديات قد تداهم البلد قبل وبعد انقضاء وباء «كورونا».
الأحد 3 أيار (مايو) 2020
مراجعات استباقية
الأحد 3 أيار (مايو) 2020
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
16 /
2184576
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف عبدالله السناوي ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
10 من الزوار الآن
2184576 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 9