الخميس 23 أيار (مايو) 2019

هل التهديد الأميركي بالحرب على إيران مجرد استعراض؟

الخميس 23 أيار (مايو) 2019 par حميدي العبدالله

يعتقد كثيرون، بما في ذلك القيادات الإيرانية أنّ ما تقوم به الولايات المتحدة من إطلاق للتهديدات، وتحريك الأساطيل بالقرب من حدود إيران ومياهها الإقليمية، هي عملية استعراض، وتهويل، هدفها الابتزاز، وإرغام الحكومة الإيرانية على قبول العودة إلى طاولة التفاوض, ولكن هذه المرة ليس على الملف النووي الإيراني، بل على قضايا أخرى، هي دعم إيران للمقاومات العربية، لا سيما المقاومات التي تستهدف الكيان الصهيوني، وتدمير قدرات إيران الصاروخية، وحمل إيران على عدم الحصول على مواقع في دول تعتبرها الولايات المتحدة مناطق نفوذ حصرية لها، سواء في الخليج العربي، أو العراق، أو سورية، أو لبنان.

الذين يعتقدون أنّ التهديدات الأميركية وتحريك الأساطيل والقاذفات الاستراتيجية مجرد عملية استعراض وتهويل يستندون في ذلك إلى العوامل الآتية:

العامل الأول، الولايات المتحدة خاضت حربين في الشرق الأوسط في العقدين الماضيين ولم تربح هاتين الحربين، وهما حرب احتلال أفغانستان وحرب العراق وبالتالي فإنها تكبّدت خسائر مادية وبشرية ولم تحصل على ما كانت تتطلع إليه، وقد وثّق جوزيف ستيغليتز ونائبة وزير الخزانة في عهد الرئيس بيل كلينتون كلفة هاتين الحربين في كتابهما «حرب 3.5 تريليون دولار».

العامل الثاني، أنّ إيران دولة أكثر قوة من الأعداء الذين حاربتهم الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق في ظرف دولي كان يميل بالمطلق لمصلحة الولايات المتحدة. اليوم واشنطن إذا ذهبت إلى الحرب على إيران فإنها تواجه عدواً أكثر استعداداً وأكثر قوةً، وتحتاج إلى مئات آلاف الجنود في الحرب معه، أكثر من عدد الجنود الذين حشدتهم في أفغانستان والعراق، وهذا أمر يصعب الحصول عليه.

العامل الثالث، الحرب إذا وقعت، ستكون من جهة ساحتها إيران، ولكن من الجهة الأخرى ستكون ساحاتها بلدان للولايات المتحدة مصالح حيوية فيها مثل دول الخليج العربي والعراق، وستتكبّد الولايات المتحدة وحلفاؤها خسائر أعلى بكثير من خسائر حربي أفغانستان والعراق. وستشمل هذه الخسائر العنصر البشري والمعدات، كون القوات الأميركية المنتشرة في الخليج وفي العراق وسورية، وربما حتى الكيان الصهيوني، ستكون عرضة لضرب القوات الإيرانية بقدراتها العسكرية المعروفة والمدمرة وقدرات حلفائها.

العامل الرابع، في هذه الحرب لن تجاري الولايات المتحدة الدول التي جارتها وشاركت إلى جانبها في حربي أفغانستان والعراق بفعل تبدل الظروف الدولية لا سيما الصراع بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وبعض حلفائها من جهة أخرى.

بفعل هذه العوامل مجتمعة يذهب البعض، ومنهم القيادة الإيرانية، إلى استبعاد احتمال مغامرة أميركية في شنّ حرب على إيران.

لكن في المقابل هناك عوامل أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار يمكنها أن تقود إلى اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جهةٍ أخرى، وثمة خطأٌ فادح في استبعاد مطلق لمثل هذا الاحتمال.

أما العوامل التي قد تدفع إلى وقوع الحرب، فيمكن تلخيص أبرزها على النحو الآتي:

العامل الأول، هناك أطراف لها تأثيرٌ واسعٌ على صانعي القرار في الولايات المتحدة، جمهوريين وديمقراطيين, يمكنهم أن يورّطوا الولايات المتحدة بحربٍ ضدّ إيران ويزيّنوا لصانعي القرار الإقدام على مثل هذه المغامرة، وهذه الأطراف بعضها يملك التأثير والإغراء المالي، مثل المملكة العربية السعودية التي ترى أنّ إيران وما حققته من نفوذ على مستوى المنطقة، يشكل تهديداً وجودياً لها، وبالتالي لديها الاستعداد لدفع وتمويل كلفة أيّ حرب تساعدها على إبعاد هذا الخطر عنها. كما أنّ تل أبيب بما لها من نفوذٍ تقليديٍ قديم واسع النطاق على صانعي القرار في الولايات المتحدة، فهي الأخرى ترى أنّ إيران، لا سيما من خلال دعمها لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ودعم الدولة السورية، تشكل أيضاً تهديداً وجودياً لها، وبالتالي لدى المسؤولين في تل أبيب الكثير من الحسابات التي تدفعهم لعمل كلّ ما هو مستطاع لإقناع صانعي القرار في الولايات المتحدة بشنّ حرب على إيران، مهما كانت كلفة هذه الحرب، وسوف يسعون لإقناع المسؤولين وصانعي القرار بأنّ كلفة الحرب أدنى من كلفة التسليم بالنفوذ الإيراني في المنطقة، الذي يتنامى على حساب نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها.

العامل الثاني، جميع الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى عند بدء حدوث تحولات دولية وإقليمية كبرى تعكس تراجع نفوذها، وتجعل قدرتها في الحفاظ على المصالح التي تكونت لها سابقاً تتراجع، تلجأ إلى مغامرات وحروب، ولم تقبل التكيّف مع الواقع الجديد، وتوازناته ومعادلاته، إلا بعد حروب تختبر فيها قدرتها على عكس مسار التاريخ. حصل هذا ما بعد الحرب العالمية الثانية بالنسبة للإمبراطوريتين الاستعماريتين، البريطانية والفرنسية، وتحديداً في العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي- الإسرائيلي على مصر عبد الناصر. ووضع الولايات المتحدة اليوم لجهة تراجع نفوذها وقدرتها كإمبراطورية امبريالية يشبه وضع الإمبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك يمكن لتحريض أطراف لها مصلحة في اندلاع حرب مع إيران بمستوى تأثير كلّ من المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني، أن يجد آذاناً صاغية لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة.

العامل الثالث، طبيعة الإدارة الأميركية الحالية، حيث يقف على رأس هذه الإدارة رجلٌ غير متزن، هو الرئيس ترامب الذي أحاط نفسه بمجموعة من عتاة اليمين المتطرف الذين يسعون إلى إشعال فتيل الحروب، ويسعى هذا الفريق جاهداً إلى إقناع صانعي القرار بصوابية شنّ الحرب على إيران مدعوماً من تل أبيب والرياض.

هذه العوامل مجتمعة تجعل احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بشنّ الحرب على إيران احتمالاً قائماً ولا يمكن استبعاده بالمطلق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 126 / 2183415

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع حميدي العبدالله   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2183415 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40