ما بين وعد بلفور والتطبيع!

انه العام الخامس بعد المئة لاعلان بريطانيا وعد بلفور المشؤوم ، ففي العام ١٩١٧ وتحديداً في الثاني من شهر نوفمبر ، وثّق هذا الوعد برسالة من ارثر بلفور الى اللورد ليونيل دي روتشيلد ، وذلك خلال الحرب العالمية الاولى
يقتضي هذا الوعد بإعلان تأسيس ( وطن قومي للشعب اليهودي ) في دولة فلسطين العربية ، وجرى الاعلان عنه في الصحف في اليوم التاسع من الشهر عينه
وكان نص الوعد كالآتى : تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر .
إن اولى الكلمات التي تضمنها الوعد ( وطن قومي ) تعتبر سابقة في القانون الدولي ، كونه مُصطلح مبهم عن عمد ، والمراد به (دولة يهودية )
ولقد اعترفت بريطانيا بعد ذلك ، بأنه كان من المفترض أخذ اراء السكان المحليين بعين الاعتبار ، فضلاً عن ان الوعد كان ينبغي ان يتضمن جزء يدل على حماية الحقوق السياسية للعرب الفلسطينين
أما البداية لهذا الحدث فكانت في اربعينيات القرن التاسع عشر ، عندما كان الانتداب الفرنسي يتغلغل في الشرق الاوسط ، واريد ان انوه الى دور ملوك البروتستانت فقد كان لهم دور فاعل في زرع هذا الكيان وتعاطفاً كان جلياً
في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر ، كان فقط ٢٤ الف يهودي يقطنون في فلسطين عشية ظهور الصهيونية ، والتي نشأت كردة فعل ، لما لاقته من اضطهاد في اوروبا
فضلاً عن انطلاقة الهاسكالا اي حركة ( التنوير اليهودي ) والتي نتج عنها انقسام في المجتمع اليهودي ، فمنهم من رأى فيها مُعتقد ومنهم من رأى فيها هوية
اما في طيات ما حصل من تمخض لهذا الكيان ، فقد قام القائد الصهيوني ( حاييم وايزمان ) وهو احد رؤساء (المُنظمة الصهيونية العالمية ) بدعم ارثر بلفور في حملته الانتخابية عام ١٩٠٥ _١٩٠٦ ، حيث طغت على الخطابات ، جمل التعاطف بحق اليهود الفارين من الامبراطورية الروسية الى بريطانيا
وكما يدّعي وايزمان ، بأن الانكليز ينتمون الى لندن كما اليهود ينتمون الى القدس ، وهنا رجاءً لنقم بفتح اقواساً بدل القوسين ونضع بداخلها بأن هذه المقولة هي اكبر تزوير جرى في التاريخ
اما من قام بدعم مخطط وايزمان هو البارون ( إدموند روتشيلد ) المنحدر من عائلة روتشيلد الفرنسية
من ثم التقى وايزمان ب ( بروتزيسكا روتشيلد ) التي قدمته الى البارون الاول في العائلة الانكليزية ، والذي كان له موقف مُتريث من الصهيونية ، الى ان توفى في سنة ١٩١٥ ، ليصبح ابنه والتر صاحب اللقب
وفي ذلك الحين كانت فلسطين قد امضت اربعة قرون تحت الحكم العثماني ، الذي اعطى اليهود الحقوق ذاتها التي يملكها العرب حتى مكّنهم من شراء الاراضي فيها
اما في اواخر عام ١٩١٥ كان قد جرى تبادل للرسائل في مصر بين المندوب السامي هنري ماكمهون وشريف مكة حسين بن علي ، اطلق على اثرها بن علي الثورة العربية في ١٩١٦ ، على اساس ما جرى من تعهُد
وفي ظل تلك المجريات كانت قد ابرمت اتفاقية سرية بين كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا ، عرفت باتفاقية ( سايكس بيكو ) الانجلو -فرنسية
اما لماذا غابت روسيا عن العلن رغم وجودها في السر ، فذلك بسبب ما كانت تعانيه من الثورة الداعمة للبلاشفة في ذلك الوقت ، كما انسحبت من الحرب خلال المرحلة الاخيرة
وفي عام ١٩٣٥ برزت عدة ثورات كان اهمها ( الثورة الفلسطينية الكبرى ) وذلك رفضاً لما جرى من وعد مشؤوم ، ما دفع بالانتداب الفرنسي الى تشكيل لجنة سُميت ب ( لجنة بيل ) التي تهدف الى تقسيم فلسطين بين العرب واليهود
لقد تجلى التطبيع مع نشوء هذا الوعد المشؤوم بالمواقف العربية والاسلامية منذ حينه ، فما جرى هو خيانة لدولة فلسطين كانت قد هدأت وتيرتها في فترات مُعينة ، لكنها عادت اليوم من دون اي ذرة خجل ، لتمنح الاحتلال الصهيوني مزيدا من الشرعية في بقاءه بهذه البقعة الجغرافية الكنعانية.
وان ما تقوم به الدول العربية اليوم يُمثّل تهديداً اكبر من الوعد الذي جرى قبل نحو ١٠٥ اعوام ، فهي التي تقوم بدفع ثمناً باهظاً نتيجة المواقف العربية السابقة ، والتي نتج عنها ( ضياع فلسطين )
اليوم هي مسؤولة اكثر من ذي قبل عن ضياع الهوية العربية
لقد اراد الغرب ان يتخلص من اليهود فوقع الخيار على زرعهم في بلادنا
‎