يتجول أمل دنقل في القاهرة، تحت إبطه كتابه «لا تصالح»، يقول لنفسه أخيراً تحققت نبوءتي وصدقت عين زرقاء اليمامة بأن عين الشعب قد تنعس، لكنها، لا تنام .
لم يكتب شعراء الحدس أو شعراء النبوءة في مصر خلال السبعينات والستينات من القرن الماضي عن أسطورة هدم الجدران وطيران السفراء غير المرغوب فيهم إلى بلدانهم قبل أن يحلقوا لحاهم في الصباح.
لم يتح لأولئك الغلابة من شعب مصر أن ينزلوا العلم «الإسرائيلي» ولو رمزياً في نصوصهم، فقد كان الرقيب الشعري والرقيب السياسي ومعهما رقباء كثر يتحركون في الليل أكثر من البعوض والذباب.
لم يكن بوسع الصنايعي والإسكافي وبائع الفلافل وحتى بائع الورد أن يقفزوا إلى الأمام أكثر من قفزهم اليومي من أجل لقمة خبز مبلولة بماء النيل.
لم يكن للفلاح والصعيدي وصانع الكشري والعربجي والجورنالجي وابن «الحتة» والجدع الذي يحب مصر أكثر مما يحب أهل بيته، أن يذهبوا إلى «السفارة في العمارة»، فالكاميرات الآلية وعيون الكلاب الميتة كما يقول عبد الوهاب البياتي كانت بانتظارهم في الشوارع والحارات والميادين والأرياف.
وفي أقل من عام عاد أمل دنقل إلى الحياة، وشوهد وهو يتردد على مقهى «ريش» ويوضب قصيدة جديدة تستكمل فكرته عن اللاصلح.
هذه المرة، كل الحرافيش يخرجون من بيوت الزنك والطين والخشب الذي أكلته العثة.
كل واحد معه «نبوت»، وكل واحد معه كرامته واسمه المصري العلني، ويجري في زد ظهره نهر النيل.
هذه المرة «جدعنة» مصرية مئة في بالمئة، لا بلطجية ولا حرامية. فقط شعب يهدم الجدار. يحقق حلمه بالواقع، ويرفع صوته قائلاً: ارفع رأسك في القاهرة.