. . أصبح لدينا فلسطيني أبيض، وفلسطيني أحمر، وفلسطيني بنفسجي، إلى آخر قائمة ألوان الطيف . ومدن فلسطين الطيبة، الوديعة، المغلوبة على أمرها هي الأخرى أصبحت مقسمة إلى فئات . فمثلما هناك برلين شرقية وبرلين غربية، سوف يكون لنا عكا شرقية وعكا غربية، ورام الله شرقية ورام الله غربية، وعريش شرقية، وعريش غربية، وبالطبع سيكون هناك نقاط حدود، ومراكز أمن عام، وجمارك ودوريات تفتيش . .” .
مهلاً أيها القارئ الصديق، لا تتسرع وأنت تقرأ هذه الفقرة أعلاه معتقداً أنها من مقالة يومية نشرت أمس حول الوضع الفلسطيني “الكافكاوي” نسبة إلى الروائي التشيكي الكابوسي فرانس كافكا . بل تصور ان ما قرأته أعلاه هو جزء من مقالة كتبها الشاعر نزار قباني ونشرت في 29/7/،1974 والمقالة منشورة في كتابه “الكتابة عمل انقلابي” الصادر عام 1975 في بيروت .
وإذا أردت أن تقارب بين أوتوستراد غزة رام الله، وبين سخرية نزار قباني هذه، فإن هناك أكثر من سبعة وثلاثين عاماً بين الأمس واليوم، ولكي نقفز على صليب الفلسطيني الخاص به والمصنوع من خشب البلوط، سنذهب فقط إلى نبوءات الشعراء القاتلة، ومنهم قباني الذي كتب عن الحالة الفلسطينية = التي يسميها محمود درويش حالة الاحتضار الطويلة، قبل عقود من الزمان وكأنه يكتب اليوم أو البارحة وهو شاهد عيان على هذا الاحتضار الطويل .
لم يكن صاحب “قصائد متوحشة” وحده الشاعر النبوئي على هذا النحو الشفاف والمباغت للإنسان العربي، بل كل شاعر في مثل حساسية وشفافية قباني يمكنه أن يمتلك قوة استشرافية أو حدسية سابقة لزمانه . من هؤلاء، مثلاً، الشاعر الراحل أمل دنقل في قصيدته “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” صاحب القصيدة الشهيرة “لا تصالح”، وأظن أن الكثير من السياسيين الفلسطينيين يقرؤون اليوم قصيدة “لا تصالح” بالمقلوب، لكي تبقى قائمة هذه الفسيفساء الفلسطينية كما يقول نزار قباني بالحرف في عام 1974 .
دعك من السياسة والسياسيين، واحذر نبوءات الشعراء، فهؤلاء من طبيعة تشاؤمية في الغالب، ولكنه مع الأسف تشاؤم معرفي أو تشاؤم قائم على وقائع وحيثيات .
وما أكثر الوقائع والحيثيات التي تغم القلب وتكدّر الروح .
RLS
