الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) 2017

جنود «أوسلو» لا يستسلمون... رغم انتهاء المعركة

الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) 2017 par عبدالرحمن نصار

لم تفصل سنوات كثيرة على تعديل جملة «وعاصمتها القدس الشريف»، الشهيرة في ختام البيانات الفلسطينية والعربية عامة، وبين جملة «وعاصمتها القدس الشرقية»، فالأُولى كان قد نطق بها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قبل ثلاثين سنة (إعلان الاستقلال من الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988)، قبل أن تتحول في أواخر عهده وما بعده إلى الصيغة الثانية.

حتى مصر التي ترى نفسها صاحبة دور مركزي في هذه القضية لم تشهد هذا التعديل في بياناتها إلا أخيراً، في عهد عبد الفتاح السيسي الجاري.
ومع أن وجود جزء من القدس عاصمة لدولة تقع حدودها في مساحات متقلّصة من الأراضي التي احتلت عام 1967، بسبب الاستيطان، مع موارد أقل وسيادة منقوصة، كانت تمثل بالنسبة إلى الفلسطينيين حلاً «معقولاً»، فإنه اليوم لم يعد متوافراً. والمعقول هنا ليس بالقياس إلى ما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات، بل إلى ما كان يمكن أن يعطيه الإسرائيليون لأصحاب مشروع التسوية.
على أيّ حال، مرت تلك السنوات وأحسنت إسرائيل استغلالها لتغيّر فيها الأمر الواقع كلياً. فليس اتفاق أوسلو (1993) هو الوحيد غير الصالح للتطبيق الآن، ولا حتى مبادرة السلام العربية التي اقترحتها السعودية (2002) «قديمة وغير صالحة» وفق تعبير رئيس حكومة العدو تنياهو، بل إن كل الوقائع القانونية والجغرافية والديموغرافية تغيّرت إلى حدّ أصبح فيه أي حل مقترح للتسوية غير منطقي حتى بمعايير أصحاب مشروع ذلك الاتفاق، وتحديداً في القدس حيث ترجح الكفة الإسرائيلية في الميزان.

لا قرار

في جولة من استطلاع الرأي والاتصالات، وعدا الذين تهربوا من الإجابة أو قدموا إجابات بروتوكولية منسوخة ومكررة ، لا يخفي أحد من مسؤولي السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» وكذلك «منظمة التحرير»، حالة الإحباط التي أصيبوا بها جراء التخلي الأميركي عن أساسات الحل السياسي. وبالانتقال إلى الصف الثاني والثالث وصولاً إلى الكوادر الفتحاوية في الضفة، فهم يشعرون بأنهم تركوا وحيدين لإدارة جمهور غاضب، غضبه على الأميركيين والإسرائيليين لا يقلّ بدوره عن السلطة التي يحمّلونها ما آلت إليه الأوضاع.
فرئيس السلطة ورئيس «فتح» وهو نفسه رئيس المنظمة، محمود عباس، أبلغ من حوله بأن لهم حرية القرار في تحريك الشارع بشرط ألا تظهر مظاهر مسلحة أو يستعمل السلاح، أي إن على أمناء الأقاليم في الحركة أن يقرروا ماذا سيفعلون، وهو ما دفع عدداً منهم إلى التساؤل: أين القائد/ القيادة التي يُناط بها اتخاذ القرار في اللحظات الحاسمة؟ وعلى الأقل: ما هو المدى الأقصى الذي يجب ألا نتجاوزه؟ حتى هؤلاء يلاحظون أن الجيش الإسرائيلي رغم استنفاره وقسوته في قمع التظاهرات حريص إلى حد ما على ألا يشتعل المشهد ويسقط عشرات الشهداء، كذلك فإنه لم يغلق المسجد الأقصى كلياً، بل اتخذ إجراءات «ما بين وبين» تهدف إلى امتصاص غضب الشارع، ويخشون أن تنهيه غياب القيادة لإدارة الحراك.

ترى الأوساط الرسمية أن حل السلطة ووقف التنسيق الأمني «بلا جدوى»

وبجانب أنه لا قرار واضحاً أو مركزياً على الصعيد الحركي، أو أذرع السلطة، فإن الاجتماعات المقرر أن تعقد، سواء لـ«المجلس المركزي» أو «اللجنة المركزية لفتح»، أخذت مواعيدها قبل أيام إلى مساء غد (السبت) وبعده (الأحد)، وهو ما لا يشبه أبداً أي وضع طارئ يمكن أن يتخيله كادر في تنظيم ما. والسبب، وفق مصادر فتحاوية، هو مراقبة مدى ردّ فعل الشارع ــ تحديداً يوم الجمعة (أمس) ــ واستكمال المشاورات مع «الأشقاء العرب». وبشأن الأخيرة، تشتكي أوساط في السلطة من أن دولاً مثل السعودية ومصر «رفعت يدها»، ولن تقدم أي غطاء على خطوات «تمسّ الاستقرار في المنطقة» رغم اعتراضها ــ شكلياً على الأقل ــ على الإعلان الأميركي.

وإن كان هناك استثناء واحد، هو الأردن، فذلك يعود إلى القلق لدى عمّان من أن عدم حصول الفلسطينيين على دولة يعني أن الضفة ستلقى في «حِجر المملكة» اقتصادياً، وربما قانونياً. بجانب ذلك، ثمة مشكلة قانونية كبيرة تتعلق بمئات آلاف المقدسيين الذين يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة، ولم تتضح بعد حالتهم القانونية إن قررت إسرائيل إخراجهم من نطاق خدمات بلدية الاحتلال في القدس وسحبت منهم الإقامات التي تسمح لهم بالبقاء هناك ودخول البلدة القديمة وما إلى ذلك. مع هذا، تشرح المصادر أن عمان لم تتصرف حتى اللحظة أي سلوك أو فعل يدل على أنها كانت الوصية على المقدسات الإسلامية في المدينة «التي قد تتحول إلى متاحف!».
وعند عقد الاجتماعات، تجيب المصادر بأن أكبر ما يمكن اتخاذه من قرارات هو «وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل»، في امتداد لقرار سابق، خاصة أنه «لا جدوى من حل السلطة» التي صار دورها خدماتياً فقط. مع ذلك، تشير إلى أن وقف التنسيق لن يؤثر في مجريات ما يحدث، خاصة أن «المشكلة الآن مع الأميركيين».
على هذا الصعيد، حذر أمس البيت الأبيض السلطة من مغبة إلغاء اجتماع قرره الرئيس دونالد ترامب لنائبه مايك بنس. وقالت الإدارة الأميركية إن «خطوة مثل هذه ستأتي بنتائج عكسية»، فيما شرحت المصادر الفلسطينية أن الأميركيين اقتنعوا بتأجيل الزيارة قليلاً حتى تستطيع السلطة السيطرة على الوضع، علماً بأن القيادي في «فتح» جبريل الرجوب كان قد قال إن «بنس غير مرحّب به في فلسطين... فتح والرئيس محمود عباس لن يستقبلوا نائب ترامب في بيت لحم» المقرر أن يزور الضفة في التاسع عشر من الشهر الجاري (حتى اللحظة).
في كل الأحوال، ليس هذا ما يؤزم السلطة، بل ثمة توقعات بـ«مصائب أخرى» يريد الأميركيون فرضها قبل بدء المفاوضات التي يبدو أن الفلسطينيين سيجرّون إليها جراً. وبينما لم توضح المصادر ماهية البنود الجديدة، يدور الحديث أولاً عن التنازل عن حق اللاجئين بالعودة، والعمل على توطينهم مع احتمالية صرف بعض تعويضات لهم في البلدان الموجودين فيها، أو إعادة توزيعهم على بعض الدول. وبشأن رعاية عملية التسوية، لا شيء لدى السلطة إلا فكرة التوجه إلى «الرباعية الدولية»، بما أنها تجمع الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة.
لا حلول في الأفق

يقول عضو «اللجنة المركزية لفتح»، محمد شتية، إن ما حدث نتيجة طبيعية لتوقف المفاوضات منذ آذار 2013، مضيفاً أن «إسرائيل كانت تفاوض كغطاء لتمرير سياسات الضم وغيرها». وبعدما أوضح أن «أوسلو» هو الذي جعل مدينة القدس «قضية تفاوضية ضمن قضايا الحل النهائي»، فإنه الآن بعدما نسف قرار الرئيس الأميركي كل الاتفاقات السابقة وخاصة حل الدولتين وما يتعلق بالمدينة المحتلة، يجب ألا يكون «لموضوع المفاوضات أي مكان في العقل الفلسطيني».
مع ذلك، يقول شتية لـ«الأخبار» إن مراجعة أوسلو هي على عاتق «منظمة التحرير» لا السلطة التي تحولت إلى أداة تنفيذية «تجمع الضرائب نهاية الشهر». ويضيف: «الاتفاق الموقع انتهى وأي اتفاق مستقبل لا قيمة له إن كانت القدس خارجه... الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً، وهي لم تكن نزيهة على مدار السنوات الماضية، بل اليوم هي جزء من المشكلة لا الحلّ».
وبجانب المطالبة المتكررة بإنجاز المصالحة الداخلية وإشراك حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في المشهد، لا يزيد عضو «المركزية» سوى أن الصراع يجب أن ينتقل الآن من إطار الـ67 إلى «مرحلة لا نميز فيها بين رام الله ويافا» بما أن الصراع عاد إلى مربعه الأول. وعن الخطوة التالية، قال: «الخطوة الأولى إخراج أميركا من الوساطة... نريد من أوروبا والصين وروسيا والبرازيل والهند أن تشكل ائتلافاً لدعمنا».
أما القيادي نبيل شعث، الذي ساهم في صياغة اتفاق أوسلو، فرأى أن الحل هو توجه السلطة إلى مجلس الأمن»، مشيراً إلى أن «القيادة الفلسطينية ستعمل على مراجعة اتفاق أوسلو خلال اجتماع المجلس المركزي القادم». وكرر شعث، في حديث إلى «الأخبار»، موقف سابقه بالقول: «الفرصة الوحيدة للسلام يجب أن تأتي من أوروبا وروسيا والصين الملتزمين قواعد الأمم المتحدة»، مطالباً كذلك بدور سعودي.
بدوره، قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، لـ«الأخبار»، إنّ قيادة السلطة «لن تستقبل مايك بنس كرد أولي على القرار الأميركي، حتى تؤخذ ضمانات بعدم تنفيذ القرار الذي اتخذه ترامب والعمل على إلغائه». وأضاف أبو ردينة أنّ «الرئيس محمود عباس سيشارك في قمة منظمة التعاون الإسلامي الطارئة المزمع عقدها الأربعاء المقبل في إسطنبول»، مشيراً إلى أن «السلطة ستمضي قدماً في طريق محاسبة إسرائيل في محاكم الجنائية الدولية، خاصة في ما يتعلق بملف الاستيطان في القدس الشرقية، كما ستمضي قدماً في ملف الانضمام إلى المؤسسات الدولية».
يشار إلى أن ترامب كان قد دعا عباس إلى زيارة واشنطن خلال الاتصال الأخير بينهما دون تحديد موعد للزيارة بعد، وذلك قبيل إعلانه القدس «عاصمة لإسرائيل».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2160491

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2160491 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010