الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) 2017

كيف ستتعامل إسرائيل مع التطورات؟

الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) 2017 par بيروت حمود

ربما يصلح إسقاط أحداث مسرحية «دائرة الطباشير القوقازية (روتلد بريخت)» رمزياً على فعلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في الواقع، هناك أمّ حقيقية هي الشعب الفلسطيني، الذي تُرّكَ أرضه بقوة النار والحديد، وهناك «خادمة» رعت «الابن المتروك» مدعيةً أنه ابنها. طبعاً ليس مهماً ما حكمه القاضي في النهاية، أن الخادمة هي أمّ الصبي.

لكن المهم هو مغزى المسرحية «فمن أحب شيئاً، لا ينازع عليه فيمزقه ويتسبب في خرابه»، وهي خلاصة قد تكون «عاطفية» ولكنها «تنفع» للمقارنة بحالة إسرائيل، وما قد يعقب من «خراب» إثر إعلان ترامب.
في المقابل، هناك أمر آخر يرتبط بالتأثير النفسي للإعلان الأميركي على الإسرائيليين، مقابل التأثير في نفوس الفلسطينيين والعرب عامةً. فردود الفعل الإسرائيلية نمت عن شعور كأن أحدهم كذّب كذبة ويطلب من الآخرين المساعدة في منحها الصدقيّة، حيث تحدث محللون إسرائيلييون عن «شعور مختلط» خلال زيارتهم للقدس بعيد الاعتراف الأميركي، شعور لا يشبه ما كان قبل الاعتراف! ولكن، من يدّعي أن شيئاً ما هو حقه لا ينتظر من الآخرين أن يمنحوه إياه. وبخلاف الإسرائيليين، فإن الفلسطينيين قالوا إن القدس كعاصمة أزلية وأبدية لفلسطين هو أمر لا يحدده لا بيت أبيض ولا «المجنون» الذي يديره، ولا أي أحدٍ آخر.
في الميدان، يمكن استعارة سؤال ختمت فيه صحيفة «يديعوت أحرونوت» أحد تقاريرها أمس: «ألسنة اللهب تشرئب في الشرق الأوسط، بعدما ألقى ترامب بعود الثقاب؟»، حيث استمرت ردود الفعل في العالمين العربي والإسلامي، في اليومين الماضيين، بالاحتجاجات والتظاهرات، والاشتباكات (على المستوى الفلسطيني). «هو رد فعل لا ينبع فقط من كون القدس تشكّل رافعة دينية مهمة بالنسبة إليهم، وإنما لأنهم لا يريدون وجوداً إسرائيلياً في المنطقة». الكلام لمحلل الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، واعترافه إن دّل على شيء فيدل على أنه مهما تفاخرت إسرائيل بتحسن صورتها في العالمين العربي والإسلامي، ومهما استشهدت بإحصاءات ومسوغات ميدانية عن ارتفاع «نسب الحب» لها، فإن قضية فلسطين تنسف ذلك في كل مرّة.

خطاب آيزنكوت يبدو كأنه رسم تخطيطي لكيفية التعامل مع الهبّة التالية

بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فقد حقق «إنجازاً دبلوماسياً فريداً»، إذ إن القرار الأميركي سيفتح الباب أمام دول أخرى، في مقدمتها تشيكيا والفيليبين، للاعتراف أيضاً بالقدس كـ«عاصمة لإسرائيل»، ونقل سفارات بلادها إليها لاحقاً. وهو يشكل أيضاً «إنجازاً سياسياً» أمام «خصومه» في الداخل، وخصوصاً أولئك الذين لا يجرؤون على تحذيره من مغبة القرار.
غربياً وإسرائيلياً، تحدث هرئيل، عن أن ما «يجمع عليه هؤلاء هو الاعتقاد بأن العرب والفلسطينيين هم كتلة بشرية هائلة غير قادرة على تفريغ غضبها إلا في الشارع في ردود فعل غير قابلة للسيطرة». ولذلك فمن المتوقع بحسبه أن تنطلق موجة احتجاجات، تصلح مقارنتها بأحداث الخليل عام 1990، أو أحداث نفق حائط البراق عام 1996، وحتى الانتفاضة الثانية التي اشتعلت عقب اقتحام رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أرييل شارون، المسجد الأقصى عام 2000، ومن ثم موجة العمليات المستمرة منذ 2014. ويضيف: «بالمناسبة، فإن التطورات الجديدة تتزامن مع الذكرى الثلاثين لانتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى».
اندلاع مواجهات في القدس، والضفة الغربية وغزة، وحتى في المناطق المحتلة عام 1948، يضع المستويات الأمنية والسياسية العليا في إسرائيل أمام «مسؤولية الإجابة عن كيفية احتوائها». وبالعودة إلى اليومين الماضيين، يتضح من محاضرة ألقاها رئيس هيئة أركان جيش العدو، غادي إيزنكوت، في «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» في القدس أن «إسرائيل تمكنت بعد شهور طويلة من كبح موجة العمليات الفردية التي بدأت في القدس والضفة الغربية في تشرين الأول 2015». واعترف آيزنكوت بأن «ذلك حصل بعد عدّة أشهر قبل صياغة آلية متكاملة لمواجهة الأحداث»، مؤكداً أن الوصول إلى تلك النتيجة «لم يكن ليحصل لولا العمل الاستخباري الدقيق وجمع المعلومات الميدانية المفصلة، وعدم الانجرار إلى سياسة العقاب الجماعي».
الأهم من جهد إسرائيل، هو ثناء تقدّم به رجالات الاستخبارات في السلطة الفلسطينية! فبحسب رئيس الأركان، فإن «اجتماعاً عقد معهم (استخبارات السلطة)، وآخرين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وقد قال أحد المسؤولين الفلسطينيين إن الإدارة الإسرائيلية الحكيمة والمسؤولة مكّنت من عدم تطور الأمور لانتفاضة شعبية كبيرة، ولا سيما أن الجيش الإسرائيلي استطاع التفريق بين منفذي العمليات وباقي المجتمع الفلسطيني»!
وقبل وصوله إلى «معهد الديموقراطية»، جال رئيس الأركان في الخليل، للاطلاع على استعداد جيشه لأي تصعيد المحتمل. ووفقاً للأرقام التي قدمت إليه، سُجلت منذ مطلع العام الحالي 56 محاولة طعن، واعتقل 53 من المنفذين وهم في طريقهم إلى العملية. في المقابل، أسفرت ثلاث عمليات عن وقوع إصابات بين جرحى وقتلى. وبالمقارنة مع العام الماضي، نجحت 17 عملية في التسبب بقتل وجرح إسرائيليين. وبحسب الخلاصة التي قدّمت لآيزنكوت، فإن «التحسن الحاد تحقق بفضل زيادة الحواجز العسكرية في أكثر من نقطة والتقنيات التكنولوجية التي أدخلت على المجال».
خطاب آيزنكوت إذاً يبدو كأنه رسم تخطيطي لكيفية التعامل مع الهبّة التالية، في حال تطورها إلى انتفاضة شعبية عارمة حيث من المفترض أن تتعامل الشرطة وحرس الحدود مع المواجهات في القدس، والجيش يتعامل مع الاحتجاجات في الضفة، بقيادة العميد عيران نيف.
والعميد نيف هو من قاد «المعركة» على الأرض للتعامل مع الهبّة التي انطلقت عام 2015، ويعتبر من الضباط «الخبيرين في الميدان، بصفته قائد العملية ضد العمليات في طريق المصلين في الخليل عام 2002، حينما كان قائداً للواء الضفة الغربية وشارك مع الشاباك والأجهزة الأمنية المختلفة في التصدي للعمليات الاستشهادية».
أمّا على صعيد الجمهور الإسرائيلي، فبحسب هرئيل، تغيّرت نظرته إلى الجيش الإسرائيلي، وهو ما تحدث عنه آيزنكوت في محاضرته بإيجاز شديد. وعن علاقة هذا الجمهور بنتنياهو عقب ملفات فساده «لن تشكّل تغيّراً حقيقياً، إذ إنه يعتبر بنظر هؤلاء القائد الوحيد الذي (رغم كل فساده) قادر على إدارة المعارك والحروب والمواجهة». فحين يصبح على الجمهور الإسرائيلي أن يختار بين تنظيف الاسطبل من قائد فاسد، أو الإبقاء على الأخير لكونه قادراً على مواجهة «صدمة الذاكرة» التي تركتها العمليات الاستشهادية، فحتماً سيضع الأمن في سلّم أولوياته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 117 / 2160581

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2160581 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010