الخميس 18 نيسان (أبريل) 2024

لا يفلّ الحديد إلا الحديد

الخميس 18 نيسان (أبريل) 2024 par سعادة ارشيد

قامت نظرية الأمن (الإسرائيلي) على قاعدة رسم مجال حيويّ واسع لنشاطها، واعتبرت أن عليها أن تكون القوة الأولى في هذا المجال الواسع وأن تكون ذراعُها الطويلة والقويّة قادرة على ضرب أي تهديد لها في هذا الحيّز.
في عهد الحكومة الحاليّة سكن في عقل بنيامين نتنياهو ووزرائه افتراض أن غزة مردوعة معتمدة في هذا التقدير على إحجام حركة حماس عن المشاركة الحقيقيّة في الحرب التي سبقت السابع من تشرين الأول وأن همومها تنحصر في بقائها السياسي فقط ومحاولاتها للحصول على شرعيّة إقليميّة ودولية وأنها مكتفية بحقيبة العمادي السفير القطريّ الشهريّة وما يدخل إليها من مواد غذائيّة. وافترضت أيضًا أن حدود القوة عند المقاومة اللبنانية قد أصبحت محدودة بسبب نشاط القوى الطائفية المحسوبة على محور الاعتدال (الاعتلال) والتي سوف تطعن المقاومة في الظهر إن حصلت مواجهة مفتوحة مع دولة الاحتلال. وكذلك ظنت أن رصيد الصبر الاستراتيجي عند الجمهورية الإسلامية كبير وغير قابل للنفاد فقد سبق لها أن وجهت لإيران الضربة تلو الضربة، ومنها الضربات التي طالت العمق في الداخل وطالت المصالح في الخارج ووصلت إلى اغتيال شخصيات ورموز من الدرجة الأولى الرفيعة من علماء أمثال داريوش رضائي ومجيد شهرياري وغيرهم وعسكريين أهمهم الجنرال قاسم سليماني وحلفاء مثل أبو مهدي المهندس، مما نال من هيبتها وسمعتها خاصة أن البيانات الإيرانية التي كانت تصدر عقب كل عدوان (إسرائيليّ) كانت نمطيّة وتقول إن الردّ على (إسرائيل) سيكون في الوقت المناسب وفي الزمان المناسب الذي لن يأتي. ورأت أن طهران تسعى جاهدة للحوار مع الولايات المتحدة وتلهث للوصول إلى تفاهمات في الفترة المتبقية لرئاسة بايدن على غرار ما حصل في عهد الرئيس أوباما الذي شغل بايدن في عهده منصب نائب الرئيس .
صبيحة السابع من تشرين أخذت الافتراضات (الإسرائيلية) تتهاوى واحداً بعد الآخر. وبعد مرور ستة شهور ونيف لم تستطع «إسرائيل» لا تحقيق أهدافها المعلنة ولا حتى الاقتراب من تحقيقها فيما لا زالت المقاومة صامدة وتقاتل في كل سنتيمتر من أراضي غزة. وعلى جبهة الشمال استطاعت المقاومة اللبنانية إفراغ الجليل بشكل شبه كامل من المستوطنين. وفي اجتماع عقد بين قادة المستوطنات في الجليل ووزير الدفاع غالانت وعدهم أنهم سيعودون إلى «بيوتهم» ويعيشون بشكل آمن في القريب بعد القضاء على المقاومة اللبنانية، ولكن رئيس مجلس مستوطنات الشمال أجابه: «إننا لن نعود بناء على وعودك ووعود نتنياهو. نحن لن نعود إلا إذا قال لنا حسن نصر الله أن بإمكاننا العودة إلى بيوتنا».
لطالما أرادت «إسرائيل» توسيع هذه الحرب والاشتباك مع كامل محور المقاومة آملة جرَّ الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى مشاركتها الميدانيّة في القتال، الأمر الذي حاولت الولايات المتحدة تجنّبه وأرادت الجمهورية الإسلامية الحفاظ على دور محور المقاومة في المشاغلة طالما أن المقاومة في غزة صامدة وأنها لن تطوّر هذه الحالة القتاليّة إلى اشتباك واسع إلا في حال أصبحت المقاومة الفلسطينية في غزة في حالة من الإرهاق، وهو ما أشار إليه قائد المقاومة في لبنان عندما قال ممنوع هزيمة غزة وأن صناعة قرار محور المقاومة قد انتقل من طهران والضاحية ليصبح في أرض المعركة، في غزة وبأيدي قادتها.
جاء الردّ الإيراني غير المسبوق، وعرفت دولة الاحتلال أنّ صبر إيران الاستراتيجي قد استنفد وأنّ إيران جمل كبير يستطيع الاحتمال، ولكن عندما يفقد صبره فلا أحد يستطيع السيطرة عليه. ومن تداعيات الردّ الإيرانيّ الصارخ أن أصبحت الطبقة السياسيّة في تل أبيب تحمّل رئيس الأركان المسؤوليّة عن ضرب القنصليّة الإيرانيّة في دمشق، حيث أكد للحكومة أن إيران أعجز من أن تردّ.
أرست مجريات الأحداث مجموعة من القواعد الجديدة، منها أن السماء الواسعة أصبحت ميداناً مفتوحاً للطيران الإسرائيلي من جنوب السعودية إلى أربيل وما بينهما، وبما هو أوسع مما بين النيل والفرات، ولكن كل هذا الأفق الرحب لم يمنع من وصول النار إلى حيث يجب أن تصل. ومن القواعد الجديدة أن واشنطن تطمئن تل أبيب أن حلف ناتو عربياً صغيراً أصبح يجاهر بتحالفه معها وقد أثبت بالدليل والوقائع أن حرصه على (إسرائيل) يفوق حرصه على سلامة شعوبه. وكان آخر ما صدر عن هذا الناتو الصغير تصريح وزير الخارجية المصري بأن بلاده قد تفتح المعابر لهجرة أهل رفح المؤقتة ويدّعي أن ذلك لدواعٍ إنسانيّة. وفي المقابل أصبحت إيران دولة حدوديّة مع فلسطين المحتلة وعنصراً رئيساً في أي عمل في الإقليم حضرت أم غابت ويدها الطويلة قادرة على ردّ الضربات.
ماذا تحمل الأيام المقبلة؟ هل ستردّ (إسرائيل)، ربما ولكنّ ردها في غالب الأمر سيكون من باب الاستعراض وعلى أهداف لا قيمة لها وهذا ما تريده واشنطن، ولكن احتمال ارتكابها حماقة الردّ بقوة يبقى وارداً ويستدعي رداً على الردّ مما يضع الإقليم على حافة الحرب الواسعة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2185611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع سعادة ارشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2185611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40