الأربعاء 1 حزيران (يونيو) 2022

ما بعد الأحد….!

الأربعاء 1 حزيران (يونيو) 2022 par سعادة ارشيد

في عام 1967 وخلال ساعات قليلة هزمت «إسرائيل» الأمة وكامل العالم العربي، واحتلت من الأرض أكثر من ضعف مساحتها، احتاج الناس لستة أيام لإدراك عمق الهزيمة التي افترست الأرض والنفس والكرامة، وكل ما هو جميل ومشرف، تلك الدول ذوات الخطاب الحماسي الهادر والتي لم تكن جاهزة للحرب ولكنها كانت على أتم جهوزية لإطلاق اسم النكسة على تلك المصيبة التي حلت بنا ولا تزال، وكانت وكأنها قد استحوطت لذلك منذ زمن طويل لإطلاق الدهماء بالشوارع للدفاع عمن قادنا نحو الهزيمة، وإطلاق تبريرات تندرج تحت يافطة الكوميديا السوداء التي سوقت ما حدث على أن هدف «إسرائيل» من الحرب كان إسقاط الحكومات والأنظمة التقدمية والثورية، ولكن بما أن تلك الأنظمة لم تسقط ولا زالت ممسكة بتلابيب الحكم فان ذلك يعني منطقيا ورياضيا أن «اسرائيل» قد فشلت في تحقيق أهدافها من الحرب.

بعد عقود من تلك النكسة – المصيبة تغوّل الاحتلال في الأراضي التي احتلها، وانهار بعض النظام الثورجي لصالح النظام الرجعي فكانت أوسلو التي قايض بها صاحب القرار المصالح العليا بالبقاء ما بعد الاحد في القدس، وتشكلت سلطة انتهت وظيفتها بالتنسيق الأمني وادارة الشؤون البلدية، تمسك المفاوض بمظاهر السلطة من نشيد وعلم وسجاد أحمر وطوابع بريد، مقابل التخلي عن السلطة الحقيقية والسيادة على الأرض وما تحتها من ماء أو ثروات و ما فوقها من ذبذبات إلكترونية هي حكر على الخصم ولا يمنحها إلا بشروط وترخيص منه.

وبعدها تغوّل الاحتلال على كامل الأمة وعلى الإقليم وامتدت أقدامه العنكبوتية من المغرب على المحيط الأطلسي لدول الخليج، واستباح سماءنا بصواريخه ومسيراته واغتيالاته، وكان الرد الذي نعرفه جميعا بعد كل عدوان: أن الرد سيأتي في الزمان والمكان المناسبين، وقد سئمنا انتظار ذلك الرد الذي لم نعد ننتظره.

منذ عام تلك النكسة – المصيبة، حرص «الإسرائيلي» على تنظيم مظاهرة سنوية باسم مسيرة الأعلام تخليدا لذكر احتلاله للمدينة (تحريرها وفق مفرداتهم)، انتصاره وهزيمتنا، تجوب بها حشودهم طرقات وأزقه القدس العتيقة فخورة بما حققته ومذكرة إيانا بعارنا المستمر، ومع تصاعد اليمين ازدادت عدوانية تلك المسيرة السنوية واكتملت بوجود برلمانيين وأكاديميين ورجال قضاء مشاركين بالمسيرة ومن ذات الاتجاه المتطرف وحرصون على دخول باحات الحرم القدسي لإقامة شعائرهم التلمودية، وهو ما تم التصدي له في رمضان الماضي والذي سبقه بفضل المرابطين بالحرم من القدس والضفة ومناطق ثمانية وأربعين لا بل والمسيحيين المقدسيين أيضا، ثم ما تلقوه من دعم قتالي في رمضان قبل الماضي ودعم تعبوي في رمضان الأخير، مما جعل غزة الأم الحقيقية للقدس متجاوزة دَوري عمان ورام الله .
لم يكن سرا أن مسيرة الأعلام لهذا العام سوف تكون حاشدة بشكل استثنائي، وأن تلك الحشود المدعومة حكوميا ستكون أكثر عدوانية وصولا إلى اجتياح الحرم القدسي والصلاة فيه، لكن شحنات من التصريحات عالية النبرة انطلقت من أكثر من اتجاه مقاوم محذرة «الحكومة الإسرائيلية» من تبعات أي مساس بالمسجد الأقصى، لدرجة اعتبار يوم المسيرة يوما حاسما وما بعده لن يكون كما قبله .

تكثفت الاتصالات والوساطات: مصرية وتركية وعمادية قطرية، لكن الرأي كان يذهب باتجاه ان حكومة الاحتلال التي نشرت ما يزيد عن ثلاثة آلاف رجل شرطة ستكون حريصة على إجراء المسيرة بانضباط وبأقل قدر من الاستفزاز، وأن ما أطلق من تهديدات وصل الى مرحلة من الصعب العودة عنها إن وصلت الحشود للحرم القدسي.

الأحد الماضي حبست الأنفاس، وانطلقت حشود المستوطنين مبكرا لاجتياح المسجد الأقصى بكثافة غير مسبوقة بقيادة عضو الكنيست المتطرف بن غفير الذي صرح للإعلام متفاخرا: التهديدات شجعتني أكثر، أقول لهم انتم لستم أصحاب هذا المكان، هذا المكان لنا نحن اليهود، وكان ذلك برعاية «الشرطة الإسرائيلية» ومديرها العام الذي تواجد في مكان قريب فيما أغلقت الشرطة أبواب المسجد القبلي على المرابطين بالسلاسل الحديدية، رقصت الألوف وغنت وانبطحت أرضا فيما تم نشر صور لمن يصعد إلى سطح المسجد الأقصى ليبول عليه، فيما تصدي لتلك الألوف بضع من السيدات المقدسيات، وسط صمت الصواريخ التي استبدلت بخطاب من النوع الوارد في مقدمة المقال، مكتفين بإطلاق بوالين أو طائرات ورقية تحمل أعلاما معلنين انتصارنا في هذه المواجهة.

لم يهزم الفلسطيني الذي قاوم وتحدى وان شعر بالإحباط من الخطاب المبالغ الذي عقد عليه الأمل، نفهم ان الوقت قد لا يكون مناسبا لمواجهة كبرى بناء على حسابات تعرفها المقاومة ولا نعرفها نحن، ولكن كان يمكن الاقتصاد في إطلاق التصريحات عالية النبرة درءاً لأي إحباط في هذا المناخ الحماسي، ثم لعدم إعطاء ذريعة لمن يحرض على نهج المقاومة والنتيجة لقد أضفنا إلى قائمة انتصاراتنا المذكورة آنفا انتصارا جديدا، فيما حقق «الإسرائيلي» أكثر مما كان هو يتوقع ووضع القواعد لتقسيم الحرم القدسي زمانيا ومكانيا، وسنرى تلاحق الاجتياحات لباقي مدن وقرى ومخيمات الضفة تأخد شكلا أكثر قسوة، لقد أشبعناهم تهديدا وملأنا نفوس أهلنا إحباطا وفازوا بالإبل.

حقا ما بعد الأحد التاسع والعشرين من أيار لن يكون كما قبله، ولكن بشكل سلبي.
جنين- فلسطين المحتلة



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2184592

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع سعادة ارشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184592 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40