رياح الحرية هبت على ليبيا بعد تونس ومصر لتؤكد أن “ربيع العرب” مستمر ومتواصل، وهي الرياح التي تفعل فعلها في اليمن والجزائر والبحرين والمغرب، ولكن ما يجري في ليبيا يعتبر الأكثر دموية مقارنة مع ما جرى ويجري في الدول العربية الأخرى، فليبيا المحكومة بالضحالة السياسية واللانظام وحكم “الزعيم الأبدي” تحولت إلى حمام دم من اليوم الأول لعاصفة التغيير التي تطالب بإنهاء 42 عاما من حكم العقيد الذي عقد حياة الليبيين وبدد ثرواتهم وتركهم على “الحميد المجيد” رغم أن ليبيا تعد من أغنى بلدان العالم.
معمر القذافي الذي كان يدعي أنه سلم السلطة للشعب وانه لا يحكم وأنه مجرد “مرشد للثورة” يدعم حركات التحرر والحركات الثورية يرفض الاستجابة للثورة في بلاده، بل دافع،وهو الثوري، عن نظامين كان يطلق عليهما “أنظمة رجعية” في تونس ومصر وتمنى أن يحكم “الزين” تونس مدى الحياة.
“قائد الثورة.. والزعيم الأوحد” فعل ما لم يفعله الرئيسان المخلوعان في تونس ومصر فلم يلجأ أي من زين العابدين ومبارك لاستخدام المرتزقة لقتل الشعب، ولم يستخدما المروحيات ولا الرشاشات الثقيلة ومضادات الطائرات، لكن العقيد استخدم كل هذا دفعة واحدة دون حسيب أو رقيب فكان يوقع العشرات من القتلى في كل مرة، حتى وصل عددهم إلى أكثر من 300 قتيل خلال 3 أيام.
لا يمكن التسامح مع نظام العقيد معمر القذافي الذي يجب أن يحاكم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب واستخدام مرتزقة للقتل العشوائي وهي تهم تؤيدها الصور والأفلام والشهود وأهالي الضحايا.
حمام الدم الذي سفكه عقيد ليبيا وأركان حكمه يحتاج إلى محكمة دولية لأن هذه الدماء يجب أن لا تضيع هدرا، فالقذافي يقتل وهو يعتقد أن يد العدالة لن تطوله أبداً مثلما حصل حين اشترى براءته من تفجير طائرة لوكربي بمليارات الشعب الليبي وكما يحاول شراء براءته من دعم الجيش الجمهوري الأيرلندي.
ليس هذا فحسب بل إن سيف الإسلام القذافي نجل العقيد والقائد التاريخي يهدد بأن يعيد ليبيا إلى العصر الحجري والاحتكام للسلاح وبشر بتفكك ليبيا وتحولها إلى مجموعة من الدول، وتقسيمها قطعة قطعة، والدخول في حرب أهلية وقال “انسوا أن هناك شيئا اسمه بترول، وانسوا أن هناك شيئا اسمه غاز. ستسيل دماء، أنهر من الدماء في كل مدن ليبيا.. وأنتم ستهاجرون من ليبيا لأن البترول في هذه البلاد سيتوقف..و بدلا من أن نبكي على 84 قتيلا سنبكي على مئات آلاف القتلى”.
هذا الخطاب السلطوي الخطير للقذافي الابن مؤشر على دموية التوجه والاستعداد لسفك دماء مئات آلاف القتلى، وهو ترجمة لما قاله القذافي الأب في اجتماع مع زعماء قبائل قبل أيام: “أنا خلقت ليبيا وأنا سأنهيها”، فوجود ليبيا في ذهنه وعقله مرتبط بوجوده في السلطة مدى الحياة، وغير ذلك الطوفان أو الحريق كما حرق نيرون روما في العصور الغابرة.