الأحد 27 آذار (مارس) 2022

ذكرى يوم الأرض وحقوق اللاجئين

بيسان عدوان
الأحد 27 آذار (مارس) 2022

آذار/مارس، أيار/مايو، أيلول/سبتمبر. أشهر في السنة الميلادية حملت تاريخ فلسطين الحديث، كل شهر من الأشهر الثلاثة له ما له وعليه ما عليه بالنسبة للفلسطيني، كثيرة هي المناسبات الفلسطينية الموجعة التي ربما كان حدوثها محض صدفة، ولكل شهر حكاية ترسم ملامح التاريخ الفلسطيني، ففي الشهر الثالث من كل عام الذي يحمل اسم الإله مارس أحد الآلهة الرومانية القديمة ويحمل في طياته الكثير من صفاته، فها هو إله الحرب “مارس” يمثل يوم الأرض لدى الفلسطينيين، ذكرى التصدي لمخطط السلطة الإسرائيلية الذي استهدف مصادرة آلاف الدونمات في الجليل عام 1976، وخلال الاحتجاجات التي اندلعت، استشهد ستة فلسطينيين عزل بيد الشرطة الإسرائيلية. ورغم مرور 45 عامًا على هذا اليوم، لا يزال الفلسطينيين يناضلون ضد مصادرة ما تبقى من أرضهم وللعودة إلى الأراضي المحتلة والتي تمت مصادرتها.

ما بين الجليل 1976 والنقب 2022، يثور مارس من كل عام، يهدينا تاريخا يشبه أسطورة فلسطين نفسها، ولا تزال جريمة مصادرة الأرض وتهجير السكان الأصليين مستمرة رغم مرور أكثر من سبعة عقود، ولا يزال الشعب الفلسطيني يدافع ويتصدى لكل ممارسات الاستعمار الاستيطاني حتى يومنا هذا، ورغم عدة حروب ومواجهات من قبل الاحتلال وعصاباته ودولته، فإن 88% من الفلسطينيين ما زالوا يعيشون في أرض فلسطين التاريخية والشريط الذي حولها في الأردن ولبنان وسوريا، و46% من هؤلاء لا يزالون على أرض فلسطين التاريخية و42% في الدول العربية المجاورة. أما الباقون (12%، أي حوالي مليون شخص) فنصفهم يقيم في بلاد عربية أخرى، والنصف الآخر في أوروبا وأميركا. ففي الوقت الذي تواجه القضية الفلسطينية خطرا وجوديا بقيام الحكومة الإسرائيلية الحالية بتنفيذ ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، يحاول الشعب الفلسطيني إيجاد أي صيغة للخروج من هذا المآزق ومواجهة الضم وصفقة القرن.

تسبب الاستعمار الإسرائيلي المتواصل في تقليص مساحة فلسطين التاريخية، فلم يبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية المقدرة بنحو 27 ألف كيلومتر مربع، حيث تستغل دولة الاحتلال أكثر من 85% من المساحة الفعلية.

أكد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2021 أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل أكثر من 85% من المساحة الكلية للأراضي في فلسطين التاريخية، بينما استغل اليهود في عهد الانتداب البريطاني فقط 1،682 كيلومترا مربعا شكلت ما نسبته 6.2% من أرض فلسطين التاريخية. استغل الاحتلال الإسرائيلي تصنيف الأراضي حسب اتفاقية أوسلو (أ، ب، ج) لإحكام السيطرة على أراضي الفلسطينيين، خاصة في المناطق المصنفة (ج) والتي تخضع بالكامل لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي من ناحية الأمن والتخطيط والبناء، إذ يستغل الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر ما نسبته 76% من مجمل المساحة المصنفة (ج)، تسيطر المجالس الإقليمية للمستعمرات على 63% منها.

وبلغت مساحة مناطق النفوذ في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية (تشمل المساحات المغلقة والمخصصة لتوسيع هذه المستعمرات) نحو 542 كيلومتراً مربعاً كما هو الحال في نهاية العام 2020، وتمثل ما نسبته حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية، فيما تمثل المساحات المصادرة لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري حوالي 18% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى جدار الضم والتوسع الذي عزل أكثر من 10% من مساحة الضفة الغربية. وتضرر ما يزيد على 219 تجمعاً فلسطينياُ جراء إقامة الجدار، كما قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بمصادرة حوالي 8,830 دونماً من الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى 11,200 دونم تم إعلانها محميات طبيعية من قبل الاحتلال الإسرائيلي تمهيداً للاستيلاء عليها.

ووفق “الإحصاء الفلسطيني” بلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2019 في الضفة الغربية 461 موقعاً، منها 151 مستعمرة و26 بؤرة مأهولة تم اعتبارها أحياء تابعة لمستعمرات قائمة، و140 بؤرة استعمارية. أما في ما يتعلق بعدد المستعمرين في الضفة الغربية، فقد بلغ 688,262 مستعمراً وذلك في نهاية العام 2019، بمعدل نمو سكاني يصل إلى نحو 2.6%، ويشكل استقدام اليهود من الخارج أكثر من ثلث صافي معدل النمو السكاني بدولة الاحتلال.

ويتضح من البيانات أن حوالي 46% من المستعمرين يسكنون في محافظة القدس، (حيث بلغ عـددهم 316,176 مستعمراً منهم 232,093 مستعمراً في “القدس J1” (تشمل ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمه الاحتلال الإسرائيلي إليه عنوة بعيد احتلاله الضفة الغربية في عام 1967)، وتشكل نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي 23 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي 69 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني.

احتفظت “أونروا” بسجل ثمين لكل لاجئ: اسمه، وقريته الأصلية، وأفراد عائلته، ومكان نفيه. وتنص المادة 20 من القرار 302 لتأسيس ولاية “أونروا” على الآتي: “تحث الأمم المتحدة أونروا على التشاور مع لجنة التوفيق في فلسطين، التابعة للأمم المتحدة UNCCP، من أجل تحقيق أفضل مصلحة لإنجاز مهمتها، مع إحالة مخصوصة إلى المادة 11 من القرار 194”. أي الحفاظ على هوية الفلسطينيين وحماية حقوق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم الأصلية.

وافقت إسرائيل على خطة التقسيم (القرار رقم 181) وعلى عودة اللاجئين (القرار رقم 194). لكن ذلك كان محض خدعة لقبول عضويتها في الأمم المتحدة، في شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1949، ونتج عنها إنشاء لجنة الأمم المتحدة للتوفيق في فلسطين (UNCCP) التي كان دورها العمل على إعداد آليات عمل تطبيقية لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم واستعادة ممتلكاتهم وتعويضهم وتوفير الحماية القانونية والإنسانية والجسدية لهم، بمن فيهم المهجرون الفلسطينيون داخل فلسطين المحتلة عام 1948، ولكن بعد ضغوطات دولية، توقف نشاطها فعليا في الخمسينيات، واقتصر العمل على تقديم إغاثة فقط للاجئين الفلسطينيين عبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتي لم يكن من ضمن بنودها أية حلول بشأن أوضاع اللاجئين غير إدامة أوضاعهم. ولم تضيع إسرائيل الوقت من جهتها. فقبل أسابيع فقط من بدء “أونروا” عملياتها في شهر أيار/مايو عام 1950، أعلنت إسرائيل “قانون أملاك الغائبين” الشامل كلية، والزائف قانونياً بالكامل، من أجل اغتصاب ومصادرة كافة أملاك اللاجئين.

تحاول إسرائيل أن تتلاعب بالتعريفات الخاصة بتعريف اللاجئين لكي تقلل من أعدادهم الحقيقية، حيث تدعي أن اللاجئين هم فقط سكان المخيمات، أي حوالي مليون شخص، بينما تحدد من جهة أخرى أنهم هم فقط الذين ولدوا قبل 1948 في فلسطين الانتدابية والبالغ عددهم خمسين ألفا فقط الذين رحلوا نتيجة الصراع، في حين أن العدد الحقيقي 800 ألف فلسطيني هجروا قسريا عن أراضيهم.

تقدر إسرائيل قيمة الأملاك الفلسطينية بما يعادل 2% من قيمتها الحقيقية. وهذا مردود عليه، حيث إن خلال فترة الانتداب البريطاني، امتلكت الجماعات اليهودية 5% من فلسطين، وعندما أعلن بن غوريون قيام دولته، كان يسيطر على 13% من فلسطين فقط. وقد ارتكبت المليشيات الصهيونية نصف مذابحها في هذه الفترة. استمر الغزو الإسرائيلي، وقامت إسرائيل باحتلال سبعة آلاف كيلومتر مربع في الجنوب بعد أن وقعت اتفاقية الهدنة مع مصر. وفي غضون ستة أشهر، احتلت إسرائيل 78% من مساحة فلسطين، وأقيمت الدولة على أرض كان 93% منها فلسطينياً بعد أكثر من 70 مذبحة ارتكبها المليشيات اليهودية، وتدمير 675 بلدة وذبح وطرد سكانها، وتهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني.

والخرافة الأخرى التي تدعيها إسرائيل هي أن الحدود والأملاك ضاعت ويصعب تحديدها.. وهذا هراء، إذ لا توجد بلاد في الشرق العربي أكثر دراسة وتخطيطاً من فلسطين. الخرائط البريطانية أيام الانتداب شملت كل المدن والقرى بتفصيل دقيق، والسجلات البريطانية ساعدت “جارفيس” خبير الأمم المتحدة على تسجيل ملكية نصف مليون مالك. كما أن الخرائط البريطانية نفسها أصبحت أساساً لخرائط إسرائيل التي رصدت عليها كل تغيير حدث لفلسطين منذ عام 1948. وتحتفظ “إدارة أراضي إسرائيل” بسجلات الأملاك القديمة وتسجل ما حدث لها من تأجير واستغلال، وبموجب هذا تؤجر الأراضي للكيبوتس والموشاف.

العودة إلى الأرض؛ “الجذور”

حق العودة حق مطلق لا يسقط بالتقادم، وليس منحة أو امتيازا تنتهي صلاحيته، ولا يكون جزءاً قابلاً للتفاوض عليه فى أي معاهدة سلام. وتجوز ممارسته في أي وقت. ولا تجوز فيه النيابة أو التمثيل لإسقاطه. وهو حق شخصي لكنه يكون جماعياً تحت مبدأ تقرير المصير. وحق العودة أيضا مرتبط بحق الانتفاع بالملكية التى لا تسقط بالاحتلال أو بالسيادة على منطقة.

والتعويض ليس بديلاً عن العودة، فكلاهما حقان قابلان للتطبيق. ومبدأ التعويض هو “إرجاع الشيء إلى أصله”. التعويض يشمل الأضرار التي لحقت بالأملاك واستغلالها مدة 51 عاماً، سواء كانت عامة أو خاصة، ويشمل المعاناة النفسية للأفراد والشعب. والتعويض يكون في 4 بنود هي التعويض المعنوي والمادي للأفراد والجماعة. يضاف إلى ذلك التعويض عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضد السلام، وكلها اقترفتها اسرائيل. هذه الجرائم استثنيت من القرار 194 لأنها تخضع لقانون دولي متكامل ومجرب وله آلية للتنفيذ.

كما أن حق العودة مكفول بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان المادة /13/ منه، التي تقول: كل إنسان له الحق أن يعود إلى بيته ووطنه. أيضاً حق العودة مرتبط بحق الملكية، وحق الملكية لا يسقط بالتقادم ولا بالسيادة (سيادة دولة جديدة على المكان) ولا بالاحتلال، وليست له مدة زمنية، فهو حق مطلق. فحتى لو قبل المهزوم باتفاقية، فإن ذلك لا يسقط حق الملكية.

كذلك إن حق العودة مكفول جماعياً بحق تقرير المصير، وهذا الحق اعترفت به الأمم المتحدة عام 1946، واعتبرت فيه أن حق تقرير المصير هو مبدأ قانوني، وكلمة مبدأ معناها أنه غير قابل للتصرف وليس موضع مفاوضة أو انتقاص منه بأي شيء، وأيضاً هو ليس قراراً سياسياً أو حتى اتفاقاً بالتراضي. وحق تقرير المصير هو حق مطلق للشعوب. وفي حالة فلسطين، اعتبرت الأمم المتحدة أن هذا الحق هو حق معلق في رقبة الفلسطينيين إلى أن يستطيعوا تنفيذه.

كما أصدرت هيئة الأمم المتحدة قرار الجمعية العامة 129/51، 13 كانون الأول/ ديسمبر 1996 “يحق للاجئي فلسطين الحصول على ممتلكاتهم والدخل المستمد من ذلك، بما يتوافق مع مبادئ العدل والإنصاف” ويضيف “إن اللاجئين لهم الحق في استعادة دخلهم عن أملاكهم طوال مدة الخمسين عاماً”، وفرض القرار على كل الدول التي لديها معلومات ووثائق أن تظهرها لكي تثبت، وهناك بند آخر في التعويض، وهو التعويض عن جرائم الحرب، وجرائم الحرب ثلاثة: جرائم الحرب المباشرة (القتل، التدمير، النهب، التطهير العرقي…)، والجرائم ضد السلام (وهي تدبير العدوان وتنفيذه)، وجرائم ضد الإنسانية (مثل الاعتقال والطرد وأعمال السخرة).

ليست هناك قيمة قانونية لأي ادعاءات أو أي مفاوضات تنتج عن التنازل عن حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، والنازحين عن أرضهم بفعل القوة الاستعمارية، تحت أي دعوى أو حجة، لأن تعريف الأمم المتحدة في القرار 194 واضح تماماً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2184566

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف الأعداد  متابعة نشاط الموقع العدد 11 السنة 11   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184566 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40