الأحد 27 آذار (مارس) 2022

لن نرفع الراية البيضاء

الأحد 27 آذار (مارس) 2022 par محمد سيف الدولة

- لن نرفع الراية البيضاء

على امتداد ما يزيد عن أربعين عاما، كانت كلما تحل الذكرى السنوية للمعاهدة المصرية (الاسرائيلية) الموقعة منذ 43 عاما فى 26 مارس 1979 والمشهورة باسم كامب ديفيد، تُستنفر القوى الوطنية المصرية لتنظيم الفاعليات وعقد الندوات والخروج فى الفضائيات وكتابة المقالات واصدار البيانات لتفنيد المعاهدة التى كانت لها نتائج كارثية على مصر وفلسطين والامة العربية، على رأسها:

1) فرض قيود امنية وعسكرية على سيناء لصالح الامن القومى الاسرائيلى.

2) فك واعادة تركيب النظام المصرى عقائديا واستراتيجيا وسياسيا واقتصاديا وطبقيا على مقاس المصالح الامريكية والنظام الرأسمالى العالمى.

3) ليكتمل احكام القبضة والهيمنة الأمريكية على كل المنطقة، من احتلال العراق وتقسيم السودان وبذر قواعدها العسكرية...الخ.

4) حدوث انشقاق وطنى حاد فى المجتمع أدى الى ضرب وتهديد الوحدة الوطنية بين الشعب والسلطة التى تصالحت مع عدو الأمة ومحتل أراضيها وقاتل شعوبها.

5) توجيه ضربة قاسمة لروح الانتماء الوطني لدى الشعب المصري، بعد أن تم ضرب كل ثوابته الوطنية والعقائدية والتاريخية، مما أدى الى ظهور وصعود الانتماءات البديلة الطائفية والقبلية.

6) انتقال قيادة المنطقة من مصر الى (اسرائيل) التى أصبحت هى القوة الاقليمية العظمى، فلقد ادى انسحاب مصر من الصراع الى اختلال كبير فى ميزان القوى، مما وجه ضربة قاسية لخيار أي حرب عربية ضد (اسرائيل)، التى انفردت بالمنطقة وعربدت فيها فابتلعت مزيدا من الاراضى العربية، وارتكبت عشرات الجرائم والاعتداءات العسكرية على لبنان والعراق وتونس والسودان وسوريا.

7) وبضرب قضية العرب المركزية (فلسطين)، انفرط العقد العربى الذى كان يلتف حولها، وتفشت الانقسامات والحروب الاهلية والحروب بالوكالة، وحلت الصراعات العربية/العربية محل الصراع العربى الصهيونى.

8) وبصدور أول اعتراف رسمي عربي بحق (إسرائيل) فى أن تعيش داخل (حدودها الآمنة)، اختفت أرض فلسطين التاريخية من الاجندات والمطالب العربية والفلسطينية الرسمية، لتقتصر على المطالبة بفلسطين 1967، وبلا أى جدوى.

9) كما أدى الاعتراف المصرى بشرعية الدولة العبرية بكل طائفيتها وعنصريتها الى فتح الابواب على مصراعيها لكل المشروعات الطائفية الأخرى فى المنطقة ومخططاتها للتفتيت والانفصال وتأسيس دويلاتها الخاصة إقتضاءا بالنموذج الصهيوني.

10) كسر المقاطعة الدولية (لاسرائيل) بعد أن قامت 80 دولة بالاعتراف بها والتطبيع معها بعد المعاهدة مباشرة، مما أدى الى ضخ دماء جديدة فى شرايين دولة الاحتلال وأطال فى عمرها الافتراضى لعقود قادمة.

وغيره الكثير.

***

كانت هذه نماذج من رسائل الوعى التى كانت القوى الوطنية المصرية تحرص على ارسالها للرأى العام والاجيال الجديدة على امتداد عقود طويلة، ولكنها وياللأسى توقفت أو كادت ان تختفى تماما من الخطاب السياسى والحزبى المعارض فى السنوات القليلة الماضية، رغم ما وصلت اليه العلاقات المصرية الاسرائيلية من عمق غير مسبوق، تمثل فى عديد من الملفات على رأسها التنسيق الامنى، والصفقة الكبرى لشراء الغاز (الاسرائيلى) وتسييله لاعادة تصديره، وتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، والمشاركة (معا لأول مرة) مع 60 دولة أخرى فى مناورات عسكرية قادتها الولايات المتحدة مؤخرا، وتقارب الرؤى الاستراتيجية لما يسمى بالمخاطر والتهديدات المشتركة، بالإضافة الى تخفيف القيود المفروضة على الانشطة الاسرائيلية فى الداخل المصرى مثل التصريح للسفارة العبرية بالاحتفال علانية عام 2018 بذكرى النكبة الفلسطينية التى يطلقون عليها ذكرى استقلال (اسرائيل) على ضفاف النيل فى القلب من القاهرة، أو احياء ذكرى الهولوكوست بالتعاون مع السفارة الامريكية لاول مرة فى القاهرة، ناهيك على زيارات رئيس وزراء (اسرائيل) المتعددة .. الخ.

نقول: رغم كل ذلك وما يستدعيه من ضرورة ارتفاع وعلو صوت وحركة القوى الوطنية المناصرة لفلسطين والمناهضة للصهيونية ولإسرائيل والرافضة لكامب ديفيد، الا أن العكس تماما هو الذي حدث، فلقد ساد الصمت واختفت أصوات المعارضين.

وهو ما قد يدفع بعض المراقبين الى التوهم بأن القضية قد خبت وتراجعت، وان الأوضاع قد استقرت واستتبت تماما للعلاقات المصرية الاسرائيلية، وأن القوى الوطنية المصرية المعادية (لاسرائيل) قد رفعت الراية البيضاء.

ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فالثوابت والعقائد والمواقف والقناعات والمشاعر لا تزال حية فى العقول والصدور. والصمت الظاهر للعيان بسبب القيود السياسية والقانونية الصارمة المفروضة على المعارضة السياسية بكل أطيافها، يخفى وراءه رفض وغضب واستياء وتململ مكتوم من هذا التقارب الرسمى المصرى والعربى مع (اسرائيل)، رفض يهمس به الناس يوميا لبعضهم البعض، وهم على يقين بأن هذا الوضع لا يمكن أن يدوم، وأن هذا السلام “بالاكراه” لا يمكن أن يستتب، مهما طال به الزمن، مع الشعب الذي استطاع أن يسقط كل المعاهدات التى كانت تنتقص من سيادته ولو بعد حين، كمعاهدة 1936 وحق امتياز قناة السويس.

حفظ الله مصر وشعبها ووهبها القوة والعزيمة لكى تعتق نفسها من كامب ديفيد وقيودها.

- الموقف الشعبى من (اسرائيل)

قام “نفتالى بينيت” رئيس وزراء دولة الاحتلال بزيارة رسمية الى شرم الشيخ فى 22 مارس 2022، ولم تصدر، فى حدود علمي، أى بيانات من الشخصيات والقوى الوطنية ضد هذه الزيارة، وهو أمر نادر الحدوث. ربما كان ذلك بسبب القيود السياسية المفروضة على نشاط المعارضة السياسية والعواقب القانونية المترتبة على كسرها ومخالفتها، ولذا تتضاعف الحاجة اليوم للتأكيد على الموقف من (اسرائيل) المستقر فى وجدان الشعب المصري، بصرف النظر عن قدرته أو عجزه عن التعبير عنه صراحة فى القنوات السياسية او المنابر الاعلامية.

· لقد تربى كل مصرى فى بيته أو مدرسته على ان الأرض الواقعة شرق الحدود المصرية هى فلسطين وليست (اسرائيل)، وعلى ان فلسطين هى الصديق و(إسرائيل) هى العدو، وعلى ان مصر وفلسطين تنتميان الى امة عربية واحدة، وهوية حضارية واحدة، وان حلمنا الأكبر هى توحدنا جميعا كما كنا دائما على مر التاريخ، فى ظل دولة عربية واحدة، تجمعنا وإياهم وباقى الشعوب العربية، بل أن كل دساتيرنا نصت فى مادتها الاولى على هذا الهدف.

· كما تربينا على ان المشروع الصهيونى يستهدف الجميع، فهو يستهدف مصر بقدر استهدافه لفلسطين، بل ان هدفه الأصلى هو فصل مصر والمغرب العربى عن مشرقها، للحيلولة دون وحدتهما. وأن مأساة فلسطين الحقيقية تتمثل فى موقعها الجغرافى الذى يمثل أضيق نقطة فى الارض العربية لوقوعه بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط.

· ويدرس أولادنا فى مدارسهم ايضا ان اهم انتصاراتنا التاريخية هى تلك التى خضناها لتحرير القدس وفلسطين وكل ساحل الشام من الإمارات الصليبية، وأن أعظم معاركنا كانت على أرض فلسطين فى حطين وعين جالوت.

· ولا يزال صلاح الدين الايوبى يحتل مرتبة القائد والبطل التاريخى الأعظم لدى كل المصريين والعرب رغم مرور أكثر من ثمانية قرون على انتصاراته، ولا نزال نفتخر حتى يومنا هذا بهذه الحقبة من تاريخنا، ونستلهمها فى أحلامنا عن المستقبل.

· ويعلم شبابنا جيدا أن هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين 1948، كانت هى السبب الرئيسى فى سقوط الأنظمة العربية الحاكمة حينذاك، وتفجر حركات التحرر الوطنى بقيادة مصر.

· ويعلمون ان الهدف الرئيس لعدوان 1967 كان هو اخراج مصر من المعركة ضد (اسرائيل) وعزلها داخل حدودها. وان الشعوب العربية لم تستسلم فاجتمع قادتها فى الخرطوم ليتعاهدوا على مواصلة المعركة، وعلى رفع شعارات لا للصلح أو التفاوض مع (اسرائيل) ولا للاعتراف بها.

· ولا نزال نفتخر كل عام بحرب اكتوبر ونحيي ذكرى انتصارنا على عدونا المشترك الذى لا يزال يحتل فلسطين الحبيبة. ولا نزال نحنق ونغضب على سرقة هذا النصر الذى حدث فى اتفاقيات السلام حين اعترفت مصر الرسمية بدولة (اسرائيل) وتنازلت لها عن فلسطين 1948.

· وهو السلام الذى رفضت غالبية الشعب المصرى قبوله والتعايش معه، حتى ان قادة (اسرائيل) يشتكون و كل يوم بان السلام مع مصر هو سلام بارد بين الحكومات فقط، و يعترفون بان الشعب المصرى يرفض التطبيع معهم ويقاومه. وبالفعل لا يستطيع اى (اسرائيلى) حتى اليوم ان يعلن عن هويته الحقيقية حين يتجول فى شوارع القاهرة.

· وكانت معارك الشعب الفلسطين ومقاومته، لها بالغ الأثر فى تكوين الحركة الوطنية المصرية عبر أجيالها المتعاقبة، فكانت صابرا وشاتيلا 1982، وانتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الاقصى 2000، والعمليات الاستشهادية فى التسعينات، وحرب تموز 2006، والرصاص المصبوب 2008، وعامود السحاب2012، والعدوان الأخير على غزة 2014 .. كانت كلها محطات تحول كبيرة فى الحياة السياسية المصرية بما كانت تضخه كل مرة من آلاف الشباب المصرى البسيط الذى قرر ان يقتحم مجال العمل الوطنى والسياسى لأول مرة فى حياته متأثرا بوحشية الجرائم الصهيونية وبصلابة الصمود الفلسطينى. ومصدوما من الصمت أو التواطؤ الرسمى العربى.

· واهم المفكرين والشخصيات السياسية فى مصر، بَنَّت تاريخها ومكانتها بين الناس استنادا الى مواقفها الصلبة فى مواجهة (اسرائيل) وكامب ديفيد والتطبيع.

· ان الشعب المصرى وكل الشعوب العربية كانت ولا تزال تعتبر ان الانحياز لفلسطين والعداء للصهيونية ولإسرائيل من أهم الثوابت الوطنية والقومية والعقائدية.

· بل ان الموقف من قضية فلسطين ورفض الاعتراف باسرائيل والموقف من الصراع العربى الصهيونى هو باب ثابت فى برامج غالبية الاحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية فى مصر. كما أن احد المطالب الرئيسية التى تَجمِع عليها كل القوى الوطنية فى مصر هو الغاء كامب ديفيد، واسترداد مصر العربية المعادية لاسرائيل ورأس الحربة فى مواجهة للمشروع الصهيونى.

· ولا تزال القضية الفلسطينية ومناهضة الكيان الصهيونى، هى القضية الوحيدة القادرة على توحيد الجميع.

· وتشهد ساحات القضاء الادارى على الدعاوى والقضايا الفردية أو الجماعية المرفوعة من مواطنين مصريين ضد الحكومة المصرية، لإسقاط كامب ديفيد، أو لمنعها قوافل الدعم والإغاثة او لتصدير الغاز المصرى للعدو الاسرائيلى.

· وتشهد شوارع القاهرة وميادينها على حرق أعلام (اسرائيل). ويشهد ميدان التحرير على رفع أعلام فلسطين جنبا الى جنب مع الاعلام المصرية فى الأيام الأولى لثورة يناير.

· وتشهد ساحات الجامعات والقاعات العامة فى النقابات والأحزاب على مئات التظاهرات والوقفات والمؤتمرات والمحاضرات الداعمة لفلسطين والمقاومة والرافضة لاسرائيل وكامب ديفيد.

· ان مئات من النشطاء السياسيين كانوا ضيوفا على السجون والمعتقلات المصرية على امتداد 40 عاما بتهمة العداء لاسرائيل وكامب ديفيد ونصرة فلسطين.

· وقبل الثورة المصرية لم يكن لنا شهداء سوى أولئك الذين سقطوا على أيدى العدو الصهيونى فى الحروب المتعاقبة.

· ان شبابنا بعد الثورة لم يحاصر أو يقتحم سوى سفارة واحدة هى سفارة (اسرائيل)، وكان اول حصار لها يوم 8 ابريل 2011 بعد اول عدوان صهيونى على غزة بعد الثورة المصرية.

· وكانت مصر عامرة على الدوام باللجان الأهلية للإغاثة ودعم الانتفاضة والمقاومة والقدس والاقصى.

· والى يومنا هذا تشكل أقصى تهمة أو سبة يمكن أن يتراشق بها الخصوم السياسيين فى مصر، هى الاتهام بالصهيونية.

· وفى مصر تمت أكبر عملية تجريس وعزل وطنى وسياسى وثقافى واجتماعى لكاتب وأديب مرموق لأنه تجرأ ومارس التطبيع الشعبى وزار الكيان الصهيونى وكتب كتابا بعنوان (رحلتى الى إسرائيل).

· ان كثيرا من الشباب فى مصر يستبدل صورته الشخصية على حسابه فى مواقع التواصل الاجتماعي بصورة القدس او فلسطين او احد الشهداء الفلسطينيين، لأنه يجدها أكثر تعبيرا عن هويته ومبادئه وقيمه.

· الى آخر آلاف المواقف والأحداث والفاعليات والمعارك الأخرى الدالة والمؤكدة على الرفض الشعبى الثابت والقاطع للاحتلال ودولته وللتطبيع معه.

لكل ذلك وأكثر، وجب التنويه والتأكيد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2184559

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد سيف الدولة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184559 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40