الأربعاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2023

العربى الصالح هو العربى الأعزل ومصر بين الريادة والوساطة

الأربعاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2023 par محمد سيف الدولة

فى حرب الابادة التى يرتكبها الكيان الصهيونى الآن فى غزة، يكرر قادته على الدوام: “أن الهدف الرئيس فى غزة هو القضاء على حماس ونزع سلاحها وتجريد غزة من أى سلاح يمكن أن يهدد اسرائيل.”

وهم فى ذلك لا يفعلون جديدا، فنظرة مدققة لأحوال العالم العربى، ستكشف كيف أن عديد من الدول العربية وأراضيها منزوعة او مقيدة السلاح بموجب اعتداءات عسكرية أو معاهدات او قرارات دولية أو سياسات امريكية لحماية امن (اسرائيل):

1) فى مصر وبموجب الملحق الامنى فى اتفاقيات كامب ديفيد ١٩٧٨-١٩٧٩ تم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح الا باذن (اسرائيل)، حيث تم تقسيمها الى ثلاث شرائح طولية (ا) و (ب) و (ج)، لا يسمح لمصر باكثر من 22 الف جندى و 230 دبابة فى المنطقة (أ) المجاورة لقناة السويس، و4000 عسكرى حرس حدود فقط مسلحين بأسلحة خفيفة فى وسط سيناء المسماة بالمنطقة (ب)، وشرطة فقط فى المنطقة (ج).

2) والعراق تم تدميره بذريعة امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل، وقبل ذلك قامت (اسرائيل) بقصف المفاعل النووى العراقى عام 1981

3) فى اتفاقيات أوسلو، تم الزام السلطة الفلسطينية بالتخلى عن الحق فى المقاومة والكفاح المسلح، بل وتم تكليف السلطة الفلسطينية بمطاردة ومحاكمة كل من يحمل السلاح ضد (اسرائيل).

4) وتم تقسيم الضفة الغربية الى ثلاث مناطق: (A) وتخضع للسيطرة مدنية وأمنية فلسطينية 18 % من مساحة الضفة، و (B) سيطرة مدنية وأمنية فلسطينية اسرائيلية مشتركة 21 % من مساحة الضفة، و(C) تخضع بشكل كامل لسيطرة مدنية وامنية اسرائيلية منفردة وهى تمثل 61 % من مساحة الضفة الغربية. (هذا على الورق، أما على الأرض فان الضفة تخضع كلها لسيطرة قوات الاحتلال).

5) فى لبنان وبعد العدوان الصهيونى عام ٢٠٠٦ وحرب الـ 34 يوما ورغم انتصار المقاومة اللبنانية، صدر قرار مجلس الامن رقم 1701 الذي نص على اخلاء الجنوب اللبنانى حتى نهر الليطانى من قوات حزب الله، بدون أن ينص على انسحاب مماثل للقوات الاسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، ليتم مرة أخرى مكافأة المعتدى.

6) كثيرا ما يصرح نتنياهو، بأنه حتى اذا وافقت (اسرائيل) يوما ما على اعطاء الفلسطينيين “دولة ما قابلة للحياة”، فانها يجب ان تكون منزوعة السلاح، وهو ما كرره الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى احدى تصريحاته الأخيرة.

7) فى الأردن كانت اتفاقيات وادى عربة قد نصت على عدم انسحاب المستوطنين الاسرائيليين من اراضى اردنية وهى منطقة الباقورة/نهاريم في الأغوار الشمالية، ومنطقة الغمر/تسوفار في وادي عربة جنوبًا وبقائهم فيها تحت حماية الشرطة والقوانين والسيادة الاسرائيلية الفعلية تحت مسمى الايجار لمدة 25 سنة قابلة للتجديد.

8) بعد عدوان ٢٠٠٨ـ ٢٠٠٩ على غزة التى يسميها العدو الصهيونى بعملية “الرصاص المصبوب” والتى ارتقى فيها ما يزيد عن 1500 شهيد، وقعت الولايات المتحدة و(اسرائيل) الاتفاقية الاستراتيجية الامنية المعروفة باسم اتفاقية “ليفنى ـ رايس” والتى نصت على فرض رقابة أمنية وعسكرية بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو وتعاون الدول العربية والاقليمية، على النطاق الجغرافى الممتد من جبل طارق الى باب المندب الى شرق افريقيا لحظر وصول أى سلاح للمقاومة الفلسطينية فى غزة. (وهى اتفاقية واحدة فقط من عشرات الاتفاقيات الأمنية الاستراتيجية بين امريكا واسرائيل).

9) وفى سوريا بطبيعة الحال لا يحتاج الصهاينة الى منطقة منزوعة السلاح لتأمين كيانهم، اذ تقوم الجولان تحت الاحتلال بهذا الدور وأكثر. ناهيك عن الاعتداءات الاسرائيلية الدورية لقصف وتدمير مواقع ومصانع ومخازن للأسلحة السورية.

10) وفى ذات السياق تأتى الغارات التي لا تتوقف عن الدول العربية من أول تونس 1985 و1988و2016 الى العراق 1981، مرورا بالسودان اعوام 1998 و2009 و2012 ...الخ 1

11) وفى الولايات المتحدة، هناك قانون عتيق وشهير فى الكونجرس يحظر على أى صفقة سلاح أمريكية الى الشرق الأوسط أن تخل بالتفوق العسكري الإسرائيلي على كل الدول العربية مجتمعة.

12) ثم أخيرا وليس آخرا يأتى الدعم الأمريكي الاوروبى للسلاح النووى الاسرائيلى مقابل حظره وتحريمه على أى دولة أخرى فى الشرق الاوسط.

والأمثلة كثيرة.

والخلاصة هى أن المبدأ الحاكم فى المنطقة هو أن القدرات العسكرية العربية هى شأن أمريكى/اسرائيلى محض؛ تراقبها وتقيدها وتتحكم فيها على قاعدة الحفاظ على التفوق الاسرائيلى الى ما شاء الله.

فى حين انه على الجانب الآخر، لا تجرؤ أي دولة عربية على الاعتراض او التعقيب على الدعم العسكرى الغربى اللامتناهى لإسرائيل وفقا لمنطق هذا قدرنا الذي لا قبل لنا به.

والغريب هنا، ان هذا لم يكن هو حالنا بعد هزيمة 1967، فلقد كانت ارادة الحرب والمقاومة هى المبدأ والقاعدة السائدة مصريا وعربيا، ولم تخترقنا جرثومة اليأس والاستسلام الرسمى العربى الا بعد حرب 1973!

ان قوات العدو تستهدف نزع سلاح غزة، لأنه محظور على اى عربى؛ فلسطيني او غير فلسطينى أن يمتلك من السلاح والقدرات والقوات ما يمكنه من صد ومواجهة الاعتداءات الصهيونية والهيمنة الامريكية.

ان دفاعنا عن غزة ومقاومتها وسلاحها هو دفاع عن النفس.

أخشى أن تكون الدولة المصرية قد ارتضت الاكتفاء بالدور الذى يفضله لها الامريكان والاسرائيليون ومجتمعهم الدولي وهو ان تقوم بدور الوساطة بين (اسرائيل) والفلسطينيين بدلا من دور التصدى والريادة والمواجهة.

فهو دورها الأبرز منذ سنوات طويلة، وهو الدور الأكثر تقديرا وشكرا على الدوام فى تصريحات الرؤساء والمسئولين الأمريكيين.

وهو ما ظهر بجلاء فى حرب الابادة الحالية على غزة، من الاكتفاء بالوساطة فى صفقة الهدنة وتبادل الأسرى والتفاوض اليومى مع (اسرائيل) للحصول على موافقتها على ادخال المساعدات وفتح المعبر، فى وقت تحتاج فيه غزة من مصر وكل العرب الى ما هو أكثر من ذلك بكثير.

ولا يغير من طبيعة هذا الدور ما يصدر بين الحين والآخر من تصريحات رسمية مصرية عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ولا حتى ما خرج أخيرا من انتقادات عالية النبرة قليلا لما تقوم به (اسرائيل) فى غزة من قتل وتدمير وتهجير.

فرغم أى تصريحات، فان الدور الرسمى المصرى قد تم تقليصه واختصاره منذ اتفاقيات كامب ديفيد وعلى الأخص فى السنوات القليلة الماضية الى دور الوسيط الذى يتم استدعائه مع كل عدوان اسرائيلى جديد وكلما كانت هناك رغبات امريكية او اسرائيلية فى الضغط على حركات المقاومة.

وهى بطبيعة الحال وساطة غير متوازنة، فإذا كان فى مقدور مصر الضغط على الفلسطينيين المحاصرين والمحتلين، فان العكس هو الصحيح فيما يتعلق بإسرائيل، حيث تكون مصر هى الطرف الأضعف الذى يتعرض للضغوط طول الوقت سواء من الأمريكان أو من (اسرائيل)، بسبب طبيعة علاقات التبعية المتغلغلة منذ السبعينات، وبسبب أهم وأخطر، هو الاختلال الهائل فى موازين القوى فى سيناء وعلى جانبي الحدود الدولية الذى تم فرضه علينا منذ 1979 في اتفاقيات كامب ديفيد.

فى عام 1978 كتب توفيق الحكيم مقالا فى جريدة الاهرام يطالب فيه بوقوف مصر على الحياد بين العرب وبين (اسرائيل) مثلما وقفت سويسرا والنمسا على الحياد فى الحرب العالمية الثانية.

فانفجرت فى وجهه موجات من الردود والمقالات من كبار المفكرين والكتاب عليهم رحمة الله جميعا، من امثال رجاء النقاش واحمد بهاء الدين ووحيد رأفت وبنت الشاطئ وآخرين، كتابات تدافع عن عروبة مصر وتؤكدها وتقدم عشرات الأدلة والشواهد والبراهين عليها، وتفكك دعوة الحكيم المريبة وتشكك فى توقيتها ودوافعها وتستعرض مخاطرها وتبين تهافتها واستحالتها، لتنتهى هذه المناظرة التاريخية بتوجيه ضربة قاضية لفكرة حياد مصر العربية فى معارك صراع الأمة العربية ضد الكيان الصهيونى ومشروعه.

لا أظن انه كان من الممكن أن يخطر على بال غالبية الشعب المصري ونخبته الفكرية الراحلة حينذاك، بأن دعوة توفيق الحكيم ستتحول فى يوم من الأيام لتكون هى الموقف الرسمي للدولة المصرية فى تحد وتناقض وصراع مستحيل مع شخصية مصر وتكوينها الطبيعي بهويتها العربية ومكانتها التاريخية وموقعها الجيوسياسى ودورها المركزى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2183412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد سيف الدولة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2183412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40