يستعيد المناضل الفلسطيني أحمد حسين اليماني (1924 - 2011)، في مذكراته التي صدرت حديثاً عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” ضمن سلسلة “ذاكرة فلسطين”، سيرة حياته منذ طفولته، حيث شهد إعدام الشهداء الثلاثة: عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي، مؤرخاً للحركة العمالية الفلسطينية، وكذلك لتجربته في ميدان العمل التنظيمي الجماهيري والمهني وأطر سياسية وشعبية عدة.
ويضيء الكتاب الذي يحمل عنوان “مذكرات أبو ماهر اليماني: تجربتي مع الأيام”، مجموعة محطّات تعود إلى ما قبل النكبة وبعدها، حيث انخرط في النشاط النقابي في نابلس، ثم في العمل السرّي فالعلني في صفوف حركة القوميين العرب، ثم في تأسيس تشكيلات داخلها، مثل أبطال العودة وشباب الثأر، اللتين أصبحتا من مكوّنات “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
ويأتي بيان المركز العربي: “ولعل كثيرين ممن توقعوا مفاجآت وحالات من الكشف عما يحدث عادة في مذكرات السياسيين، قد شعروا بشيء من الخيبة، وأن ما بين أيديهم مما هو منشور لا يلبي الرغبة في الكشف أو الاكتشاف، أو الوقوع على بعض أسرار المرحلة، فلا شيء، ولا حتى كلمة عن أحداثٍ عاصفة كان الرجل في وسطها، من قبيل النقاشات الحامية في الحركة بين اليمين واليسار، وانفراط عقد مكونات الجبهة الشعبية، بخروج جبهة التحرير الفلسطينية منها بزعامة أحمد جبريل، ووقائع المؤتمر الذي أفضى إلى خروج نايف حواتمة، وتشكيل الجبهة الديمقراطية”.
يوثق اليماني تاريخ الحركة العمالية الفلسطينية، وانخراطه في حركة القوميين العرب وتأسيسه “الجبهة الشعبية”
كذلك يغيب الحديث عن أحداث أيلول/ سبتمبر 1970 في الأردن، وفق البيان ذاته، فلا ذكر لتلك الوقائع التي شكّلت مقدمات الصدام ومجرياته والنتائج التي تمخضت عنه. وتنسحب سمة الغياب على ما حدث في لبنان ما قبل اتفاق القاهرة وحتى الحرب الأهلية ودور الفلسطينيين فيها، ولا ذكر لجبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني. وعلى صعيد العلاقات الداخلية في الجبهة، يغيب أي كلام عن الخلافات بشأن العمل الخارجي بقيادة وديع حداد، وغير ذلك من الموضوعات التي كان من المهم معرفة موقف أبو ماهر منها، أو على الأقل الاطلاع على وقائعها منه تحديدًا، وهو المناضل المشهود له بالنزاهة والاستقامة.
وفي تقديم الكتاب، يشير السياسي والطبيب الفلسطيني جورج حبش (1926 – 2008)، إلى أنه “ومن دون أيّ مجازفة أو مبالغة، يمكن القول إن سلوك الرجل كان أنموذجاً يُحتذى؛ فقد اشتُهر أبو ماهر بنظافة اليد واللسان، وبقدر كبير من النزاهة الأخلاقية، الأمر الذي جعله يستحق لقب ضمير الثورة، فقد عرفه الجميع إنساناً متواضعاً إلى أبعد الحدود، في مأكله وملبسه ومعيشته، وحسّاسًا إلى أبعد الحدود تجاه رعاية عوائل الشهداء والأسرى، وتجاه واجب الاهتمام بهم وتكريمهم، وتقديم جميع احتياجاتهم في حدود الإمكان”.
تتوزع المذكرات على خمسة فصول، كل فصل منها يشرح محطةً نضالية في تاريخه. تناول الفصل الأول “في فلسطين”، محطات في تكوين شخصية أبو ماهر النضالية، وكذلك تسارع الأحداث في فلسطين، وبدايات الاحتلال الإسرائيلي والوفود العربية التي زارت فلسطين وبداية النضال الوطني وعقد المؤتمرات وتشكيل كتائب عسكرية، وصولًا إلى الطرد والإبعاد إلى لبنان.
أما الفصل الثاني “في دنيا الشتات خارج فلسطين”، فقد تحدّث عن تنقلاته بين المدن التي حل فيها من النبطية إلى طرابلس إلى بيروت، ثم عودته إلى نابلس وخروجه مجددًا، وحصوله على جواز سفر أردني، حتى مرحلة مخيم عين الحلوة والمدرسة، ثم طرده من الأونروا، ثم مرحلة التعليم بين بيروت وبعلبك، وكذلك عن لقائه مع الحاج أمين الحسيني.
واستعرض الفصل الثالث “في ميدان العمل التنظيمي الجماهيري والمهني”، بداية تنظيم الشباب العربي الفلسطيني في لبنان، وتشكيل اللجان الشعبية في المخيمات ورابطة المرأة، والحركة الكشفية والأندية الثقافية، بينما يتطرق الفصل الرابع “في إطار حركة القوميين العرب” إلى انخراطه في حركة القوميين العرب وتأسيس شعبة لها في لبنان، ولقائه بجورج حبش، وبجمال عبد الناصر، وتأسيس مجلة الثأر، وتأسيس منظمة شباب الثأر ومنظمة شباب العودة، وغير ذلك مثل كتائب الفداء العربي.
ويوضّح الفصل الخامس “تجربتي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية”، مراحل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤتمر القمة العربي الأول، وتحدّث عن لقائه بالشاذلي بن جديد، ومشاركاته في دورات المجلس الوطني الفلسطيني، وكذلك مهماته ضمن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولقاءاته بأحمد الشقيري وياسر عرفات، وانطلاقة حركة فتح.