بلد الغواية السياسية والحريات في كل شيء إلا الحريات الحقيقية.. بلد السفارات المتنفذة والمليشيات الطائفية المتوزعة والزعامات والبريستيج المفصل على المقاس.. هي لبنان الصغيرة الكبيرة بمكتباتها وضخ الكتب التي لا تجد لها قارئا.. لبنان ببيروت الساحرة وشارع الحمراء.. إلى بيروت المطحونة والضاحية الجنوبية من شارع الجامعة إلى مخيم شاتيلا وصبرا وبرج البراجنة.. هي بيروت بأجهزة المخابرات الدولية والإقليمية والاغتيالات السياسية والعناد ولعب السياسيين كما لا يوجد في بلد آخر.
ولأن البلد لا يتمتع بانسجام وتجانس كانت الدولة دائما هشة صعيفة لا يحتاج إليها المجتمع، فلكل طائفة حكامها ومتنفذوها من تجارة الحشيش والمخدرات والسلاح واللحم الأبيض.. ورغم هشاشة جيشها إلا أنه مستبد وعنصري وهو جاهز للقيام بمهمات قذرة في كل حين ضد الفلسطينيين وضد المقاومة اللبنانية.
في هذا البلد ولدت المقاومة اللبنانية التي استطاعت أن تملأ فراغ المقاومة الفلسطينية عقدين من الزمن واقتحمت الأهوال وأثبتت للعالم كله أنه بالإمكان مقارعة إسرائيل وتكبيدها أفدح الخسائر.. واستطاعت أن تنتزع أرضا من يديها وأن تصنع قيمة الردع العربي في معركة حقيقية.
ولهذا كان المخطط الغربي الصهيوني يقضي بتعفين المناخ الأمني والسياسي في لبنان.. ووجدت بعض الدول العربية سبيلا لحضورها من خلال الزج بقوى طائفية في إيجاد تناقضات داخلية.. وكل ما يجري في لبنان لا يمكن إبعاده عن الرغبة والإرادة الأمريكية والغربية والإسرائيلية.
وهكذا نستطيع النظر إلى التفجيرات المتوالية في بيروت والضاحية بشكل أساسي والهرمل وسواها من مناطق لبنان شمالا ووسطا وجنوبا نستطيع النظر بوضوح لنقرر أن مشروعا ضخما يتم تنفيذه لجعل المقاومة أمرا مستحيلا.. وذلك بفتح جبهات حرب عليها وإشغالها بنفسها.. ولن تستطيع المقاومة إغفال خطورة الوضع الراهن والمستقبل، حيث تتركز قوى الخفاء في مفاصل الحياة في لبنان وترتبط مباشرة من خلال السفارات الأجنبية في البلد.
لبنان بلد الطوائف المتنافرة دخل مضطرا في دوامة سوريا ليزداد طينه بلة ويدخل على الخط عوامل جديدة من العنف والقتل ويصبح مصير لبنان مرتبطا بمستقبل سوريا.. كما أن مصير سوريا مرتبط بمآلات الوضع الفلسطيني.. وسيكون من الصعب فك الارتباط بين هذه العواصم وحل مشكلة إحداها بعيدا عن تناول العاصمتين الأخريين.
بيروت والقدس ودمشق أي عواصم بلاد الشام مرتبطة الواقع وموحدة المستقبل وأعداؤها يتحركون بمخطط واحد مترابط يضرب بإيقاعات متجانسة لكي يفقد الإقليم القدرة على النهوض والمقاومة ويكون الحلقة الضعيفة في جبهة الأمة أمام مشروع التقسيم والتفتيت الطائفي.
من هنا بالضبط تقع التحديات كبيرة على المقاومة اللبنانية.. فهل تستطيع أن تنسحب من المعاملات الخطإ والحروب الخائبة للتفرغ لمعركة الوجود العربية ضد المشروع الغربي.. إنها تستطيع لو حركت بعض صواريخها نحو العدو أن تشق طريقا آخر غير الذي يراد لها أن تندفع فيه.. وإنه مع ذلك كله، لا بد من تسجيل ألمنا من عدم قدرة العرب على حماية مقاومتهم.. كان الله في عوننا وتولانا برحمته.