الجموع التي احتشدت أمس في المدافن الجماعية لشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا تلبية لدعوة جمعية “كي لا ننسى صبرا وشاتيلا”، والتي اختلط فيها الفلسطيني باللبناني، العربي بالاوروبي، لم تتذكر فقط شهداء واحدة من ابشع جرائم العصر، واكثرها تعبيراً عن تواطؤ ما يسمى بالمجتمع الدولي، وعن ازدواجية المعايير لديه، بل تذكرت أيضاً ذاك المناضل الكبير ستيفانو كاريني، الذي أطلق شعار “كي لا ننسى” وحوّله إلى جمعية، فزيارة سنوية تشكل موعداً عالمياً مع أهالي الشهداء، وتذكيراً لأمة ازدحمت عليها المناسبات والمجازر فكادت ان تنساها جميعاً، بل تنصّل حكامها، وحتى قادتها، من تحمّل أي مسؤولية تجاهها.
لست أدرى ما الذي دفع بالراحل الكبير ستيفانو إلى اطلاق تلك الفكرة الرائعة التي استجابت لها شخصيات لبنانية وهيئات لبنانية وفلسطينية وساهمت في توفير ظروف نجاحها، لكن بالتأكيد أحد أهم الأسباب هو تاريخ الرجل وسجله الحافل بالنضال من اجل الانسان وحقوقه، ومن أجل الشعوب وكرامتها ، دون ان نستبعد أيضاً ان يكون احساس هذا المناضل الايطالي بالذنب تجاه شهداء المجزرة وذويهم هو أحد الاسباب المحركة لتلك الفكرة وللحماسة على تنفيذها لسنوات عديدة.
لقد كانت المخيمات الفلسطينية في بيروت وضواحيها، وفي المقدمة منها مخيما صبرا وشاتيلا، ( وبعد خروج قوات المقاومة الفلسطينية من العاصمة بعد حصار اسطوري دام 80 يوماً، رافقه قصف جوي وبحري وبري) بعهدة كتيبتين ايطاليتين كانتا جزءاً من قوات متعددة الجنسية أوكل اليها اتفاق فيليب حبيب الشهير مهمة حماية المخيمات بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية والجيش العربي السوري من لبنان.
لكن الكتيبتين الايطاليتين سرعان ما انسحبتا صبيحة 13 ايلول/سبتمبر 1982 من محيط المخيمين ولاسباب ما زالت غير معروفة، لتتم في المساء عملية تفجير الاشرفية التي أودت بحياة الرئيس المنتخب حديثاً الشيخ بشير الجميل وعدد كبير من رفاقه، ولتدخل القوات الاسرائيلية العاصمة اللبنانية وتحتلها وترتكب المجزرة الشهيرة.
ربما اراد ستيفانو ان يبرئ بلاده وشعبه من هذه الجريمة النكراء التي تتكرر في بلادنا في كل مرة نصّدق فيها وعوداً دولية، لا سيّما وعود الدول صاحبة التاريخ الاستعماري الطويل ضد شعوب المنطقة، وربما اراد ستيفانو ان ينبهنا جميعاً إلى ان نميّز بين الشعوب والحكومات، فاذا اندفعت الحكومات إلى حروب، وقفت في وجهها الشعوب، ولعل آخر الأمثلة ما حصل بالامس يوم وقفت شعوب أمريكا واوروبا بوجه نوايا اداراتها العدوانية ضد سوريا.
فكرة “ستيفانو” الجميلة اثمرت هذه الزيارات السنوية لوفود من كل انحاء العالم، ولكن لماذا لا تثمر أيضاً فكرة أخرى هي فكرة انشاء “جمعية كي لا ننسى مجزرة قانا” أيضاً لكي تنظم كل عام زيارات من أرجاء العالم وفعاليات متنوعة بهذه المناسبة، فنحاصر العدو بالمجازر، وتذكّر العالم بشهداء لبنان الذين قضوا في قصف صهيوني لمهجع تابع لقوات الطوارئ الدولية لجأ اليه المئات من أهل قانا وقد ظنوا بأن شارات الأمم المتحدة المرفوعة كافية لكي تكبح جماح الاجرام الصهيوني وتبعدهم عنهم.
“كي لا ننسى قانا” هي دعوة كي لا ننسى أيضاً مجازر العدو المتواصلة في لبنان منذ مجزرة حولا عام 1948، إلى مجزرة تولين وجويا 1912، إلى مجازر حرب 2006 الممتدة من أقصى الجنوب إلى اقصى البقاع، خصوصاً ضاحية “العزة والكرامة” كما اسماها رئيس بلدية الغبيري الحاج محمد سعيد الخنسا في مهرجان احياء الذكرى في قاعة رسالات.
فهل يتحرك المسؤولون اللبنانيون، الرسميون وغير الرسميين إلى اطلاق جمعية “كي لا ننسى مجزرة قانا”، التي صورها فيلم وثائقي راقٍ للمخرج المبدع الراحل سايد كعدو، فننظم كل عام “زيارة الربيع” في ذكرى مجزرة قانا على غرار “زيارة الخريف” في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا.
السبت 21 أيلول (سبتمبر) 2013
ذكرى... وفكرة
السبت 21 أيلول (سبتمبر) 2013
par
معن بشور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
34 /
2186945
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
18 من الزوار الآن
2186945 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 19