اللاجئ. النازح. المُبعد. المنفي. المشتّت. الطريد. الشهيد. الأسير. الجريح .. تلك هي متواليات الرواية الفلسطينية التي لم تنته فصولها منذ ستين عاماً، وما زالت تكتب بالدم والرماد.
بعض «كتبة» هذه الرواية راوحوا بين المأساة، والملهاة، والقارئ يلاحظ هنا بالطبع أن المقصود بالرواية ليس الجنس الأدبي السردي، وإنما الرواية مجازاً هي درب الآلام الفلسطينية. الدرب المعبّدة بأعراس الدم كما يقال دائماً في الشعر. هذه الدرب ذاتها التي يلهو بها وعليها فلسطينيون من كوكب آخر ليس لديهم مفاتيح قديمة لبيوت تنتظر في القرى المهدّمة والمهجورة، وليس بحوزتهم «كروت» مؤونة يصرفون بها علب السردين وأكياس الطحين .. هؤلاء الـ «ذةض» جداً جداً، والخريفيّون جداً جداً، حيث لا ربيع فلسطينياً في الأرض التي تنجب زعتراً ومقاتلين، كما كان يقول متفائلاً محمود درويش.
كاتب المأساة الفلسطيني انتهى أو انقرض، فهو إمّا تحت التراب هادئاً في موته الأبدي، وإما طواه اليأس كما تنطوي الورقة في الريح، وإما أنه معزول أو غير مرغوب فيه عند العدوّ ولا عند الصديق.
كاتب المأساة الحقيقي الذي دفع بأصابعه بكل قوة في كوم الجمر، أصبح اليوم مجرد ذاكرة وطنية أو حنيناً رومانسياً يستعمله الشعراء في القصائد التي تجري كالسفن على البحر الطويل.
الفلسطيني التراجيدي ..
الفلسطيني العوليسي الذي كلّما حاول الوصول إلى إيثاكة أطلقوا في إثره الذئاب والكلاب .. هذا النموذج من البشر مفقود الآن في التاريخ وفي الجغرافيا أو مُغلق عليه بقفل ثقيل.
مَنْ تبقى إذاً؟
ثمة من يبيع السراب إلى العطشان، ويطبخ الحصى للجائع. ثمة من يغني على ليلاه، وثمة من يرقص على دمه. بعض رجال لا ربيع لهم ولا شتاء. صور في نشرة الأخبار. وظلال تحت الجدران. لديهم سحر الصورة وسحر الصوت، ولا تنقصهم البلاغة ولا اللغة حتى لو كانت بلسان غير عربي.
متوالية جديدة، تعيدنا من جديد لكتابة الرواية مرة ثانية بالدم والرماد.