الخميس 18 نيسان (أبريل) 2024

في ظلال طوفان الأقصى 1-5

الخميس 18 نيسان (أبريل) 2024 par د. مصطفى يوسف اللداوي

عدوٌ أحمق وقصفٌ أهوج

ما زالت حكومة الكيان الصهيوني رغم كل ما قامت به ترغي وتزبد، وتهدد وتتوعد الفلسطينيين في غزة باجتياح قطاعهم، وتدمير بنيانهم، وتخريب أرضهم، وتعطيل مرافقهم وتغيير معالم مناطقهم، ثأراً وانتقاماً من حركة حماس، التي باغتتهم ونالت منهم، وصدمتهم وروعتهم، وألحقت بهم خسائر ما كانوا يتوقعون يوماً دفعها، أو التعرض لها في حياتهم أبداً، إذ اعتبروا أن زمن الهزائم قد ولى، وحروب المفاجئات قد انتهت، والجيوش التي كانت تهددهم قد ضعفت وتفككت، وعقيدتها القومية قد تلاشت، وبات قادتها أصدقاءً لهم وحلفاءً معهم، ولا يوجد بعدهم من يتجرأ عليهم أو يعتدي عليهم ويهدد أمنهم، فاطمأنوا إلى قوتهم واستعلوا، وركنوا إلى سلام المطبعين معهم وبطشوا، واستفردوا بالفلسطينيين وقصفوا، ظانين أنه ضعيفٌ وحده، وعاجزٌ بمفرده، وأنها مسألة أيامٍ ويسقط ويذعن.
إلا أن المقاومة الفلسطينية كذبتهم والمواجهة فضحتهم، ووجدوا أنفسهم في رحى معركةٍ لا ترحم، وبين رجالٍ لا يهابون مواجهتهم ولا يترددون في قتالهم، ولا ينتظرون هجومهم بل باغتوهم بالهجوم عليهم، وانقضوا عليهم في بلداتهم ومستوطناتهم، واقتحموا قواعدهم ومقراتهم العسكرية ومعسكرات تدريب جنودهم ومستودعات أسلحتهم، وخاضوا معركةً على مساحةٍ من الأرض هي ضعف مساحة قطاع غزة، على طول خمسين كيلو متراً وعمق ثمانين، قتلت فيها مئات الجنود والضباط، وساقت العشرات منهم أسرى إلى قطاع غزة، وأظهرت للعدو أنه وجنوده أضعف ما يكونون عند المواجهة، وأجبن ما يظهرون عندما يتقابلون وجهاً لوجه، بعيداً عن الطائرات التي تساندهم، والجدران التي تحميهم، والدبابات التي تقويهم.
لم يستفق العدو الصهيوني من هول الصدمة، ولم يتمكن من امتصاص حجم الضربة، ووقف مذهولاً صامتاً عاجزاً عن فعل شيءٍ أمام المقاومة، فلجأ بعد ساعاتٍ طويلةٍ بعد المعركة في قصف أهداف مدنية سكنية وشعبية في القطاع، ودمرت حمم صواريخه مدارس ومساجد وبيوت وأسواق، في قصفٍ أعمى أهوج وحشي، نفذته طائرات هجومية وبوارج حربية، تساندها مدافع الميدان والدبابات التي أحاطت بالحدود الشرقية لقطاع غزة فيما يشبه السور الحديدي، وأحدث القصف المتواصل المجنون ليلاً ونهاراً دماراً كبيراً في أرجاء القطاع، وتسبب حتى الساعات الأولى من اليوم الخامس على انطلاق معركة “طوفان الأقصى”، في استشهاد أكثر من 1000 فلسطيني، وإصابة أكثر من 5500، وما زال القصف مستمراً، تدميراً للمباني ومسحاً لبعضها من الوجود، ونقباً للأرض وحرثاً للشوارع والطرقات.
لا يبدو أن العدو سيتوقف عن قصفه، أو سيتراجع عن غيه، فهو ما زال تحت هول الصدمة مشدوهاً ومذهولاً، فاقداً لعقله وغير مدركٍ لما يجري حوله، بعد أن أفقده طوفان الأقصى رشده وسلبه وعيه، فغدا كالثور الهائج يبحث عن هدف، ويتطلع إلى كسب، مدفوعاً بمشاعر الحقد وغرائز الانتقام الأسود، مما يرجح أنه سيمضي قدماً في عملياته الوحشية التي بدأ بها، متسلحاً بالولايات المتحدة الأمريكية التي تؤيده وتشجعه، وبدول أوروبا الغربية المريضة نفسياً التي تتفهمه وتبرر جريمته، ومستفيداً من صمت الدول العربية وعجزها، التي لا تمارس دورها وكأن ما يحدث في غزة لا يعنيها وليس من شأنها.
لكن العدو يخطئ كثيراً أنه بهذا القصف المجنون المؤيد بالصمت الدولي المخزي، والتأييد الأمريكي المعيب، يستطيع أن يجبر الشعب الفلسطيني الذي ذاق مرارة الحروب السابقة، وعاش ويلاتها، واكتوى بنيرانها، وتعرض لما يتعرض له اليوم، وأن يدفعه للخضوع والخنوع، والتسليم والاستسلام، والتخلي عن المقاومة، فهذا حلمٌ بعيد المنال، وغايةٌ مستحيلةٌ لن يدركها، فالفلسطينيون قد عرفوا عزة المقاومة، وشرف القتال، وذاقوا حلاوة النصر وكرامة القوة.

الفلسطينيون يدعون روسيا للتدخل والمساعدة

الموقف الرسمي الروسي إزاء الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة مقبولٌ، وهو أفضل بكثير من مواقف العديد من الدول العربية والإسلامية، فقد دانت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة واستنكرتها، واعتبرتها عدواناً صارخاً وتهديداً للسلم والأمن في المنطقة، وحذرت من اتساع نطاق الصراع وأنه سيؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة كلها، ودعت الكيان الصهيوني إلى التوقف عن العدوان على قطاع غزة فوراً.
وكان موقفها قد جاء على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، رغم همومها ومشاكلها، وأزماتها والتحديات التي تواجه في حربها ضد أوكرانيا، فهي لا تحاربها وحدها فقط، وإن كانت المعارك تدور على أرضها وفي أجوائها، إلا أنها تقاتل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية وكندا واستراليا، الذين يمدون أوكرانيا بالمال والعتاد وبكل أنواع السلاح، ويساندونها في موقفها ضد روسيا.
لا يخفى على القيادة الروسية أن الفلسطينيين قد وقفوا إلى جانبها، وأيدوها في حربها ضد أوكرانيا، ولم يترددوا في الاصطفاف معها ومساندتها بالقدر الذي يستطيعون، فهم يعلمون أنها تقاتل الولايات المتحدة الأمريكية ونحن ضدها، ونعتقد أنها سبب أزمتنا، والسند الرئيس للكيان الصهيوني الذي يقاتلنا بها، ويفتك بنا بسلاحها، ويستقوي علينا بقوتها.
ويعلم الرئيس الروسي أننا لم نكن مع القيادة الأوكرانية التي أعلنت قبل حربها ضدكم وأثناءها تأييدها للكيان الصهيوني ضدنا، وأنها تتفهم دواعي خوفه وحاجاته، وتشعر بالمخاطر التي يتعرض لها والتهديدات التي تواجهه من الفلسطينيين، وما علمت القيادة الأوكرانية أن فلسطين لنا ونحن أصحابها وأهلها، وأننا سكانها منذ كانت وسنبقى فيها إلى أن تزول الأرض والسماوات وما فيهن.
وربما استشعر الرئيس الروسي الخطر على الأمن القومي لبلاده نتيجة رسو المدمرات الأمريكية في شرق المتوسط، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن تحركها قبالة الشواطئ الفلسطينية، رغم أنها جاءت لدعم العدوان الإسرائيلي وتشجيعه على المزيد، ولإسناده وتزويده بالذخائر والمعدات، وتعويضه عن النقص وتلبية الحاجات، إلا أن الرئيس الروسي حذر من أن حاملات الطائرات الأمريكية لم تأتِ إلى المنطقة لقصف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أو لقصف حزب الله في لبنان، بل جاءت لإرهاب وتخويف كل الأطراف الأخرى التي من الممكن أن تشترك في الحرب ضد الكيان الصهيوني.
ليعلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن انتصار المقاومة الفلسطينية انتصارٌ لبلاده، واستقرارٌ للمنطقة، وضمانة لمصالحه، وتأمينٌ لخطوط غازه، ونهاية للتفرد الأمريكي والهيمنة الغربية المتوحشة، وهو أيضاً نجاة له من المؤامرات الأمريكية والغربية التي تآمرت عليه واجتمعت ضده، وهي تحصينٌ لمواقفه، وتحسين لظروفه وشروطه في حربه ضد أوكرانيا، ولعله يعلم أن الحكومة الإسرائيلية قد دعمت الحكومة الأوكرانية ضد بلاده، وزودتها بأسلحة فتاكة وصواريخ مدمرة وقنابل ذكية ومضادات ومسيرات ومعدات عسكرية كثيرة، وأنها ما زالت ترفدها بالخبراء والفنيين الذين يشاركون في وضع الخطط لإضعاف روسيا وإلحاق الهزيمة بها.
استناداً إلى ما سبق وبناءً عليه فإننا نحن الفلسطينيين في الوطن والشتات، وباسم أهلنا في قطاع غزة ندعوك وبلادك للوقوف معنا ومساندتنا، ونطلب منكم التدخل لحماية شعبنا ومنع إبادته بالآلة العسكرية الأمريكية المدمرة، ولتكونوا شركاء معنا في هذا الانتصار، فنحن أقسمنا أن ننتصر، وها هي بشائر النصر تتراءى من قريبٍ لا من بعيدٍ، ولتعلم أن تدخلك شرف، ووقوفك إلى جانبنا رفعة لبلادك، وتمكينٌ لها في الشرق، وانتصارٌ لها ضد أمريكا والغرب، فنحن وإياكم أهل الشرق الأصيل، وأصحاب الأرض وشركاء التاريخ، فعجل بقرارك، ولَوِّح بسلاحك، وهدد بقوتك واضرب بقبضتك، واستذكر مجد من سبقك.

مواقف ألمانية مخزية وتصريحاتٌ سياسية سيئة

لم تكن تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية حول الحرب الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مفاجئةً لنا، أو صادمةً لمشاعرنا، أو مخالفةً لتوقعاتنا، فألمانيا لم تتوقف منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم عن دعم الكيان الصهيوني، وتزويده بمختلف أنواع الأسلحة والمعدات، والطائرات والمسيرات، والغواصات والآليات، حتى أنها تزود الجيش الإسرائيلي بكلاب ضارية مفترسة مدربة، كتلك التي يستخدمها جنوده في ترويع الفلسطينيين والاعتداء عليهم، وتمزيق ملابس الفلسطينيات ونهش أجسادهن والإساءة إليهن، وقد وثقت وسائل الإعلام الأجنبية هذه المشاهد المخزية.
نعم ... لم تكن التصريحات الألمانية مفاجئةً لنا أبداً، إذ نعرف تاريخياً استخذاءها الدائم وضعفها المستمر أمام الكيان الصهيوني، الذي ما زال يستغلها ويستنزفها، ويلزمها بدفع تعويضاتٍ مرهقة للحكومة والمواطنين الألمان، تكفيراً عن “المحرقة” التي كان اليهود أنفسهم سبباً فيها، وشركاء في ارتكابها تمهيداً للهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، وما زالت الحكومات الألمانية على اختلافها تخضع للابتزاز الإسرائيلي لا تقاومه ولا تدفعه، ولا تحاول البراءة من المسؤولية والتخلي عنها، ونجدها فضلاً عن التعويضات المالية التي تقدمها لهه بسخاء، تدافع عنه في الأروقة والهيئات الدولية، وتتفهم مواقفه وتجيز سياساته وتدعم قراراته.
لكننا كنا نظن أن لدى الحكومة الألمانية بعض الحس الإنساني، وقليل من الأدب واللباقة، والأخلاق واللياقة، فتتجنب الكلمات الخشنة والأوصاف السيئة، وتكون منصفةً في مواقفها، عادلةً في تقديراتها، ولا تشارك في الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني كله، إلا أنها بإعلانها التوقف عن مساعدة الفلسطينيين، وقطع الاتصال بهم والتعاون معهم حتى يقوموا بإعادة “الرهائن” الأسرى المحتجزين لديهم، وتتوقف مقاومتهم عن قصف المدن والبلدات والمستوطنات الإسرائيلية.
وأضافت الحكومة الألمانية ما يسيء إليها أكثر ويفضح سياستها ويعري عنصريتها، سماحها لجيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام مسيراٍتٍ ألمانيةٍ حربيةٍ متطورةٍ في العمليات الحربية التي يشنها على الفلسطينيين، واستعدادها تزويد الجيش الإسرائيلي بذخائر ومعدات خاصة بالسفن البحرية، وإعلان جاهزية بلادها الدائمة تزويده بما يلزمه خلال الأيام العصيبة التي يعيشها “شعب إسرائيل”، نتيجة “عدوان” حركة حماس عليها.
وفي الوقت نفسه قامت السلطات الألمانية بمنع الفلسطينيين والعرب والمسلمين المقيمين في ألمانيا من التظاهر تنديداً بالعدوان الإسرائيلي، واستنكاراً للصمت الدولي المعيب، وبدلاً من السماح لمواطنين ألمانٍ من أصولٍ فلسطينية وعربية وإسلامية، بالتعبير عن مشاعرهم الإنسانية والقومية، وهذا هو أبسط حقوقهم المكفولة بالقانون والدستور، قامت برفع الأعلام الإسرائيلية وأضاءت بها أكثر من مكانٍ ورمزٍ في الدولة الألمانية، وأظهرت مشاعرها التضامنية مع الإسرائيليين، متمنيةً لهم السلامة وعاجل الإفراج عن الرهائن المحتجزين.
يبدو أن الحكومة الألمانية التي لها العديد من المؤسسات العاملة في قطاع غزة، فضلاً عن سفارتها وقنصليتها في الأرض المحتلة، لا ترى ما يحدث من عدوانٍ إسرائيلي صارخٍ منافٍ لكل القيم والمعايير الدولية والإنسانية، ولا تسمع أن سلطات الاحتلال تحاصر الآن جواً وبراً وبحراً أكثر من مليوني فلسطيني، وتحرمهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء، في أبشع جريمة دولية ترتكبها باسم الدول الأوروبية المتحضرة، وبالسلاح الأمريكي والأوروبي الشريك في العدوان، في أوضح مشهدٍ لمحرقة العصر المروعة التي يرتكبها مدَّعوا المظلومية.
إننا نحن العرب والفلسطينيين والمسلمين، نستنكر المواقف الألمانية، ونعتبرها شكلاً من أشكال العنصرية البغيضة والكراهية المنبوذة، ونتهمها بأنها تساند الاحتلال الإسرائيلي وتقف إلى جانبه، وأنها تؤيده في عدوانه علينا وتساعده أيضاً، فهي شريكة معه في هذا العدوان، وتتحمل كامل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والقانونية الدولية، ونطالبها بسرعة التراجع عن مواقفها، ومراجعة سياساتها المنحازة التي تشجع إسرائيل على استمرار جرائمها، مستفيدةً من الغطاء الدولي لها والصمت العربي عنها.

المعركة البرية الإسرائيلية بين الإقدام والإدبار

ما زالت حكومة الكيان الصهيوني قبل وبعد تشكيل حكومة الحرب المدعمة بالجنرالات ترغي وتزبد، وتهدد وتتوعد الفلسطينيين في غزة باجتياح قطاعهم، وتدمير بنيانهم، وتخريب أرضهم، وتعطيل مرافقهم وتغيير معالم مناطقهم، ثأراً وانتقاماً من حركة حماس، التي باغتتهم ونالت منهم، وصدمتهم وروعتهم، وألحقت بهم خسائر فادحةً جداً ما كانوا يتوقعون يوماً دفعها، أو التعرض لها في حياتهم أبداً.
قبل أن يصل جنرالات الحرب الجدد إلى مكاتبهم الوزارية، كان جيش الاحتلال قد أحاط قطاع غزة على حدوده الشرقية بمئاتٍ من الدبابات، وصفها بعض ضباطه أنها جدارٌ فولاذي معزز بالنار، وإلى جانبها وخلفها انتشرت مدافع الميدان ومنصات إطلاق القذائف الموجهة، وتجمعت دباباتٌ أخرى على الحدود الشمالية للقطاع بالقرب من بلدة بيت حانون، وأما البحر الذي يشكل الحدود الغربية للقطاع فتجوب شواطئه بوارج وسفن حربية تشارك الطائرات المغيرة بقصف مناطق مختلفة من القطاع بقذائف وصواريخ مدمرة، وما زالت حشود جيش الاحتلال تتوالى حشداً وتموضعاً وتزداد عدداً وعتاداً.
يحرص جيش الاحتلال أن تكون حركة آلياته العسكرية مكشوفة ومعلومة، ولا يمانع قيام وسائل الإعلام المختلفة بتصويرها والاقتراب منها، وكأنه يريد أن يقول للمقاومة الفلسطينية أن هذا ما أعددناه لكم وما جهزناه لقتالكم، وعلى المدنيين الفلسطينيين الاستجابة إلى التعليمات العسكرية الإسرائيلية بالتحرك جنوباً والابتعاد عن وسط وشمال القطاع قبل بدء العمليات البرية،
وخلال عمليات الحشد والاستعداد للاجتياح البري للقطاع، لا تتوقف طائرات العدو وسفنه الحربية عن قصف جميع المناطق الفلسطينية في قطاع غزة بلا استثناء أو تمييز، وتقوم بقصف بعض المناطق التي سبق وأن قصفتها مراتٍ عدة، في محاولةٍ لتحويل المناطق إلى أراضٍ محروقة، لا سكان فيها ولا مباني سكنية ولا مؤسسات ولا شيء آخر يدل على الحياة، حيث تستهدف المدنيين العزل في البيوت والشوارع، وفي المدارس والمساجد، وفي الأسواق وعلى الطرقات، مما تسبب في سقوط قرابة 1600 شهيداً وأكثر من 7000 جريحاً في بداية اليوم السابع للعدوان على قطاع غزة، وما زالت تهدد بالمزيد في حال قيامها بالدخول البري.
بغض النظر عن قدرة الكيان الصهيوني على خوض حربٍ بريةٍ ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أم لا، إذ أن قيادته السياسية والعسكرية لم تحسم أمرها، ولم تحدد قرارها، وما زالت تتخبط في تيها وتتعثر في خلافاتها، وهي تحسب المكاسب والخسائر، وتوازن بين المنافع المرجوة والأضرار المتوقعة، ولها في الحروب السابقة خبرة وتجربة، ودرساً وعبرةً، تعلمت منها وخافت، وقاست فيها وعانت، وانسحبت منها خائبةً وعزمت ألا تعود لمثلها أبداً، إذ لا قدرة لجنودها على مواجهة رجال المقاومة، ولا يستطيعون فرادى ومجتمعين أن يفلوا عزم المقاتلين وبأس المقاومين.
لكن قد يكون الأمر هذه المرة مختلفاً عن المرات السابقة، فحجم الخسارة كبير، وأثر الإهانة فاضح، وعمق الجرح غائر، وأعداد القتلى تزداد، وصور الأسرى تذل، وحالة المستوطنين مزرية، فالخوف يسكنهم، والرعب يجمد أوصالهم، ولم يعد لديهم ثقةً في جيشهم ولا أماناً في مؤسساتهم الأمنية، فضلاً عن حكومتهم التي يتهمونها بأنها حكومة الأغرار التي لا تحسن التصرف ولا تملك الخبرة وتعوزها التجربة، وإن التحق بها آخرون فإنهم لن يزيدوها إلا ضعفاً ورهقاً، وتعثراً واضطراباً، وسجلاتهم العسكرية عليهم تشهد، ولهذا فإنهم يتطلعون إلى عملٍ حاسمٍ يحقق أهدافهم المرجوة، ويطمئن قلوبهم الخائفة، ويعيد الثقة بحكومتهم الخائبة.
فهل يقدمون على فعلتهم، ويستطيعون المغامرة بسمعتهم وحياة جنودهم وأمن مستوطناتهم، بعد التجربة المرة التي خاضوها، والخسائر الكبيرة التي منوا بها، وبعد أن علموا أن المقاومة قد أعدت خطة الدفاع قبل أن تعد خطة الهجوم، وأنها استخدمت في هجومها أقل من 5% من قواتها وقوتها وقدراتها، وأنها ما زالت تحتفظ بالكثير من الأوراق الرابحة والأسلحة الرادعة، أم أنها فقط حرب نفسية ومحاولة محمومة لكسر الروح المعنوية، وإضعاف المقاومة، وتفتيت وحدتها وتشتيت صفوفها، وإرهاب الشعب وتخويفه، والتأثير على الحاضنة وتشتيتها، ودفعها للتخلي عن المقاومة والابتعاد عنها.

الرواية الإسرائيلية الكاذبة والأبواق الأمريكية المتواطئة

ما إن انطلقت عملية طوفان الأقصى المباركة، وعاد المقاومون الفلسطينيون بغنائمهم إلى ثكناتهم، مخلفين وراءهم مئات القتلى الإسرائيليين، ومصطحبين معهم عشرات الأسرى من كبار الضباط والجنود والرتب العسكرية العالية، حتى بدأت الاتصالات الأمريكية تنهال على كبار المسؤولين الإسرائيليين المذهولين المصدومين، الذين هالهم ما حدث، وأربكهم ما وقع، وأدخلهم في دائرةٍ مؤلمة من الحيرة والقلق والاضطراب، وفاقم الأمر سوءً الصورُ المتناقلة بين المستوطنين، التي أظهرت حجم الهجوم وآثار العملية، وكشفت عن أعداد القتلى والمصابين وحجم الخسائر التي تكبدتها قواتهم ومستوطناتهم في غلاف غزة.
صدمة انهيار القوات الإسرائيلية أذابت جليد القطيعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأنهت حالة البرود والفتور التي سادت بينهما، إذ أسرع الرئيس الأمريكي بالاتصال بنتنياهو مستفسراً عما حدث، ومتسائلاً عما جرى، ورغم أنه لم يكن قد استفاق من هول الصدمة، ولم يتمكن بعد من جمع خيوط العملية وفهم ما جرى، إلا أنه عرض على الرئيس الأمريكي روايته الكاذبة وسرديته المختلقة، وتباكى أمامه واشتكى، واستذكر المحرقة وخشى، وقص عليه قصصاً وحكاياتٍ لا أصل لها إلا في سجل جيشه الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني.
قلب نتنياهو الحقائق، وزور الوقائع، وكذب في روايته، واستحضر مشاهد قتل الفلسطينيين، وصور اعتداء جيشه على النساء والأطفال، وقدمها للرئيس الأمريكي على أنها جرائم الفلسطينيين وفظائعهم ضد الإسرائيليين، ووصفهم بنبرةٍ حزينةٍ وصوتٍ باكٍ أنهم “داعش”، وأن مقاتليهم هم “جيش الدولة الإسلامية”، وأعاد إلى الأذهان جرائمهم ومجازرهم، والصور القاسية التي نقلت عنهم، متهماً حركة حماس بأنها فعلت فعلهم وقتلت مثلهم، وذبحت وقطعت الرؤوس ومثلت في الأجساد وقتلت الأطفال والرضع واغتصبت النساء، وأنه ينبغي على العالم كله أن يقف مع “دولة إسرائيل” ضدهم، وأن يتحالف لقتالهم، ويعمل على استئصالهم والقضاء عليهم.
صدق بايدن رواية نتنياهو ونقلها، وكذب إذ قال أنه رأى الصور وتألم للمشاهد، وسمع العالم كله تصريحاته المنحازة لإسرائيل، والقائمة على الكذب والافتراء، وتبناها الكثير من كبار المسؤولين والمشاهير والكتاب والإعلاميين وغيرهم، قبل أن يتراجع كبير الناطقين باسم البيت الأبيض عن الرواية، ويعترف بأن الرئيس الأمريكي لم يشاهدها، وإنما سمع عنها من نتنياهو، الذي هاتفه أربع مراتٍ متتاليةٍ خلال ثلاثة أيامٍ فقط، وهو الذي رفض تحديد موعدٍ له لزيارة واشنطن، وامتنع عن الاتصال به واستقباله منذ تشكيله حكومته قبل أقل من عامٍ، وأكثر من توجيه النقد له ولساسته ولبعض أعضاء حكومته.
رغم نفي البيت الأبيض لصحة رواية نتنياهو وتراجع الرئيس الأمريكي عنها، إلا أن الأخير عاد وكررها، وكأنه قد عز عليه ألا يصدق “الكاذب” نتنياهو، وعمد مساعدوه إلى تكرار الرواية وتبنيها، إذ استعظم وزير الخارجية أنتوني بلينكن “الجرائم”، ووصفها بأنها قاسية ومؤلمة، وأنه لا يستطيع أن يشاهدها لفظاعتها، وبدأ يسرد في مؤتمراته الصحفية بعض القصص التي رويت له، ويتحدث بألمٍ عن معاناة العائلات والأسر الإسرائيلية التي فقدت أبناءها، ولحق بها الضرر نتيجة “هجوم” حماس عليها، وحذا حذوهم وصدق مثلهم وروى عنهم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وأصغى إلى وزير حرب العدو يؤاف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”.
أمام هذه الحملة المنظمة لتشويه المقاومة والإساءة إليها، وتبرير الاعتداء عليها وإعلان الحرب ضدها، وهي المقاومة الوطنية الشريفة، التي تلتزم القوانين الدولية وأعراف الحرب، وتلتزم التعاليم الإسلامية ولا ترتكب جائم منافية لها، وقد شهد العالم كله كيف أن مقاتلي القسام قد امتنعوا عن إيذاء المستوطنات وأطفالهن، وأنهم أعادوا امرأةً إسرائيلية وطفليها، وأمنوا لها الطريق، واطمأنوا إلى انتقالها إلى الجانب الآخر، يجب على كل قادرٍ وفي كل مكانٍ وبكل اللغات، ولدينا كل الأدوات والشواهد من الصور والوثائق، أن يساهم في تفنيد الرواية الإسرائيلية ودحضها، وإماطة اللثام عن جرائمهم النكراء وفضحها، والتأكيد على الرواية الفلسطينية ونشرها، وتوثيقها بالصوت والصورة وتعميمها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2185624

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع د.مصطفى اللداوي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

2185624 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 33


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40