الأحد 10 آذار (مارس) 2024

تركيا تراهن على تفاهم مع واشنطن في حال انسحابها من العراق

الأحد 10 آذار (مارس) 2024 par د. هدى رزق

استعدت أنقرة قبل عملية “طوفان الأقصى” لاستئناف مخططها، جعل تركيا الحلقة الأقوى في المنطقة؛ بفضل دور الوساطة الذي تحتاجه بلدان منطقة الشرق الأوسط، القوقاز وآسيا الوسطى، واستعدت لفتح أبواب أفريقيا.

النقلة النوعية في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة بعد ضم السويد إلى “الناتو” حددت المنفعة التي يمكن للولايات المتحدة أن تجنيها من الأدوار التي تلعبها تركيا، مع استمرار الحرب الروسية، وأهمية إمدادات الطاقة إلى أوروبا عبر موانئها، إذ تشكل هذه الإمدادات بديلاً للغاز الروسي، ودورها الذي تقوم به بعد اتفاقية طائرات أف 16 وإمكانية العودة إلى برنامج أف 35.

جرى تطوير العلاقة الأميركية-التركية في مجموعة واسعة من المجالات، بعد عملية “طوفان الأقصى” بدت تركيا حريصة على مواصلة علاقاتها التجارية مع “إسرائيل”، رغم الحرب المدمرة التي تشنّها على غزة، فالرئيس التركي حافظ على التزاماته بالشراكة مع الأميركي من خلال استمرار تدفق البضائع، وتوفير الوقود للكهرباء ونقل الحديد إلى المصانع، وكل ما يلزم “إسرائيل” حتى الغذاء والخضار. لكنه، في المقابل، ينتظر ما ستقدمه له واشنطن في سوريا والعراق.

التلاقي التركي-الأميركي في المنطقة يعدّ مهماً بالنسبة إلى الطرفين، يمكن لتركيا أن ترعى المصالح الأميركية في العراق وسوريا، إذا ما فكرت أميركا في الانسحاب، وترى أن واشنطن تبحث عن التوازن مع إيران ليس فقط في العراق وسوريا بل في منطقة جنوب القوقاز التي تحذر من طموحات إردوغان في أوراسيا.

يواصل إردوغان إصراره على تنفيذ خطته لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30-40 كيلومتراً على جميع الحدود الجنوبية من سوريا إلى العراق.

حل المشكلات مع سوريا والعراق يشكل إحدى أولويات تركيا. حاولت الولايات المتحدة إيجاد حلول تفاوضية بين كرد سوريا وتركيا لدمج “قوات سوريا الديمقراطية” في الجيش السوري، والحفاظ على بنيتها الذاتية في شرق الفرات، بيد أن تركيا وبعد فشل الطاولة الرباعية التي تضمها إلى موسكو وسوريا وإيران بسبب رفض إردوغان شرط الانسحاب التركي قبل فتح محادثات مع سوريا، أما طرح إمكانية التوافق بين “قسد” ودمشق فلا ينال موافقته، ويفضل لقاء الأسد قبل أي تسوية كردية مع دمشق ويمكن أن ينظر في خيار فتح طريق دمشق بجدول انسحاب تدريجي، أما دمشق فخفضت شروط الانسحاب المسبقة من خلال التزام مكتوب يشمل الدول الضامنة.

لن يكون بمقدور الأميركي الاحتفاظ بقواته في سوريا إذا تم الانسحاب من العراق، بل سيجري ربما إسناد أدوار إلى تركيا في حال إحراز تقدم بشأن اتفاقية من شأنها إعادة تعريف المهمة العسكرية الأميركية في العراق، وستتطلع واشنطن إلى تركيا لسد الفجوة.

مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا غير مؤكد، والانسحاب من المركز اللوجستي العسكري الأميركي في مطار أربيل يعني الانسحاب من سوريا. وكان المسؤولون الأميركيون قد أخبروا “قسد” في سوريا أنهم لن يبقوا هناك، وسوف تغادر الولايات المتحدة سوريا في النهاية، أما سياسة تركيا المستمرة ضدهم فلن تتغير، والاتفاق مع دمشق حتمي مع إعادة النظر في مستقبل عائدات النفط.

أما مسألة الحكم المحلي فهي ضرورية بالنسبة إلى واشنطن. لا يريد بايدن الدخول في حرب مع إيران باستمرار بسبب وجود قواته بشكل متزايد في العراق وسوريا، فهو يريد مغادرة سوريا والعراق وإن لم يفعل فقد يصبح الانسحاب حتمياً بعد الانتخابات. يأتي الضغط على دمشق، من أجل ضمان أمن “إسرائيل” وإذا توافقت مع تركيا تجاه الكرد فيمكن توليها مهمات أخرى.
تركيا تتفاهم مع العراق وعينها على إيران

تحاول أنقرة تطوير ممر نقل موجه نحو الأمن والاقتصاد واستراتيجية تعاون في مكافحة الإرهاب من خلال اتصالات في بغداد وأربيل قبل التفاوض مع واشنطن الولايات المتحدة.

تدعم المشاريع التي يمكن أن تعيق نفوذ إيران في العراق وسوريا فيما يريد الأميركيون التخلص من التوتر في سوريا بين الكرد وأنقرة، وفي الوقت الذي تحافظ فيه تركيا على علاقاتها الجيدة مع أربيل، تحاول واشنطن الموازنة في الدور بين تركيا وروسيا وإيران، ومن ناحية أخرى، فإن القواعد والعمليات العسكرية في العراق باتت تضر بمكانة تركيا في بغداد.

أصبحت تركيا من خلال عملياتها العسكرية في العراق هدفاً لحكام بغداد الذين باتوا يعدون وجود قواعدها بمنزلة احتلال، وطالبوا بانسحابها أسوة بانسحاب القوات الأجنبية.

لكن العمليات العسكرية التركية خلقت الفرصة للدولة المركزية العراقية بفتح قنوات سيطرة في إقليم كردستان، وتبدو أنقرة وبغداد في تطور نحو التعاون.

وكان رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين ومعه وزير الدفاع يشار جولر ورئيس الأركان العامة الجنرال متين جوراك، قد قام باتصالات في بغداد وأربيل، وتمت دعوة رئيس وفد الحشد الشعبي فالح الفياض ووكيل مجلس الأمن القومي العراقي قاسم العراسي إلى أنقرة.

ومؤخراً، أشار إردوغان إلى أن تركيا باتت تؤمن حدودها العراقية. وتتزايد توقعات التحوّل بعد الخسائر العسكرية التركية في الزاب، كان من المتوقع أن يناقش إردوغان هذه القضية مع الولايات المتحدة وإيران والعراق، وكانت الاجتماعات التي عقدها إبراهيم كالين مع المسؤولين العراقيين لافتة للنظر، فهو رغم المشاريع التنموية يركز بشكل خاص على السليمانية وأمن الحدود، والقتال ضد حزب العمال الكردستاني، ويقول إنها أساسية بالنسبة إلى بلاده.

أنقرة وجهت ضربة للاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية الذي لا يتعاون معها كما يفعل الحزب الديمقراطي الكردستاني ضد حزب العمال الكردستاني. تطوير العلاقات بين الاتحاد الوطني الكردستاني و“قوات سوريا الديمقراطية” تم بتوجيه من الولايات المتحدة، الأمر الذي حوّل السليمانية إلى منطقة عمليات للمخابرات التركية.

وبينما تحاول أنقرة زيادة تعاونها مع بغداد فإنها تريد أيضاً إحراز تقدم مع إيران بشأن هذه القضية. تمت مناقشة الوضع في العراق وسوريا أثناء زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، التي تمت أخيراً، وإذا تحقق التقارب بين أنقرة وطهران، فمن الممكن تقليل الاعتراضات التي أثارتها الجهات العراقية صديقة إيران ضد العمليات العسكرية التركية في كردستان.
زيارة كالين ووزير الخارجية هاكان فيدان إلى واشنطن

هل تقوم تركيا بإعادة النظر في الوجود العسكري الأميركي في المنطقة؟

يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بتغيير سياستها وبحث الانسحاب بسبب الهجمات التي تشنها قوات المقاومة العراقية ضد القواعد الأميركية في العراق، أو أن تعرض على تركيا تولي مصالح الولايات المتحدة، وستكون فرصتها لتدخلات جديدة.

إدارة بايدن قالت إن الانسحاب ليس على جدول الأعمال، على الرغم من أنه من المتوقع أن تنسحب الولايات المتحدة في نهاية المطاف، بيد أن الجهود المبذولة لمراجعة السياسة لا تشير إلى انسحاب وشيك. السبب الأهم للوجود الأميركي هو تأمين “إسرائيل”، وإضعاف دور إيران الإقليمي، وإجبار سوريا على تغيير محورها

. وبينما تستمر الحرب في غزة، قد لا تغير إدارة بايدن موقفها بسهولة ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. ومن المتوقع أن تتجنب تكاليف سياسية إضافية بينما تستعد للانتخابات، من المتوقع أن تضع خطوة الانسحاب الإدارة في موقف صعب في الكونغرس. بعد انسحابها من أفغانستان، التقييم بأن مؤشر الضعف في الشرق الأوسط سيفيد إيران وروسيا والصين لا يزال حاسماً.

وبطبيعة الحال، هناك أيضاً حديث في دوائر مختلفة حول إمكانية عمل إيران وتركيا معاً ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا، والذي حفزته حرب غزة. يمكن لمعارضة الوجود العسكري الأميركي أن توفر الأساس للتقارب بين إيران وتركيا، لكن هذا ليس كافياً. الشراكة التركية مع الولايات المتحدة على أساس حلف شمال الأطلسي (الناتو) ترجح العديد من الخيارات. المشكلة مع واشنطن لا تظهر في السياسة السورية برمتها، بل في الفصل الكردي.

مقترحات الحل المقدمة من إيران وتركيا متعارضة تماماً. وتعتقد طهران أن قضية شرق الفرات لن تحل بعمليات عسكرية أحادية الجانب، بل فقط بتطبيع العلاقة بين دمشق وأنقرة.

ومع ذلك، فإن التنسيق بين إيران وتركيا ضد حزب العمال الكردستاني يمكن أن ينقطع بشكل دوري. وبينما تواجه تركيا وإيران بعضهما البعض في سوريا والعراق، يتراجع التنسيق ضد حزب العمال الكردستاني، ويُنظر إلى استيلاء تركيا على السليمانية بعد أربيل على أنه تهديد واضح للنفوذ الإيراني في هذا الجانب من كردستان. وتفضل إيران أن يأتي الاتحاد الوطني الكردستاني إلى الواجهة باعتباره الطرف الكردي في المعادلة السياسية في بغداد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2183503

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع د.هدى رزق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2183503 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 29


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40