الأحد 13 شباط (فبراير) 2022

إدانة الأبارتهايد لا تكفي لهزيمة المشروع الكولونيالي الصهيوني

الأحد 13 شباط (فبراير) 2022 par لميس اندوني

حقق تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الذي دان إسرائيل بممارسة نظام الفصل العنصري في فلسطين خرقاً جديداً، لصالح حقوق الشعب الفلسطيني. وهو خرق لا يمكن الاستهانة به، بل يجب البناء عليه، لكنّ معركة الشعب الفلسطيني لا تختصر بكفاحهم ضد الأبارتهايد الإسرائيلي، بل تبقى نضالاً تحرّرياً ضد مشروع كولونيالي يستهدف هويتهم، بل وجودهم.

منذ بدء الفكرة الصهيونية، لم يكن ممكناً إطلاق المشروع الصهيوني من دون ارتكازه على العنصرية، ليس كقيمة فحسب، وإنما ممارسة منهجية، فأهم أركان المشروع كانت تتطلب تشريد الشعب الأصيل في فلسطين التاريخية واقتلاعه، والاستيلاء على أرضه وتاريخه وتراثه وتدمير ذاكرته، وذلك لا يتحقّق بالقوة العسكرية وحدها، وإنما بإرساء نظم وقوانين ونظام كامل للتفرقة العنصرية والفصل العنصري لبناء ثقافة مجتمع استعماري الهوية، وتبرير المجازر وجرائم إبادة الهوية والسكان، فالعنصرية وسلب “الضحية” من إنسانيتها لا يمكن تحقيقهما من دون رؤية وممارسات عنصرية. وإنه في قرون سبقتنا ليس بكثير، عانت شعوبٌ من عمليات إبادة في سبيل نهب بلادهم وتأسيس نظم ودول على مئات ألوفٍ من الجثث. لكن في عصر القانون الدولي والمؤسسات الدولية، تتطلب الحداثة توفير غطاء “حضاري للجرائم”، وبالتالي، تستوجب إقامة هيكليات ونظم تلتحف بقوانين، ليست أكثر من انعكاس للعقلية نفسها التي استباحت دماء السكان الأصليين في أميركا وقارّات أخرى وعذاباتهم، من دون غطاء مؤسّسي أو قوننة للعنصرية.

في عصرنا الحديث، اضطر المستوطنون الأوروبيون البيض إلى تأسيس نظام فصل عنصري متكامل في جنوب أفريقيا، بالاتكاء على ادّعاءات “تمثيل ثقافة حضارة متفوّقة”، وعلى كذبة “ثقافة راقية” هي امتداد لـ“الأرستقراطية الأوروبية”، غطاءً لحمامات الدم ضد الأفارقة السود وحبسهم في “بانتوستانات”، عملَ مؤسسو إسرائيل على تقليد قوانينها وهيكليتها ونظام الأبارتهايد لتنفيذ المشروع الصهيوني الإحلالي وتكملته. ولذا، لم يكن تحالف إسرائيل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا إلا نتيجةً منطقيةً لتشابه المشروعين. وكذلك كان تحالف حزب المؤتمر الأفريقي مع منظمة التحرير الفلسطينية في أوج صعودها تحالفاً ضد الظلم والعنصرية في سبيل التحرّر والحرية. لكنّ الفرق بين المشروعين، وإنْ يتشابهان في نظام الفصل العنصري القبيح، في نقطتين مهمتين. الأولى، أنه بالرغم من تأييد أميركا لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بعد أفول تأثير قوة بريطانيا الاستعمارية، وانحدار قواها أمام حركات الاستقلال في آسيا وأفريقيا، إلّا أنّ التأييد الأميركي مختلف؛ إذ هناك التزام أميركي بالمشروع الصهيوني نفسه، مغلِّفة ذلك في ما تراه “واجباً أخلاقياً” في دعم إنشاء وطن لليهود في فلسطين في ادّعاء أخلاقي كاذب مكشوف، لأنّ السبب الحقيقي هو دور إسرائيلي الاستراتيجي في منطقة حسّاسة للمصالح الأميركية، وبخاصة لتداعيات إنشائها على تفكيك العالم العربي.

النقطة الأخرى: المشروع الصهيوني نفسه، فلا يمكن تحقيق أمن كيان إحلالي من دون استمرار التشريد والاقتلاع ومحاولة محو الذاكرة والقرى والمدن، فلم يكن مشروع العنصريين في أي يوم ليصل إلى طموحات المشروع الصهيوني، وإن تعدّدت التقاطعات والسمات، لأنه مشروعٌ يشترط إخضاع كل المنطقة إلى الرواية الصهيونية بالحق الصهيوني التاريخي في فلسطين، وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه وتاريخه، بل إنكار ومسح التاريخ الفلسطيني.

ولا تستهين هذه الفروق بالكفاح العظيم لشعب جنوب أفريقيا، بل يستنير الفلسطينيون به، ويستلهمون سطوراً وفصولاً من مسيرته، والحركة الفلسطينية الدولية لمقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، ما زالت تستلهم من أساليب ونجاح فرض مقاطعة دولية على نظام الأبارتهايد العنصري في جنوب أفريقيا، خصوصاً أنّها تُوجت بانتصار تاريخي اعترفت به كلّ الدول الكبرى التي وصمتها يوماً بالإرهاب، وساندت في قمع جنوب أفريقيا وشعبها. ونهبهما. لكنّها فروق مهمة لناحية تقييم الانتصارات، وكيفية البناء عليها، فلا شك أنّ اعتراف كلّ من منظمتي “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية، وهما أكبر مؤسسات لحقوق الإنسان في العالم، يمثل ضربةً قويةً لإسرائيل، أخلاقية وسياسية وحقوقية، ستُجبر إسرائيل على مضاعفة تحرّكها في العالم لمواجهة تداعياتها على الرأي العام العالمي. ولذا نرى شراسةً غير مسبوقة، بمحاولة دفع حكومات ومؤسسات غربية لتبني مفهومها لما يشكل عداءً للسامية، بل محاولة قوننة إجراءاتٍ عقابيةٍ لمن تثبت عليه التهمة التي تجري قولبتها، لتشمل كلّ انتقاد لإسرائيل، بما فيها وصفها بأنّها نظام فصل عنصري.

تخشى إسرائيل هذا الوصف، مع أنّه ينطبق سياسياً وقانونياً، كما جاء في تقارير دولية سبقت تقرير منظمة العفو الدولية، ليس لأنّ ذلك يعرّض جرائمها لمحاسبة قانونية في محاكم دولية، ويقلل من قدرتها على ترويج دعايتها الكاذبة، لكن أيضاً لأنّ هذه الصفة تضرب في مصداقية روايتها التاريخية التي أنشأت المشروع الصهيوني عليها، وهذا يقضي على محاولاتها منع الفلسطينيين من رواية تاريخهم، فالخوف الأكبر هو فتح باب البحث في النكبة أو الخطيئة الأصلية، وهذا ما يحدُث عالمياً، وبشكل متسارِعٍ، وكلّ إدانة لإسرائيل ونظامها، وليس فقط إجراءاتها، هو هزيمةٌ للرواية الصهيونية وانتصار للرواية الفلسطينية.

لكنّ الطريق طويل؛ فالمسألة لا ولن تقتصر على كشف نظام الأبارتهايد وإدانته، فمنظمات حقوق الإنسان الدولية، على أهميتها، وإن قطعت شوطاً كبيراً في موقفها من إسرائيل، فلن تتجاوز، وإلى أمد قد يكون أطول مما نتأمل، أكثر من ذلك. صحيحٌ أننا شهدنا قفزة لم تكن متخيّلة قبل سنوات، لكنّ نضال الشعب الفلسطيني هو نضال تحرّر وطني. وعليه؛ يجب أن يكون الاعتراف وإدانة الأبارتهايد مدخلين، وليسا نهاية.

حين انطلق النضال الفلسطيني مجدّدا بعد النكبة في 1948، حقق اعترافاً عالمياً بخطّه التحرري، بوصفه مكافحاً ضد مشروع استعماري، وليس فقط نظام فصل عنصري. واتفاقيات أوسلو وكذا اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية لم ولن تغير ذلك، لأنّ ذلك هو جوهر النضال وهو الواقع، ولا توجد تسمية بديلة لمشروع استيطاني استعماري، فهدم البيوت ومصادرة الأراضي ليسا نتيجة للفصل العنصري، بل إنّ الفصل العنصري والعنصرية هما أداة لمشروع استيطاني لم يتوقف، والنضال الفلسطيني، قبل سنوات النكبة وبعدها، انطلق ضد استعمار استيطاني مباشر، وما زالت إسرائيل تمارس، وبشكل يومي وأمام العالم استعماراً مباشراً، وليس مجرّد ممارسات عنصرية، ولا يمكن المواربة على ذلك، فالقضية الفلسطينية، وهي تعود إلى جذورها، تعني كشف الاستعمار الصهيوني ومواجهته، تعني تكريس كلّ حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتعني الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بممارسة كل أشكال المقاومة، وتعني أن نتذكّر أن لا نصر عالميا كان ممكنا من دون شجاعة شباب وتضحيات، كما شباب نابلس الثلاثة، أدهم مبروكة ومحمد الدخيل وأشرف مبسلط، أخيراً. وعليه؛ كشف الأبارتهايد الإسرائيلي وإدانته، على أهميته التاريخية، غير كافيين من دون اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة، ولن يشكّل لحظة قريبة من انتصار جنوب أفريقيا، لكنّ انتصار فلسطين لن يتحقق من دون اعتراف العالم بحقيقة الاستعمار الصهيوني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2184593

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع لميس اندوني   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184593 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40