وصل بنا الحال اليوم إلى ما هو أكثر من نقطة الحقيقة بقليل في فلسطين المحتلة ومع كل ما يمكن أن يقال عنه جردة الماضي، ليس فقط ماضي الثورة الفلسطينية المغدورة بمعرفة أصحابها، فالثورة الفلسطينية الأولى عام 36 تم غدرها بمعرفة الأعاريب جمعا وفردا، لكنّ الثورة الفلسطينية الثانية عام 65 غدرها أصحابها أو على الأقل باسم أصحابها جميعا ولا يقولنّ أحد أنا خارج ذلك، وباسم ماذا تم هذا الغدر العلني، باسم «سلام الشجعان»، نعم سلام الشجعان إياه الذي أودى بما تبقى من فلسطين المحتلة تحت أنياب جانتس ونتنياهو وليكود وما حولهما، بعد أن قطف كلينتون في غزة ثمرة الغاء ميثاق الشعب الفلسطيني بتدليعة «كادوك» والتصفيق والصفير والنط من حول منصته.
منذ عقد تام وهو عمر هذه الصحيفة والصراخ الدائم على صفحاتها هو التحذير من لحظة الحقيقة هذه، ومتابعة الانحرافات والمزالق اليومية التي قادت إلى هذا الموقف المصيري الذي تتعرض له القضية الوطنية الفلسطينة للمرة الأولى في تاريخها، والمعلوم أن شيئا من مخططات العدو حول مثلث أحلامه لم يكن مجهولا ولا مخفيا: في الضم والتهويد والطرد، بل كان معلوما حتى أن برامج تنفيذ ذلك سبقت ما يسمى بإعلان ترامب وصفقته، بل إن صفقة ترامب المعروفة باسم «صفقة العصر » نسخت عبر الفتى كوشنر ما كان يردده مجلس المستوطنات الصهيوني الذي أقامته «غوش أمونيم» في سبعينات القرن الماضي، ووضعت اسم ترامب أسفله.
كل المشهد بما فيه ما سمي بقانون« يهودية الدولة» وحتى أدق التفاصيل، الفارق الصغير الذي جرى إدخاله في مراحل تنفيذ ذلك، هو استبدال روابط القرى الخاصة بخطة مناحيم ميلسون حصان بيغن في الادارة المدنية الصهيونية في الثمانينات، بمنظمة التحرير الفلسطينية كاختراع قدمه الراحل« العظيم رابين » على حد وصف رئيس سلطة الحكم الذاتي للسكان، والذي طالما أتحف الجمهور الفلسطيني بفكاهياته« السمجة» ومسرحياته «التافهة» والتي قدمها للشعب الفلسطيني خلال ما تبقى من حكاية الخداع الصهيونية التي استفادت من قصة سلم الشجعان اياه، وصنعت تجسيداً حقيقياً لوعد شامير إبان مؤتمر مدريد عام 90، والذي قال سأفاوضهم مائة عام فقط على السقوف الدنيا التي أضعها أمامهم.
اليوم هناك محاولات تجميل وتدوير لصفقة ترامب تحت عنوان «الممكن»، والممكن هذا وفنه الذي أتقنه جماعة الصف الأول في المؤتمرات السلطوية، وعلى رأي خطيب كرنفال أريحا الأخير لمواجهة الضم(استخدم كلمة البرجوازية)، هو العودة لحياة عريقات في المفاوضات من جديد ولكن على أساس ما وصلت اليه الحال بتجسيد الضم، العدو يقول هو سيضم فقط بضعة تجمعات كبرى وليس كل المسنهدف، وبذا يحصل العودة لمسرحية جديدة قد يتم ادخالها هذه المرة تحت بساط مؤتمر دولي، ولكن على اساس ما وصل الحال اليه، بمعنى طار متشل وطارت المبادرة العربية كما طار من قبلها التقسيم وأغنية الرابع من حزيران، وستطير لاحقا حتى صفقة ترامب والعدو يجرجر هذه السلطة في مفاوضات أبدية.
الحل الوحيد أمام الشعب الفلسطيني هو شطب كل الصيغ القديمة للعمل واجتراح برنامج وطني حقيقي كفاحي بكل ما في كلمة الكفاح من معان بدءا بالكفاح المسلح الثوري المنظم والمتصاعد وصولا لحرب التحرير الشعبية، حتى المراجعات التي تقول بها بعض القوى لم يعد لها من قيمة ولا معنى، فهذه الصيغ التحاصصية التي رعتها دوما موازنات لن تنتج وطنا، هي أنتجت لشرائح معينة مالاً على حد وصف رئيس حكومة السلطة محمد اشتية، لكنها دوما كانت محكومة بالثورة الناقصة،الثورة التي تريد ان تعيش نصف يوم وتقاتل نصف يوم آخر، تترك شعبها تتناوله ضرورات صيغ العمل والحياة اليومية الاعتيادية وكأن لا وطن محتل هناك، وفي نفس الوقت تريد منه أن يقوم وينتفض وقتما تحتاج صيغ استثماراتها الأخرى منه ذلك.
لا مجال اليوم للوصول الى وطن حر الا عبر الثورة الكاملة، الثورة التي لا تحتاج الا للجنتين وطنيتين: لجنة لوجستيك تؤمن أكل يومي للشعب وطبابة، ولجنة تجييش وتحشييد للسلاح والمقاتلين، ولا توقُّف ولا وقوف حتى دحر آخر صهيوني وعميل عن أرض فلسطين، هذا هو الطريق....