لولا هبّة السيد أردوغان لحماية تركمان سوريا، لظللتُ جاهلاً وجود أقلية من التركمان في سوريا . علّمه الله ما لم يعلم . تركمان العراق كانوا دائماً أعلى صوتاً، منذ دولتي الخروف الأسود والخروف الأبيض . الآن الكل في الكل على مذبح الفوضى الخلاقة . وعلى مأدبة الخروفين الأبيض والأسود، يرتشف الأقوياء صهباء “بلاك آند وايت” مردّدين بيتي الخليع الرقاشي: “وناطحاني بكأسٍ . . نطاحَ صُلب الكباشِ . . فإن نَكَلْتُ فحِل . . لكم دمي ومُشاشي” . الدم والمشاش في كل مكان من دنيا العرب .
كنا نظن مسألة “أبي حصيرة” اليهودي في مصر حالة فردية عابرة، كورقة خريفية حملها النيل . وإذ بمسامير جحا تثقب الجدران في منازل عربية شتى . وإن كانت المقارنة غير لائقة، فللأقليات حقوق واحترام ولو كانت أسرة واحدة، ولكن المقصود هو ما وراء أكمة الضجة الكبرى .
القضية أبعد من التدخل في شؤون العرب الداخلية، إذ تلوح المسألة منطقية تماماً . والحجة الدامغة هي: لديكم أقليات غير عربية، وأنتم عاجزون عن حماية حقها في الحياة وما يستتبعه هذا الحق من قائمة طويلة من المطالب . إذاً، المجال مفتوح لذوي العلاقة خارج الحدود للتدخل، ما يعني أن العرب غير قادرين، فليقم القادرون بالواجب . والعرب لم يعلموا منذ أمد بعيد أن الدنيا تغيّرت . وأمثولة “لافونتين” الشهيرة “الذئب والحمل” خير دليل: “حجة الأقوى هي دائماً الأفضل” . وقد رأينا في العراق كيف أن بوش الثاني، تجشم مشاق عشرة آلاف كيلومتر ليمتّع العراقيين بالتحرير والديمقراطية . فالسيد أردوغان أولى وأحرى، نظراً إلى صلة الرحم مع التركمان، والجيرة التي يقول عنها المثل: “الله وصّى على سابع جار”، ما يفتح الآفاق أمام تركيا في ثمانية وعشرين بلداً: شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً .
الكيان الغاصب لديه قائمة طويلة عريضة من هذه الالتواءات “المنطقية” . لديه شبه جاليات يهودية متناثرة في البلاد العربية، من المغرب إلى اليمن . ولكنه لا ينسى حتى بني قريظة وبني القينقاع . وأنا أتشاءم من هذا الاسم، فكأنه يعني “أُلقينا في القاع” . لا قدّر الله . فهل يأتي السيد أردوغان للانتشال من القيعان؟ الحلّ في أن يجد لنا فقهاء اللغة تفسيراً لعلّة اشتقاق الضاد النشل والانتشال من جذر لغوي واحد .