الأحد 20 آذار (مارس) 2022

الزميلة مجلة «المعركة» : معركة الكرامة كتاب اللواءمحمود الناطور (أبو الطيب)

الأحد 20 آذار (مارس) 2022

تمهيد

يحتفل الشعب الفلسطيني في الحادي والعشرين من آذار عام 1968م بذكرى معركة الكرامة الخالدة،التي أولاها الرئيس الراحل والقائد الفذ المجاهد ياسر عرفات جل اهتمامه من أجل بعث التراث العسكري الفلسطيني، وتاريخ الثورة الفلسطينية التي قادتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” بقوات العاصفة...

فمنذ عام الانطلاقة 1965م والمجاهد أبو عمار كان لا يألو جهداً في العمل على إبراز شخصيتنا التاريخية وأصالة حركتنا الرائدة “فتح”، ماضيها وحاضرها ومستقبلها... لكتابة تاريخ الثورة الفلسطينية.. فرفع بذلك ركنا من أهم الأركان في بنيان تاريخ حركتنا “فتح” ومجدها العسكري “قوات العاصفة”... ليبقى شعبنا الفلسطيني وفياً لمبادئ الثورة الفلسطينية التي أطلقتها “فتح” الخالدة في عام 1965م ويبقى رجالها أوفياء لشعبنا الذي صانها... وللمجاهدين الذين استشهدوا في سبيلها من أجل أن تحيا فلسطين في دولتها المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
في هذا الإنجاز قمنا بدراسة وتجميع بعضاً مما كُتب عن معركة الكرامة ومقابلات وآراء ممن كان لهم شرف الاشتراك في هذه المعركة الخالدة... وعايش ظروفها... وحرصنا أن يشتمل هذا الإنجاز على مقالات وتصريحات حول معركة الكرامة وتعليقات بعض الكتّاب والصحف العربية والأجنبية...
وقد اشتمل هذا العمل على بعض الخرائط، وصوراً للشهداء، وصور لآثار معركة الكرامة.
إلا أن كل ما كُتب عن المعركة مجرد شهادات سواء ما كُتب عن ألسنه الذين شاهدوا المعركة أو مَن خاضوا غمارها... ولم يكن هدف هذه الشهادات إثبات الجانب الإحداثي العسكري، وسنحاول هنا استخلاص هذا الجانب من خلال التحليل والمقارنة ببعض الجانب الاحداثي العسكري. *
إن دراسة معارك التحرير وإعادة توثيقها فيها عِبر ودروس، ومعركة الكرامة واحدة من معارك عديدة خاضتها أمتنا العربية.
وما زالت أصداء معركة الكرامة الخالدة تؤكد أن تلاحم الأمة العربية ووحدتها هو الطريق للنصر، ولذلك فإنها تستحق منا وقفة اعتزاز وافتخار لكي نضعها بين أيدي أبنائنا الباحثين والدارسين والمهتمين، لأنها فتحت صفحة جديدة في الصمود والتصدي، وحققت نجاحاً باهراً في إنهاء أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر خاصة وأنها جاءت بعد نحو عشرة أشهر على عدوان الخامس من حزيران عام 1967م، وقد جاءت في وقت كانت فيه الأمة العربية بحاجة إلى بارقة أمل ترفع عنها غبار القنوط واليأس الذي اكتنف الشعور العام للأمة العربية بعد نكسة عام 1967م.
لقد كان يوم الحادي والعشرين من آذار 1968م يوم الكرامة يوماً مشهوداً في تاريخ المعارك التي خاضتها أمتنا العربية في اليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت، لذلك فإن الهدف من هذه الدراسة هو أن نضع أمام شبابنا الصاعد المتوثب إلى المجد نماذج فريدة من المعارك البطولية التي قادها أبطال أفذاذ عرفوا بمتانة العزم والتضحية لكي يستمدوا منها القوة لبناء مستقبلنا الذي نتطلع إليه في بناء دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
معركة الكرامة هي معركة الرجولة والتضحية التي خلّصت الأمة العربية من إرهاصات الهزيمة ونقلتها من جو النكسة إلى جو الانطلاق والأمل وأعادت سجل حطين واليرموك وشكّلت منعطفاً جديداً بانطلاقة جديدة نحو التحرير والعودة.
كانت معركة الكرامة امتداداً للمعارك الخالدة التي شهدتها بطاح فلسطين وسهولها في اجنادين وحطين ووهاد الأردن وسوريا في اليرموك ولاحقاً شهدتها بيروت الخالدة عام 1982م.
لقد كانت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العرب المعاصر استطاع الفدائيون الفلسطينيون مع إخوانهم في الجيش الأردني أن يثبتوا للعالم أن أمتنا العربية والإسلامية قادرة على إحراز النصر.
التقت تضحيات الشهداء في الكرامة ببطولات صلاح الدين الأيوبي في حطين عام583 هـ/1187م والظاهر بيبرس في عين جالوت عام 658هـ / 1260م وصولاً لتضحيات شهداء شعبنا على أرض فلسطين.
كان يوم الكرامة يوماً من أيام الله تجلّت فيه مواقف التضحية والفداء في أسمى معانيها وسجَّل أبطالنا هناك صفحات مشرقة من أمجاد التاريخ.
لقد كان الفدائي وأخوه الجندي الأردني في الكرامة هو ذلك المقاتل الشجاع والذي كان امتداداً لتاريخ فجر الإسلام، وإلى اليوم يمتلئ صدره بالإيمان وتزخر نفسه بالقيم السامية، إن فدائيي الكرامة هم أحفاد أولئك المقاتلين في اليرموك وحطين وعين جالوت الذين يتمنون الشهادة في سبيل الله ويطلبون في ساحات الوغى إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة في سبيل الله.
ومن السمات المميزة للمعارك سالفة الذكر:
1- تفوق العدو عدداً وعدة، واستهتاره بالقوة العربية وثقته بالنصر.
2- التضحية والصمود والقيادة الواعية تحدث انقلاباً لموازين القوى لصالح العرب.
3- كل نصر في المعارك الآنفة الذكر كان يشكل بداية لمرحلة جديدة.
وإذ قلنا بنظرية تماثل أحداث التاريخ فإن ما حدث في اليرموك وحطين وعين جالوت وغيرها تكرر مرة أخرى في معركة الكرامة فقد صمد المقاتون صمود أشبه بالمعجزة.. وسطرت “فتح” بقواتها “العاصفة”، ومع أشاوس الجيش الأردني في تلك المعركة ملحمة بطولية، وشرب العدو في المعركة كأس الهزيمة وظل خمس عشرة ساعة يتعرض لأقسى الهجمات وأعنفها، كانت ساعات أذلّت كبرياء العدو وغطرسته، فاندحر بقواته من حيث أتى.
حقاً كانت معركة الكرامة يوماً خالداً من أيام العرب صنعته البطولة والصمود ودماء الشهداء الأبطال... الشهداء الذين صمموا على النصر، دماء الشهداء أبو شريف... وربحي... ورؤوف... والفسفوري... وأبو أمية وغيرهم من الشهداء الذين نسجوا ملحمة الكرامة وقادة أحياء ما زالوا يسطرون الملاحم لإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إن معركة الكرامة بكل ما فيها من معاني التضحية والفداء، تظل بداية لمرحلة شاقة وطويلة قطعها شعبنا بقيادته التاريخية بكل جلد وصبر، وقدم شعبنا آلاف الشهداء منذ الانطلاقة وحتى يومنا هذا.
لقد شكلت معركة الكرامة بداية الانتصار ضد العدوان والظلم والغطرسة الصهيونية، وأعطت المثل الأكمل على أن إرادة المقاومة والقتال هي القادرة على الانجاز وتحقيق الأهداف ومهما كانت هذه القوة محدودة القدرة والامكانيات إلا أنها قادرة على تحقيق النصر، وهنا نلاحظ أنه منذ معركة الكرامة وحتى يومنا هذا.. لم يكن إلا الانتصار، والانتصار دائماً...
محمود الناطور
أبو الطيب

* أثناء إعدادنا لهذا الكتاب واجهتنا مشكلة تثبيت أرقام الخسائر وأعداد الشهداء والقتلى لكل الأطراف، وتناقضت هذه الأرقام واختلفت بين رواية وأخرى، ولم يكن من الممكن التثبت منها، لأن كل طرف له أهداف خاصة من تقديم أو توثيق الأرقام الصحيحة، وخاصة العدو الذي لا يعترف بخسائره بشكل صحيح، حتى لا تترك آثاراً سلبية على جمهوره أو رفعاً لمعنويات مقاتلينا . ولذلك نترك الأرقام دون تدخل، ونترك للقارىء التقدير الصحيح حتى لا ندخل في التناقض المقصود أو غير المقصود.

المؤلف : اللواء/ محمود الناطور (ابو الطيب)
إهـداء الى الحاجة أم يوسف يشرفني أن أهدي كتاب الكرامة إلى المرأة الفلسطينية في الوطن والشتات، نظراً لما قدمته من تضحيات في سبيل فلسطين، فمن حقها علينا أن نعترف بكل ما بذلته من جهد وعطاء لا حدود لهما في دعم قضية الشعب الفلسطيني، فهي الأم المناضلة التي قدمت الشهداء، وأسهمت في العمل الاجتماعي والسياسي. ولا بد لنا في هذا المقام من الإشارة إلى بعض النساء اللواتي لعبن دوراً بارزاً في دعم الثورة الفلسطينية، وأول ما يتبادر إلى ذهننا في هذا المجال المرحومة نعمة محمد شحادة (أم يوسف) التي عرفت باسم أم الفدائيين*، والتي يعرفها كل من عاش بالكرامة وخاض معركتها، وكانت أم يوسف تعتبر نفسها اُمّاً لجميع الفدائيين، وقد حولت منزلها في الكرامة إلى عيادة لإسعاف الجرحى والمصابين. الأم.. الجدة من الذاكرة الفلسطينية إلى الرمز النضالي أي مخزون من هذا العطاء والحب تحمله الأم الفلسطينية، تنتظر عودة ولدها حياً.. أم جثماناً.. تزغرد في الشهادة والعرس معاً.. وتمزج بين الألم والفرح.. وتفاخر ليس بالممتلكات أو الانجازات.. بل بالشهادة التي تميزها عن النساء الأخريات.. أية أم هذه .. أية أخت.. زوجة أم جدة.. وهي تملأ جدران البيت بصور الحبيب الغائب أو الشهيد أو الأسير مَن الذي يستطيع أن يترجم لنا هذا الكم الهائل من العاطفة المخزونة تحت جفون أمهاتنا.. وأخواتنا.. وبناتنا.. وجداتنا.. هذا الحزن الذي حوّل جفونهن إلى لون من ألوان الغضب.. كل هذا فداك يا أرض المقدسات.. يا أرض الرباط.. يا أرض القدس.. يا أرض الإسراء والمعراج.. يا أرض المسيح.. يا أرض الله.. يا أرض الشهداء.. أية أم في هذا الكون.. غير الأم الفلسطينية.. التي توزع الحلوى رغم هذا الدفق الهائل من الحزن.. في يوم استشهاد ولدها... أية أم في “أرض الله” تزغرد في عرس الاستشهاد إلا الأم والأخت والجدة الفلسطينية.. أي بيت من بيوت هذه الأمة يستقبل المباركين إلا بيت الشهيد... لك الله.. لك المجد.. لك كل أكاليل الغار.. يا أم كل الشهداء.. يا أمنا.. يا أم فلسطين.. لك الله أيتها الجدة والأم والأخت والابنة.. عندما يأتي العيد وأنت على مقبرة الشهداء.. تنظفي محيط القبر.. وترشي المياه وتتحسسي جوانبه كأنه جزء من جسد الشهيد. إن دور المرأة الفلسطينية في الحياة اليومية بكل أبعادها هي مثالية الانتماء والولاء.. والحب والجهد في البيت وفي الحقل، وهي التي ارتقت بحياتها وطموحها إلى جانب كل ذلك لتصبح المهندسة.. والطبيبة والممرضة.. والعاملة.. والمزارعة.. والمقاتلة.. وكل المهن التي كان رجل الشرق يحتكرها.. ويقول جان جنييه الأديب الفرنسي الكبير.. “في كل ثورة، المرأة هي دائماً العنصر الأكثر جذرية، وفي الثورة الفلسطينية يبدو ذلك في غاية الوضوح”.. “إن المرأة أكثر ارتباطا بكل ما هو حسي وملموس، وهي تجد في عدم التوازن الذي لق الثورة، توازنا وجودياً أعمق، لهذا أقول إنها أكثر ثورية من الرجل”.. أما الكاتب الإسرائيلي غروسمان في تحقيق صحفي عن المرأة الفلسطينية... قال “هنا يمكن أن تسمع أقسى الكلام من النساء.. فالرجال يخافون أكثر من الاعتقال والمضايقة.. النساء تسير في مقدمة المظاهرات... وهن اللواتي يصرخن وينفثن غضبهن أمام كاميرات التلفزيون.. نساء خمروايات ذوات ملامح جادة جبلن بالألم والمعاناة(1). وتعد المرأة الفلسطينية من اوائل النساء اللاتي شكلن جمعيات نسائية على الصعيد العربي، وكان لها نشاط بارز ضد الانتداب البريطاني ففي عام 1929م تجلى في كتابة المذكرات وإعداد العرائض ونشر الاعلانات الاحتجاجية في الصحف التي حملت توقيعهن وفي تنظيم المظاهرات فضلاً عن ذلك عقد أول مؤتمر نسائي في 26/10/1929م في القدس واشتركت فيه أكثر من ثلاثمائة سيدة فلسطينية من بينهن متيل مغنم وطرب عبد الهادي(1). وفي عام 1935م أسهمت المرأة الفلسطينية في القتال وفي جمع السلاح ونقله إلى الثوار، وقامت بجمع التبرعات وتوزيعها على عائلات المجاهدين، كما سعت إلى توفير المؤن، والماء، والملابس للثوار في مختلف المناطق*. وعقب قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 شاركت المرأة في مؤسساتها وأجهزتها وتمثلت في المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الأولى، وفي جميع دوراته المتتالية، وضم المجلس المركزي ممثلة عن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. وشهد وضع المرأة تحولاً سياسياً بعد عام 1965م، والتحقت في التنظيمات الفلسطينية، واعتبرت دعامة أساسية لها وأسهم عملها السياسي في إحداث نقلة نوعية في حياة المرأة الفلسطينية التي خرجت من دائرة الجمود إلى دائرة العمل الاجتماعي والسياسي والعسكري، وقد دخلت المرأة المعتقلات وعذبت، وتعرضت لشتى أساليب العذاب وإرتقت شهيدة. ونجحت المرأة في ذلك مستفيدة من تجربتها الرائدة المتراكمة، رغم الثمن الباهظ الذي دفعته ومازالت كونها كانت أثناء قيامها بدورها الوطني مسؤولة عن واجب آخر... البيت وتربية الأولاد وخدمة الزوج. ابدعت في الصفاء لفلسطين الأرض حينما رشحت حبات عرقها على التراب الطاهر وهي تفلح الأرض مع الرجل، وفي كثير من الأحيان لوحدها عندما كان يتعرض زوجها أو ابنها للاستشهاد أو الاعتقال، حيث لم تدع الأرض تبور أو يجف ترابها،كما أنها أبدعت في عطائها للرجل الفلسطيني عندما كان لا يجد المال الكافي ليحقق حلمه في شراء البندقية للدفاع عن أرضه وعرضه وسرعان ما يجد المرأة وهي تقدم مجوهراتها وحليها مقابل الحصول على البندقية، وذهبت في نضالها إلى أبعد من ذلك حينما كانت تحمل البندقية وتواجه عمليات الاستيلاء على الأراضي أو تخريبها من قبل المستوطنين الصهاينة منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين. وعلى الرغم مما حلَّ بقضية فلسطين، ورغم اتساع حلقة التآمر على شعبنا، فقد ازدادت إصراراً على مواصلة نضالها فبعد عام 1967م انخرطت فعلياً في العمل المسلح، وشاركت في المجموعات الفدائية البطولية، وساعدت في نقل الأسلحة والمتفجرات وتخزينها ونفذت العديد من العمليات النوعية ضد مواقع العدو الصهيوني، وبرزت الفدائية الفلسطينية: فاطمة برناوي دلال المغربي أول أسيرة من حركة”فتح“.* أول شهيدة من حركة”فتح"** وهناك الكثيرات من المناضلات اللاتي صنعن بصمودهن خلف قضبان الاعتقال أروع صور البطولة والفداء. وهنا نتقدم بالتحية والعرفان والتقدير الممزوج بالفخر والاعتزاز لكل شهيدات شعبنا اللاتي سطّرن بدمائهن أروع ملاحم الفداء لهذا الوطن. وإذا كنا لم نتمكن من ذكر كل الأسماء فإننا لن ننسى ذكراهن في تاريخ نضال شعبنا الطويل والمستمر، فليتمجد هذا الدم وإلى الأبد. وفي الوقت نفسه نقف تقديراً واعتزازاً وتحية إلى أخواتنا المناضلات في سجون الاحتلال واللائي قدمنَّ أعظم عطاء فداء لهذا الوطن. وتتميز المرأة الفلسطينية عن غيرها في العالم العربي بدورها النضالي فهي الجدة والأم والأخت والابنة التي تنتظر هذا الفدائي أن يعود إليها منتصراً وهي التي ترعى بيته وأولاده، وهي التي تسهم في نقل السلاح من قاعدة إلى أخرى، وهي التي تدفع مهرها، ذهبها، جواهرها ليشتري قطعة سلاح عندما كان يعز ألسلاح. وهي التي انخرطت في التدريب العسكري والطبي والتوجيهي والإعلامي في صفوف الثورة الفلسطينية جنباً إلى جنب مع الرجل؛ ولهذا برزت أسماء فدائيات مناضلات فلسطينيات، وما زالت هذه الأسماء تقرع آذاننا تذكرنا بدور المرأة المجيد. والمرأة الفلسطينية التي تميزت عن المرأة العربية بهذا الكم الهائل من المعاناة والحزن والقهر الناجم عن ضياع الوطن والتهجير والتشرد، إضافة إلى مراعاة القوانين الاجتماعية المجحفة، أثبتت عمق وعيها من خلال ارتباطها الوثيق بقضيتها الوطنية، ومارست بنفسها كافة أشكال النضال التي مارسها رجال الثورة، واسهمت في عضوية كافة اللجان الشعبية والوطنية. وفي سنين الاحتلال أصبحت المرأة عاملاً منتجاً، وخاصة بعد مضاعفة الأزمة الاقتصادية، وزيادة الغلاء، وقلة فرص العمل والاضطهاد السياسي والعسكري للشباب الذين دفعهم ذلك إلى الهجرة خوفاً من الاعتقال أو السجن أو البطالة وقلة العمل، مما اضطر المرأة لتحل مكان الرجل في العمل في قطاعات مختلفة.ونظراً لاندماج المرأة في العمل الوطني، واجهت أشكال التعسف والاعتقال والاضطهاد من قبل سلطات الاحتلال، وحتى عام 1981م كان مجموع مَن دخل المعتقلات من النساء ثلاثة آلاف امرأة.

وشاركت المرأة في الاعتصامات، ورفع المذكرات، وإرسال البرقيات الاجتماعية، والمشاركة في الإضرابات والمظاهرات بالإضافة إلى بعض الأعمال العسكرية.وسعت إلى تشكيل اللجان الاجتماعية والسياسية، ففي عام 1978م تشكل “اتحاد ولجان العمل النسائي في المناطق المحتلة” وفي عام 1981م تأسس “اتحاد ولجان المرأة العاملة الفلسطينية” و “اتحاد لجان المرأة الفلسطينية” و “اتحاد لجان المرأة الشعبية”. وفي يونيو/حزيران 1982م تم الإعلان عن تشكيل “اتحاد ولجان المرأة للعمل الاجتماعي” واتسعت القاعدة الاجتماعية لهذه التنظيمات الأربعة حتى غدت تضم زهاء ثمانية آلاف امرأة، بينما لم تكن عضوية المؤسسات الخيرية تتعدى المائتين وعشرين عضواً فقط(1). من ناحية أخرى، لم يقتصر خروج المرأة والمشاركة في الثورة على فئة أو سن دون غيره، بل شمل الطبيبات والعاملات والطالبات والفلاحات والأكاديميات وربات البيوت اللائي انخرطن بروح موحدة في الثورة ونظمت الكثير من الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات. واستمرت المرأة الفلسطينية بعزيمتها القوية تتابع مسيرتها النضالية عبر جميع اشكال العمل الوطني وهي تدق أبواب الحرية والاستقلال وتمارس دورها في كل موقع، فقد ناضلت كأم تربي أطفالها على التحدي والنضال واخترقت بقوة إرادتها معظم الأطر الطلابية والنسائية لتمثل فلسطين في اتحاد المرأة الفلسطينية على صعيد الخارج وشاركت في النشاط السياسي والعمل الجماهيري الوطني داخل فلسطين المحتلة وخارجها، واستطاعت المناضلات الفلسطينيات تكوين الأطر النسائية في جميع المواقع حتى أصبح دور هذه الأطر يشغل حيزاً كبيراً من احتياجات جماهير شعبنا الفلسطيني في المخيم والقرية والمدينة، وبرز اتحاد المرأة للعمل الاجتماعي وشارك عبر تفاعله وعطائه اليومي في إيجاد البنية التحتية للانتفاضة الباسلة(1). لا يمكنني تعداد الأعمال التي تقوم بها المرأة الفلسطينية في خضم هذا النضال، ولا يمكن إلا أن نعطي لها حقها الكامل المرئي واللامرئي، ولهذا لم أجد أحق من المرأة الفلسطينية الجدة والأم والأخت والابنة لأهديها هذا الكتاب. لقد أشرق تاريخ يوم الكرامة 21/3/1968م بنفس تاريخ يوم الأم، وهل هناك أعظم في دنيانا من الأم.. الروح.. والدم.. والشوق.. والدمعة.. والقلب. والصوت.. الأم. والحياة.. وكل الأيام بيوم الكرامة... وهي روح الكرامة. موجز الانطلاقة الأولى لحركة “فتح: 1/1/1968 توالت الاجتماعات لقيادة”حركة فتح“وتركزت على تاريخ الإعلان عن الانطلاقة العسكرية للخروج من حالة اللاسلم واللاحرب العربية، وتم دراسة كافة المواقع الحساسة التي يمكن استهدافها، وتم استنفار كافة المجموعات في دول الطوق الأولى باستثناء مصر وكانت اللحظة التي أرخت للانطلاقة المعاصرة للثورة الفلسطينية المسلحة فجر 1/1/1965م بعد عملية نسف أنبوب المياه القطري في بلدة عيلبون داخل فلسطين المحتلة عام (1948م)(2)، حيث قاد محمد شرف الدورية الفدائية الأولى لقوات العاصفة التي انطلقت من الأراضي السورية من الزاوية الجنوبية الغربية للجولان عند مثلث الحدود الفلسطينية السورية الأردنية، واستشهد من أعضاء المجموعة الثانية لدى محاولتها عبور نهر الأردن نحو فلسطين الشهيد المزارع أحمد إبراهيم موسى الدلكي(1) ولعل هذه العملية تشير الى بداية انطلاقة حركة فتح وجناحها العسكري الذي حمل اسم قوات العاصفة”عملية عيلبون“. عملية عيلبون اختيار الهدف بعد قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية عام 15/5/1948م بدأت حكومة إسرائيل بالتخطيط لسرقة المياه العربية عبر عدة مشاريع كان أحدها مشروع تحويل مجرى نهر الأردن، ففي بداية أعوام الستينيات باشرت اسرائيل بجر مياه نهر الأردن نحو خزان مياه طبريا ولكي تصل المياه إلى أراضي صحراء النقب جنوبي بئر السبع عبر ما أسمته بمشروع المياه القطري، وأمام هذا الاعتداء على حقوق شعوب المنطقة العربية المحيطة لمنبع ومجرى نهر الأردن اكتفت الدول العربية آنذاك بالشجب والاستنكار الإعلامي فهذا المشروع والتنديد بأفكار التوسع الاستيطاني الصهيوني على حساب الأرض العربية. وقد أثار هذا الوضع الإخوة المناضلين حينما قرروا أن يكون عام 1965م بداية انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ،وتم الاتفاق بين الاخوة قيادة الحركة، وكان على رأسهم الأخ المجاهد ياسر عرفات، أن تكون شرارة الانطلاقة متوهجة من لهيب عمل نضالي يضرب باكورة مشاريع الاستيطان الصهيوني ويصيب بالخسارة المادية اقتصاده ويبتعد عن أي إصابة للخسائر البشرية موضحاً أن تكون أولى رسائله الجهادية بداية طريق العمل النضالي لاستعادة فلسطين، فقد وقع الاختيار على مشروع تحويل مجرى نهر الأردن بضرب أحد فروعه الحيوية المقام على بحيرة طبريا والذي يبدأ بضخ المياه عبر قناة مائية مكشوفة من شمال غربي البحيرة وحتى قرية عيلبون وسط الجليل وتصب القناة في بحيرة صناعية تحت اسم الصلمون وعبر محطة الضخ الناتج عنها مشروع توليد كهرباء تتصل القناة بالأنابيب المدفونة تحت الأرض لجرها لمحطة التوزيع في العوجا اليركون. وأخذت القيادة بالحسبان أهمية الإعداد والتخطيط لتنفيذ هذه العملية التي تتطلب توفير الخبرات في التقنية الفنية العالية وتحتاج إلى مسح دقيق من الجانب الهندسي وكان هذا الرأي نابعاً من الخلفية العلمية للمجاهد ياسر عرفات بوصفه مهندساً مدنياً وقد اقنع هذا الرأي بقية الإخوة في القيادة العسكرية. فتم الإيعاز للخلايا السرية العاملة داخل الأرض المحتلة والقريبة من محيط منطقة الهدف بتأمين كافة المعلومات الجغرافية والطبيعية والعسكرية حول قرية عيلبون وما نوعية التكنولوجيا العالية التي تستخدمها إسرائيل في تشغيل محطة التوليد الكهربائي المستفادة من تدفق المياه عبر بحيرة الصلمون والتي تشغل توربينات المحطة وتدفع المياه باتجاه النفق. اختيار مجموعة التنفيذ بعدما وردت التقارير الاستطلاعية من الأرض المحتلة موضحا فيها بدقة كل تفاصيل المنطقة المحيطة بالهدف من بداية سير نفق المياه في الشمال الغربي لبحيرة طبريا مرورا بالقرب من مغارة الاميرة ثم ياقوق ويتعرج بالنزول حتى كلانيت ليصب في بحيرة الصلمون الصناعية وفي نهاية البحيرة العميقة يوجد سد مغلق يمر منه فتحات لتشغيل توربينات محطة توليد الكهرباء والتي بدورها تدير مضخات الدفع لتمرير المياه عبر الأقنية بعد قرية عيلبون من تحت سطح الأرض. وبيّنت الرسوم والكروكات المرفقة مع التقرير أماكن تواجد المعسكرات وبرنامج عمل دوريات الحراسة موضحة التوقيت والفترات الزمنية بحساب دقيق الذي يفصل بين كل دورية وخط سيرها. ومراعاة لكل هذه الظروف، دأب المجاهد ياسر عرفات على دراسة خطة محكمة بأسلوب هندسي يهتم بأدق التفاصيل ليحقق النجاح التام للعملية مع ضمانة وصول المجموعة وعودتها سالمة، واهتم،كذلك بأن يعطي الانطباع للعالم أجمع أن المقاومة الفلسطينية الوليدة بإمكانها أن توقع الخسائر المادية القائمة في كل منشأة وموقع تصل يد المقاومة له وحتى لا يتمكن العدو من تطوير مشاريعه الاستيطانية. قبل نهاية ايام عام 1964م كان قد تم اختيار أربعة مجاهدين أشداء من ذوي الاختصاص والتدريب الجيد للقيام بتنفيذ المهمة، و تم تأمين الدليل المتمكن من معرفته لطبيعة الأرض المحتلة في المنطقة ما بين طبريا ومدينة صفد حتى الحدود مع شمال الضفة الغربية. خطة سير العملية: أ‌- وصول مجموعة المجاهدين الأربعة إلى خربة ناصر الدين بالزي المدني وكان بانتظارهم العنصر الخامس وهو الدليل الذي كان متخفيا على شكل راعي مع بعض من أغنامه. ب‌- الوصول بالقرب من كفر حطين مكان وجود النقطة الميتة المدفون تحتها الألبسة الخاصة بالعملية وحقيبة المتفجرات والأسلحة وهي عبارة عن بندقيتين سينوبال ورشاشتين كارول وحقيبة قنابل يدوية ومجموعة مخازن ذخيرة. ت‌- الوصول إلى منطقة المجدال القريبة من شاطىء بحيرة طبريا وبعد التفتيش بين أشجار الشاطىء عن مكان مناسب للاستراحة والمبيت وبعد ترتيب الحراسة أمضى المجاهدون ساعات الليل الأولى على دراسة الخطة وتوزيع المهام ليعود الدليل مع اغنامه لمسح الآثار وتواعدو معه على أن يلتقي مع المجموعة وهم في طريق عودتهم عند قرية الشجرة. بداية تنفيذ العملية 1- تحركت المجموعة عبر الوادي المؤدي إلى عين رافيد، وتحت ثيابهم البدوية أخفوا الأسلحة والمتفجرات ومن بين شجيرات الوادي الكثيفة وصلوا إلى موقع العين ونصبوا كمينهم الأول تحضيراً للانتقال إلى الموقع. 2- وعند حلول الظلام تم توزيع المهام فيما بينهم وأرسلوا أحد العناصر للاستطلاع ومراقبة الحراسة القائمة على موقع الهدف، وباشروا بتحضير المتفجرات والتأكد من سلامتها ومراجعة خطة التنفيذ بانتظار انقضاء منتصف الليل لحين عودة الراصد الذي أكد لهم أن الخطة المرسومة تسير على ما يرام وحدد لهم مواقع الحراسة القابعة في أماكنها لأن الليل كان بارداً جداً وأصبح الهدوء يسود المنطقة بعد نهاية الاحتفالات بقدوم العام الجديد. 3- وصول عناصر التنفيذ إلى موقع الهدف، واتخاذ المجموعة كمينها، واستحكام كل مجاهد حسب موقعه في خطة الهجوم، وقبل آذان الفجر كان مهندس المجموعة قد أتم زرع المتفجرات عند جدار النفق وبين المضخات وتوربينات الطاقة الكهربائية وقد حدد توقيت التفجير لينطلق بعد 45 دقيقة لكي تتمكن المجموعة من الانسحاب إلى المرتفعات شمال منطقة الهدف لمراقبة نجاح التفجيرات. 4- وصول كامل عناصر المجموعة، وبعد 10 دقائق دوى صوت الانفجارات عالياً وشاهدوا أنوار النيران المشتعلة بالمحطة، ويبدو أن الحراس قد أصابهم الفزع لمدة 20 دقيقة حينما بدأ صوت منبهات الإنذار يعلو وكان هذا مبشراً على نجاح العملية، وتمكنت المجموعة من التسلل عبر الوديان وخلف المرتفات من شمال دير حنا وأتموا مسيرهم حتى وادي عربة ومن خلف جبل البطوف تفرقوا للوصول بأمان مستغلين قلة حركة السير على الطرقات باعتباره اليوم الأول من السنة الجديدة. 5- نقطة الوصول عند موقع قرية الشجرة ليجدوا الدليل بانتظارهم وكان قد استطلع ما حدث ليلة التفجيرات وأخبرهم أن دوريات الجيش الإسرائيلي قد انطلقت من معسكر زيتيم باتجاه عيلبون، وبأن المروحيات العسكرية حلقت من معسكر يفائيل، فقررت المجموعة أن تتحرك بسرعة للوصول إلى قرية زبوبا شمال مدينة جنين وعند حلول الظلام وعند أول الشريط الفاصل بين الضفة وحدود الـ48 غادرهم الدليل لإخفاء الثياب والأسلحة وتفرقت المجموعة للعودة إلى قواعدها بشكل فردي، حيث أنهم لاحظوا أن الدوريات الأردنية شمال جنين قد ازدادت حركتها وتمكن ثلاثة مجاهدين من الوصول إلى قواعدهم سالمين باستثناء المجاهد أحمد الدلكي الذي علم لاحقاً بأنه استشهد. خسائر العدو حسب ما جاء على صفحات الجرائد العبرية بعد يوم من وقوع العملية في عيلبون ذكر الناطق الرسمي بوزارة الدفاع الاسرائيلية أن الانفجار قد عطل المحطة ودمر مجموعة الطاقة الكهربائية وأحدث التفجير فتحة كبيرة في جدار سد بحيرة الصلمون، وقد تبين بعد مدة أن تصليح الأضرار بالمحطة استغرق ثلاثة شهور. وكان رد فعل رئاسة الأركان الإسرائيلية كما ورد على لسان اللجنة العسكرية المكلفة بالتحقيق في عملية عيلبون أن رجال فتح قد نفذوا العملية بتقنية عالية وخبرة لا يُستهان بها وعليهم أن يأخذوا العبرة من تقدم أسلوب عمل رجال المقاومة وقد انتهت العملية صباح يوم كانون ثاني 1965. وفيما يلي أسماء الذين اشتركوا في عملية نفق عملية عيلبون مع الشهيد أحمد موسى: 1- محمد عبد الله إبراهيم الدلكي (أبو يحيى) 2- حسن حميدي حسين السهو 3- الشهيد حسين نمور. 4- وحش إبراهيم الحمد خارطة (عملية عيلبون ) انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني”فتح“وفي حينها وقبل أيام قليلة من انطلاقة العمل العسكري لقوات العاصفة أشرف المجاهد ياسر عرفات على توزيع المجموعات الفدائية على دول الطوق (سوريا ــ لبنان – الأردن) تطبيقاً لمقولة”ينبغي ألا نضع البيض كله في سلة واحدة“، وترأس الشهيد محمد يوسف النجار القيادة العامة لقوات العاصفة لفترة مؤقتة ليقيم في لبنان قبل أن يتسلمها المجاهد ياسر عرفات(1). وفي هذه الأثناء تلا صدور البيان العسكري الأول لقوات العاصفة، صدور البيان السياسي الأول لحركة فتح في 28/1/1965م، وقبل ذلك كانت حركة”فتح“تعلن عن نفسها عبر المذكرات التي كات ترفعها للملوك والرؤساء العرب في مؤتمرات القمة. وفي هذا السياق، وأمام تسارع الخطى في نمو وتطور ظاهرة العمل الفلسطيني المستقل، وتعاظم خيارات العمل المسلح لم يعد ممكناً أمام التجمعات والكتل الحزبية الفلسطينية المنضوية في إطار الأحزاب القومية العربية أو المستقلة نسبياً عنها، سوى أن تبادر نحو تبني خيارات العمل الفلسطيني المقاوم الذي شقت دروبه حركة”فتح“وجناحها العسكري”قوات العاصفة“(1). من جانب آخر وبحكم التداخل الكبير والمساحة المشتركة الواسعة التي تتحكم بالعلاقات والمصير المشترك، وبحكم موقع سوريا”الجغرافي والسياسي “من القضية الفلسطينية، وفي سياق صراع الكتل العربية وحالة التنافس الحاد (البعثي ــ الناصري) آنذاك، فقد لعبت الساحة السورية دوراً رئيساً في تهيئة ميدان العمل لانطلاقة الرصاصات الأولى لقوات العاصفة، حيث زار دمشق أول وفد رسمي من حركة فتح في 7/5/1963م الذي ضم سبعة أعضاء، حيث استقبلهم وزير الدفاع السوري في ذلك الوقت اللواء حمد عبيد، وأعطى في حينه توجيهاته بالموافقة على استخدام الأراضي السورية في الإعداد العسكري للعمل الفدائي الفلسطيني المسلح. وشهدت الفترة ذاتها تعاونا بين القيادة السورية وحركة فتح توصل اليه كل من اللواء احمد سويداني رئيس هيئة اركان الجيش العربي السوري و المجاهد ياسر عرفات، وبموجبه تم رفد حركة فتح بالكفاءات العسكرية ممثلة بمجموعة من الكادر العسكري على رأسهم قائد الحرس القومي والقائد للجيش الشعبي في سوريا اللواء محمد إبراهيم العلي (أبو ندى) وبالكفاءات العسكرية الفلسطينية المنضوية في إطار الكتيبة الخاصة التي حملت اسم الكتيبة 68 في الجيش العربي السوري التي التحق منها 30 كادراً في قوات العاصفة قبل وفور صدور بيانها الأول وفق الباحث يزيد صايغ، ومن الفلسطينيين المنضويين في إطار الكتيبة (20 حرس وطني) التي رابطت بعناصر على امتداد خط الجبهة بين سوريا ودولة الاحتلال من عرب الهيب والتلاوية وغيرهم، خصوصاً في المناطق المطلة على بحيرة طبريا من الجانب السوري كمناطق البطيحة والنقب وكفر حارب والتوافيق(1). جرى اعتقال المجاهد ياسر عرفات وخليل الوزير وآخرون في سوريا في إبريل 1966م على أثر مقتل يوسف عرابي ومحمد ابو حشيمة، إثر محاولة نسف خط نفط التابلاين المار في أراضي هضبة الجولان السورية، وأودع سجن المزه العسكري، كما اعتقل في صيف عام 1966م في لبنان على رأس مجموعة فدائية من قوات العاصفة بعد عودتها من عملية عسكرية شمال فلسطين وذلك بعد دخولها الأراضي اللبنانية من قبل جهاز الأمن العام عند بلدة كفر كلا اللبنانية المجاورة للحدود الفلسطينية، حيث دام الاعتقال 45 يوما، بعد أن احيلت المجموعة الفدائية إلى مخابرات المكتب الثاني اللبناني ووضع قيد التحقيق من قبل الملازم أول”فريد أبو مرعي"، ليطلق سراح المجاهد ياسر عرفات والمجموعة الفدائية نتيجة تدخلات كبيرة جرت من قبل العديد من البلدان العربية.(1) وتلى إطلاق سراح المجموعة، اعتقال عضوين من مجموعتين من قوات العاصفة لدى عودتهما إلى جنوب لبنان، من عمليتين فدائيتين شمال فلسطين المحتلة في منطقة الجليل، فخضع كل من الشهيد جلال كعوش من مخيم المية مية لعملية تعذيب قاسية، استشهد جراءها داخل أقبية مخابرات المكتب الثاني اللبناني في منطقة الليرزة، حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية(2) فكان شهيد فلسطين وقوات العاصفة الأول فوق الأرض اللبنانية بتاريخ 9/1/1966م، واستشهد بنفس الطريقة رفيقه عطا أحمد الدحابره من مخيم عين الحلوه بتاريخ 14/5/1967م، وأحمد الأطرش استشهد في الهامي بانفجار بتاريخ 28-2-1967م مع الشهيد منهل وجرح ابو علي اياد (3)، وبعد فترة قصيرة اغتيل في السياق ذاته الشهيد ابو علي المدني (أبو علي) أحد الكوادر البارزة في قوات العاصفة داخل منزل ذويه في مخيم اليرموك(1).

التحضير للانطلاقة الثانية لحركة فتح 28/8 – 31/12/1967م: عقد اجتماع لحركة فتح في دمشق في 12و13/6/1967م ضم العديد من قادتها، للبحث في جدوى استئناف الكفاح المسلح (2)، واتفق المجتمعون على وضع خطة عمل للمرحلة القادمة، تضمنت الآتي: 1 ـ الانتقال إلى المرحلة الثانية من العمل متمثلة بحرب التحرير الشعبية، واتخاذ الإجراءات المناسبة فكرياً وإعلامياً وعسكرياً لتحقيق هذا الأمر. 2 ـ توطيد الحركة على مستوى الشعب الفلسطيني. 3 ـ تحقيق البعد العربي القومي للشعب الفلسطيني وقضيته من خلال إيجاد جبهات دعم لحرب التحرير الشعبية، وحماية الحركة من أعدائها، والاتصال بالحركات والقوى الشعبية العربية، وإيجاد كوادر الأنصار، والعناية بالاتحادات والنقابات العربية، لمناصرة أهداف الحركة. 4 ـ إقناع الحكومات العربية بحياد “فتح”، والاتصال معها للحصول على الدعم المعنوي والمادي غير المشروط، والسعي لإنشاء معسكرات تدريب سرية فيها. 5 ـ الاتصال بالحكومات الصديقة والحركات المناهضة للاستعمار في العالم لضمان دعمها والاستفادة من تجاربها. 6 ـ الاتصال بالأفراد والتجمعات العالمية المناهضة للصهيونية لكسب تأييدها، وطلب العون المادي والمعنوي من الحكومات والشعوب الإسلامية، والعمل على كسب الصحفيين والمفكرين فيها. 7 ـ الاتصال بعناصر من جيش التحرير الفلسطيني ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية لإيجاد تعاون وثيق ضمن أفكار الحركة، والتنسيق مع المنظمات الفلسطينية المستقلة الإرادة وعدم استعداء المنظمات الأخرى. 8 ـ تهيئة الأرض المحتلة للعمل العسكري من خلال: تخزين الأسلحة، رصد تحركات العدو، الاتصال بالوطنيين وتوجيههم، تهديد المتعاونين مع العدو، التعرف على آراء الجماهير الفلسطينية في مسألة استئناف المقاومة المسلحة للاحتلال، استطلاع مواقف العراق وسوريا ومصر والجزائر ومدى الدعم الذي سيقدمونه من (مال، سلاح، تدريب، وسائل اتصال لاسلكي، إعلام)، إقناع الذين تركوا الضفة الغربية بالعودة إليها، وتهيئة أماكن للاختباء بعيدة عن السكان. وعلى ضوء ذلك كله، يحدد موعد مباشرة المقاومة المسلحة داخل الأرض المحتلة مع الأخذ بعين الاعتبار استمرار المقاومة من خلال السعي لـتأمين متطلباتها المالية والمادية. 9 ــ إمكانية تأمين إذاعة باسم الحركة لإثارة روح المقاومة في الأرض المحتلة ولتوجيه عناصر العمل العسكري فيها(1). وقد شرعت الحركة في اتخاذ عدة إجراءات عملية منها: ــ تفرغ محمد النجار وعبد الفتاح حمود وصلاح خلف للعمل الحركي. ــ البدء في جمع السلاح من مخلفات الجيوش العربية في سيناء والضفة الغربية والجولان. القيام بحملة جمع تبرعات من فلسطيني الشتات والبلدان النفطية، وكلف بذلك محمد النجار وكمال عدوان ومحمود عباس وخالد الحسن وسعيد المسحال. توجه المجاهد ياسر عرفات على رأس مجموعة من الكوادر إلى الأرض المحتلة لدراسة الوضع عن كثب واستطلاع آراء كوادر الحركة هناك بشأن استئناف العمل المسلح، وتأسيس خلايا سياسية وعسكرية، وإنشاء مخابئ للأسلحة وقواعد ارتكازية. ــ إقامة عدد من القواعد الفدائية على طول نهر الأردن وجنوب لبنان(1). اتصلت الحركة بمصر فأيدت ذلك بدون تحفظ كما اتصلت بليبيا وتمكنت من جمع تبرعات بلغت 30 ألف دينار ليبي، واتصلت بالسعودية وأبدى الملك فيصل تأييده، واتصلت بالرئيس نور الدين الأتاسي لكنه حذرهم من مغبة هذه الأعمال وطلب منهم مهلة لالتقاط الأنفاس(2). أما الموقف الأردني، فقد طالب كافة الدول العربية أن تتحمل المسؤولية إلى جانبه، وأن لا تقع التبعات التي تنجم عن العمل الفدائي على الأردن وحده، لأن قوته محدودة جداً بعد خروجه من حرب عام 1967م. وفي أوائل تموز 1967م احتشد 35 شخصاً من فتح في منزل خليل الوزير بدمشق لمناقشة ما توصل إليه المجاهد ياسر عرفات وبعض زملائه الذين عادوا من الضفة الغربية وقدموا تقاريرهم، ومرة أخرى عارضت أقلية بدء العمليات العسكرية خوفاً من انتقام إسرائيل من السكان، بينما اعتبرت الأغلبية أن تلك العمليات سترفع معنويات السكان وتشجعهم على الصمود(1) وفي خطوة استباقية من المجاهد ياسر عرفات، أعلنت العاصفة أنها نقلت مقرها إلى الأراضي المحتلة في 3/7/1967(2) . وقد خشيت فتح أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة حديثاً ضمن تسوية مع الدول العربية لا تكون فتح شريكاً فيها ويستثنى منها الفلسطينيون كطرف مستقل. وتم التمسك بخطى الإعداد لانطلاقة حرب التحرير الشعبية في الأراضي المحتلة(3). موعد الانطلاقة الثانية: اسهمت عدة عوامل بتعجيل اتخاذ قرار الانطلاقة الثانية ومنها: 1 ـ تصاعد المقاومة المدنية ضد الاحتلال في الأراضي المحتلة والاعتصامات والعرائض. 2 ــ تدفق أعضاء جدد على الحركة مما جعلها تستنتج أنها أكبر منظمة فدائية فلسطينية(4) وكانت الحركة قد أعلنت عن حاجتها إلى متطوعين فتقدم بذلك (18) ألفاً من القاهرة ومثلهم من العراق وبلدان أخرى، لكن قيود الأنظمة العربية منعت هذه الآلاف من التطوع سوى المتطوعين من لبنان الذين اشتركوا فعلياً في العمل المسلح(5). كما لم تكن الحركة قادرة على استيعاب هذه الآلاف. 3 ــ كانت الحركة قد أرسلت مئات من أعضائها للتدريب في الجزائر ومصر وسوريا والصين الشعبية أثناء حرب حزيران 1967م، وبدأت هذه المجموعات بالعودة منذ شهر تموز 1967م وقامت (فتح) بدفعها إلى الضفة الغربية لتشكيل خلايا مسلحة محلية بما أسمته “فتح” (التعشيش) وبتوفر هذه الإمكانات البشرية، استعجلت “فتح” الانطلاقة المسلحة واتفاقها مع حركة القوميين العرب على تأجيل القتال حتى نهاية عام 1967م.(1) 4 ــ لا يمكن تجميد المنظمات والمقاتلين عن العمل بعد الدرجة التي وصلتها من التدريب والتنظيم وحشد السلاح لأن ذلك سيعرضها لمخاطر أكبر. لا سيما وأن العدو بدأ يشعر بوجود بعض القواعد السرية لفتح في الداخل(2). 5 ــ كان أعضاء فتح في الداخل قد طالبوا أن تبدأ المقاومة في 20/8/1967م ولكن قيادة فتح في الخارج كانت ترى التأجيل ــ (ربما بسبب مفاوضاتها مع حركة القوميين العرب ومراعاة لمطلب سوريا بالتأجيل ولاستكمال الاستعدادات ) ــ وهو ما يفسر قيام أعضاء فتح في قطاع غزة بالمقاومة المسلحة قبل اتخاذ قرار بالانطلاقة بأكثر من عشرة أيام(3)، الذين نفذوا عمليتين قبل الانطلاقة الثانية، الأولى في 15/6/1967م،والثانية في15/7/1967(1). وقد طالبت الحركة أعضاءها بالانتظار لحين اتخاذ القرار، فاجتمعت القيادة في دمشق في20/8/1967م واستعرضت تقارير المجاهد ياسر عرفات وآخرين من الأراضي المحتلة، وحددت موعد الانطلاقة ليتزامن مع انعقاد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم(2) في 29/8/1967م، فكانت الانطلاقة في 28/7/1967(3). كل هذه الأسباب جعلت فتح تستعجل الانطلاقة، والواقع أن الحركة أدركت الأثر الذي يفعله العمل العسكري من رفع المعنويات ولذلك سارعت الحركة لكسب الجماهير المؤيدة للعمل العسكري، وفضّلت أن تعلن عن انطلاقة ثانية، في إجراء إعلامي دعائي. التنفيذ: دخل المجاهد ياسر عرفات الضفة الغربية في بداية تموز ــ يوليو 1967م خفية، ومعه بعض القادة العسكريين القدماء بأسماء سرية، وأقام في حي القصبة بنابلس، وكان يتنقل بين القرى بدراجة نارية ويشرف بنفسه على العمليات وعلى التدريب، وفي 1/9/1967م، وزعت القيادة العامة لقوات العاصفة منشوراً طالبت فيه السكان بتشكيل الخلايا ومقاومة الاحتلال، ودعتهم فيه إلى صنع قنابل المولوتوف ووضع الحواجز في الطرقات. ولتعويض النقص في عدد عناصر فتح شرعت في تدريب عشرات الشباب في سوريا وغيرها(3). المجاهد ياسر عرفات في إحدى قواعد الكرامة ولتسهيل عملية الاتصال بين القيادات المحلية في الضفة الغربية وبين الدوريات المطاردة التي كانت تتكون من 10 ــ 15 مقاتلاً استخدمت مناصرين من السكان، وكثير منهم من النساء أمثال سهام محمد زكارنة(1). وبواسطة هؤلاء المناصرين تم توفير المؤن من طعام ودواء ومأوى مؤقت، بالإضافة لاتصال الدوريات المطاردة بالقرى العربية في بعض الأحيان وبخاصة أن الدورية ضمت عناصر ذات قرابة وثيقة، واتخذت قواعد لها قرب القرى أو المدن التي ينتمي إليها بعض أفراد الدورية المطاردة كي تضمن الحصول على مؤن وعلى اتصالات موثقة(2). وقد استطاعت فتح من إقامة قواعد الارتكاز داخل فلسطين وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي فلسطين المحتلة عام 1948م، وكانت هناك مجموعة قواعد: 1 بيت فوريك 7 الخليل 13 بني نعيم 19 العوجا 2 طوباس 8 طولكرم 14 بيت أمر 20 وادي القلط 3 التياسير 9 جنين 15 التعامرة 21 وفي قطاع غزة: غزة 4 أريحا 10 قلقيلية 16 الرشادية 22 خان يونس 5 نابلس 11 العروب 17 الدهيشة 23 رفح 6 القدس 12 بيت فجار 18 بيت لحم 24 المخيمات الشمالية والوسطى والجنوبية وأقيمت الخلايا السرية في مناطق عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب وحيفا وعكا، والذي أشِرف على قواعد الارتكاز داخل الأرض المحتلة وخارجها المجاهد ياسر عرفات (أبو عمار) وكان على رأس هذه المجموعات كوادر من القادة الأوائل. وقد تمكن العدو من معرفة بعض من يقدمون المساعدات من الأهالي لهذه الدوريات المطاردة وذلك عن طريق عملاء العدو، وبسبب تهور مقاتلي “فتح” بالعمل العلني أحياناً، ولسد الثغرة فقد أنشأت فتح دائرة لمكافحة التجسس. ومما ساعد فتح على القيام بحرب العصابات في الأراضي المحتلة عدة عوامل، منها: 1 – عدم كفاية الترتيبات الأمنية التي اتخذها العدو في البداية وعجزه عن ضبط المناطق المحتلة الواسعة والحدود العربية ــ الإسرائيلية. 2 – اتساع قاعدة الثورة من خلال اشتراك أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة في مساعدة الفدائيين. 3 – نجاح الحركة في جمع كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة المتخلفة وراء الجيوش في حرب 1967(1). 4 – توزع سكان الضفة الغربية على أربعة مدن كبيرة ومئات القرى مما سهل حركة الفدائيين(1). 5 – توزع الجيش الإسرائيلي على مناطق واسعة، احتلها حديثاً بالإضافة للأراضي المحتلة منذ عام 1948م، الأمر الذي سهل على الفدائيين ضربه، وإرهاقه. ــ ومهما يكن من أمر فقد فشلت فتح في إشعال الثورة المسلحة في الأراضي المحتلة ضد العدو الصهيوني ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها: 1 ــ الإجراءات الإسرائيلية المشددة في ملاحقة كل من يتعاون مع الفدائيين واعتقاله ونسف منازل ذويه(2) مما يعني فقدان “فتح” لمساعدة الأهالي تدريجياً. 2 ــ كانت القيادات المحلية في الضفة الغربية المرتبطة بالأردن تتوقع تسوية سياسية بين الأردن وإسرائيل لإنهاء الاحتلال لصالح الأولى، كما حدث في غزة سنة 1956، لذلك لم يكن هؤلاء يرغبون في عمل من شأنه أن يبدد احتمالات التسوية المرجوة، بل على العكس، فقد تعاون بعضهم مع الإسرائيليين لاقتلاع الفدائيين(3)، ونشأت فئات ذات مصلحة في استتباب الاستقرار ولو تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي، مثل بعض الزعامات التقليدية، وزعماء القرى كالمخاتير وفئة من تجار المدن الذين أرادوا الانتفاع بالانفتاح على الاقتصاد الإسرائيلي(4). 3 ــ عدم اتخاذ فتح الاستعدادات اللازمة لهذه المهمة قبل البدء بها بمدة كافية، أو تأخير الانطلاقة الثانية مدة كافية، فهي لم تنجح في إقامة شبكات فدائية تنظيمية في الضفة الغربية وغزة قبل احتلال 1967م. 4 ــ الترهل وضعف التنظيم الذي عانته الخلايا الجديدة بسبب السرعة في إعدادها وعدم الدقة في اختيار عناصرها، مما أدى إلى انفلاتها وعدم التزامها بأوامر القيادة في بعض الأحيان(1). ويعود هذا الترهل وضعف التنظيم إلى عدة أسباب أهمها: 1 ــ عدم اتخاذ احتياطات كافية عند اختيار الأعضاء الجدد، مع التقصير في التوعية الأمنية، مما جعل بعضهم يتفاخر بعمله عند عودته إلى قريته، مع عدم توعيتهم بأساليب الصمود في التحقيق في حال الاعتقال. 2 ـ احتواء المجموعات العاملة على عدد من المناضلين غير المدربين جيداً سوى أسبوع أو أسبوعين مع الإهمال في النواحي الأمنية، كمعرفة كوادر المجموعات العاملة بأسماء جميع أعضاء الشبكات التابعة لهم، أو عدم التكتم على هوية المتطوع أمام زملائه في المجموعة(2). 3 ــ عدم التطبيق الجيد لدروس فتح التي أعدتها في مجال بناء الخلايا واختيار أعضائها. حيث أعدت الـحركة كراساً تحت عنوان (الخطوات الأساسية لتصعيد الثورة المسلحة في الأراضي المحتلة ). تحدثت فيه عن دور التوعية والتوجيه المعنوي الذي يجب أن يقوم به عضو الحركة عند التقصي عن أعضاء جدد، وأدوات هذه التوعية. وتحدثت عن التنظيم وكيف يتصرف العضو المكلف بتكوين خلية في الأرض المحتلة، وكيفية تكوين الخلايا هناك. ثم تحدثت عن التدريب على مهمات الاستطلاع وكيفية دراسة واقع الشعب في الداخل ومهمات النسف والتخريب، ومهمات القتال والنضال(3). بسبب هذه المعوقات لم تتمكن فتح من إشعال حرب التحرير الشعبية في الأراضي المحتلة، كما كانت تريد، رغم أنها حققت بعض الإنجازات المهمة، وأهمها رفع معنويات المتأثرين بهزيمة حزيران 1967م من العرب والفلسطينيين على السواء. 4 ـ لاح تهديد أكثر خطورة بالنسبة إلى فتح نتيجة التدهور المفاجىء في علاقتها بسورية. ففي البداية بعد الحرب، سمح لفريق من فتح بالتجول في مرتفعات الجولان بحثاً عن السلاح والإمدادات التي خلفها الجيش السوري عند تراجعه السريع. واحتفظ الفدائيون بكل ما هو مفيد لهم، وسلموا الأسلحة الثقيلة وذخيرتها إلى السوريين، وصرحت فتح في وقت لاحق، أنها جمعت عدد كبير من قطع السلاح من مختلف ميادين المعركة، لكن القيادة العسكرية السورية غيّرت رأيها فجأة بعد أسابيع قليلة، وأمرت فتح بالامتناع من تجميع الأسلحة. كذلك أمر كل من رئيس الأركان، أحمد سويداني ورئيس جهاز الأمن القومي، عبد الكريم الجندي في ذلك الوقت، بمصادرة مخازن أسلحة “فتح” في عدة مناسبات “حفاظاً على الكرامة والسيادة السورية”. وكان وزير الدفاع، حافظ الأسد أكثر مرونة، إذ شجع “فتح” على العمل في الضفة الغربية وغزة (دون أن تعبر الخطوط السورية) وأعطاها كميات صغيرة من معدات القتال تسهيلاً لعملها هناك،كما وافق على إعطاء فتح أسلحة خفيفة من مخزون الجيش السوري في مقابل الذخيرة التي جمعتها من مرتفعات الجولان، ولا تقدر على الاستفادة منها، ومن أجل أن توثق “فتح” علاقتها بالأسد، زودته بتقارير الاستخبارات التي تصلها من الأراضي المحتلة بشان التوزيعات العسكرية الاسرائيلية. إلا أن ساعة الحقيقة دقت عندما أبلغ أبو جهاد الوزير(1) وفاروق القدومي أحمد سويداني رئيس الأركان أن “فتح” تعتزم استئناف الهجمات الفدائية ضد إسرائيل، وانزعج رئيس الأركان كثيراً من هذا الخبر، وقام بتذكيرهما لائماً بأنه “لا توجد دبابة سورية واحدة بين القنيطرة ودمشق”، وحذرهما من تنفيذ أي عمليات قتالية على جبهة الجولان. وأضاف قائلاً:“أنا صديقكم، وأحذركم من أن الآخرين في القيادة السورية سيحملونكم المسؤولية (عن العواقب)”، واعترض زائريه قائلين: إن نشاط فتح سيتم في الأراضي المحتلة، فاعترض بقوله: “إن إسرائيل مع ذلك ستحمل سورية المسؤولية” وطلب منهما التريث إلى أن تستكمل استعداداتنا، “علماً بأن السوفيات قد عوضونا بأسلحة جديدة”، وتم استدعاء أبو جهاد الوزير وفاروق القدومي في اليوم نفسه لمقابلة وزير الخارجية، إبراهيم ماخوس، الذي أعاد على مسامعها الموقف نفسه، وكذلك فعل رئيس الحكومة، يوسف زعين. أما رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي، فأنهى حديثه معهما بتحذير شديد قائلاً: “إذا أصررتم على هذا النهج فإننا سنضطر آسفين إلى تصفيتكم.”وبدأت فتح نقل رجالها وسلاحها إلى الأردن بهدوء، لكنها توقفت بعد أن تم حل الأزمة في اجتماع بين حافظ الأسد والمجاهد ياسر عرفات الذي عاد من الضفة الغربية في نهاية شهر تموز. فديمومة الثورة مرتبطة بالقدرة على امتلاك قاعدة آمنة كحد أدنى في البداية ومن ثم تطويرها إلى قاعدة ارتكازية،وعندئذ يمكن الحديث عن التخطيط وعن امتلاك أدوات حرب التحرير الشعبية ومن ثم خوض حرب الشعب، إن جيفارا العظيم لم يستطع أن يصنع ثورة بوليفيا لأنه فشل في إقامة قاعدة آمنة له. إن هذا الوعي النظري لمعنى القاعدة الآمنة كانت تعيه “فتح” كما كان يعيه أيضا “موشي دايان” الذي أمضى فترة طويلة مع القوات الأمريكية في فيتنام يدرس حرب الشعب والحرب المضادة لها والذي قال قبيل معركة الكرامة بكل وضوح ما معناه: “إننا لا نستطيع الوقوف موقف المتفرج من جيش من المخربين يتشكل على بعد عدة كيلو مترات قليلة من حدودنا.” وهو القائل أكثر من مرة: “إن الخطأ الامريكي في فيتنام هو أنهم بدأوا مقاومتهم للفيتناميين متأخرين”.

عملية بيت فوريك اختيار الهدف منذ انطلاقة حركة فتح عام 1965م كثفت خلايا المقاومة عملها داخل الأراضي المحتلة عام 1948 من خلال تمركز عدة قواعد منتشرة لها في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة ونخص بالذكر تلك المتواجدة في محيط قرى نابلس من قرية سالم وبيت فوريك وبيت دجن وصولاً إلى عقربا وعورتا حتى روجيب. وساعدت طبيعة الطريق الوعرة المؤدية نحو سفوح المرتفعات المطلة غربا باتجاه أريحا وضفاف نهر الأردن، على توفير ممر آمن بين عدة مغاور كانت تساعد عناصر المقاومة على سرعة التواصل أثناء عملهم واجتماعاتهم في تعبئة الكوادر الجديدة وتدريبها على أعمال المقاومة، حتى دخل الاحتلال الاسرائيلي عام5/6/1967م منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تجمد عمل المقاومة في الشهور الأولى منذ نهاية أحداث النكسة وقبل أن يمضي العام الأول للاحتلال أعادت حركة فتح ترتيب قواعدها داخل الأرض المحتلة وبدات تستعيد نشاطها من جديد، وبناءً عليه فقد أكدت التقارير الواردة من نقطة الرصد والمراقبة في منطقة نابلس تزايد حركة دوريات الجيش الإسرائيلي بين معسكر حوارة والقرى المحيطة به ما بين سالم و عقربا، علما بأن هذا المعسكر يقع جنوب مخيم بلاطة على الطريق الرئيس بين نابلس ورام الله، وقد أدت حركة دوريات الجيش الإسرائيلي إلى إعاقة نشاط العمل الفدائي الذي كان آخذا بالتنامي بشكل واسع فمنذ الاحتلال الجديد لأراضي الضفة تكثفت عمليات المطاردة والتفتيش عن رجال المقاومة وخاصة من كان منطويا في صفوف حركة فتح. وقبل أن تقرر القيادة تغير مواقع قواعدها داخل الأرض المحتلة والانتقال لاستراتيجية العمل السري، رأت أن تتوج عملها هذا بتنفيذ عملية فدائية لضرب حركة قوات الاحتلال المتزايدة بالذات في محيط معسكر حوارة داخل منطقة نابلس. اعتمدت القيادة في حركة فتح التقارير الواردة من مصادر الرصد والمراقبة والتي تتتحدث عن خطة العدو لوضع نقطة مراقبة دائمة مشرفة على مخيم بلاطة. وشرحت المعلومات حول خط سير دوريات الجيش الإسرائيلي التي تقوم بمرافقة وحراسة الآليات الهندسية العاملة يومياً منذ خروجها في الصباح من معسكر حوارة باتجاه مرتفع قرب روجيب، والعودة معها قبل ساعات المساء إلى المعسكر نفسه الذي تبيت فيه. استناداً إلى ذلك قررت القيادة أن يكون الهدف المراد ضربه هو أحد موقعين ويتم التخطيط لتنفيذ أحدهما راجع على تقدير الموقف الذي تقرره مجموعة التنفيذ في حينه، وضعت الخطة الأولى لضرب الموقع المحدد بالنقطة رقم (1) وهو موقع مراقبة أقيم حديثاً على تل حاييم بين قرية روجيب ومعسكر حوارة، أما الخطة الثانية وضعت لضرب الموقع المحدد بالنقطة رقم (2) الذي تجري عليه الأشغال ليكون نقطة المراقبة الدائمة على مخيم بلاطة بالقرب من قرية روجيب. اختيار مجموعة التنفيذ اختارت القيادة العسكرية ستة مناضلين مختصين من ذوي الخبرة تم فرزهم من بين عدد كبير من المتطوعين للقيام بتنفيذ مهمات قتالية داخل المناطق المحتلة عام 1967م فقد كانت الهمم عالية والروح المعنوية مرتفعة وحب الفداء خالصاً للوطن اذ لم تمر شهور قليلة على أحداث النكبة الأليمة واحتلال الضفة والقطاع. ونشير هنا الى أن القيادة ولأول مرة مهدت سراً استنفار كافة العناصر المتواجدة في محيط القرى القريبة من موقع الهدف وذلك تحسباً لأي طارىء. في الأيام الأولى لشهر كانون الأول للعام 1967م انطلقت مجموعة تنفيذ المهمة للبدء بعملها حسب الخطة الموضوعة مسبقاً وتوزعت مهامهم على النحو الآتي: أولا: يتوجه قائد المجموعة مع مساعديه عند الموقع (أ) حيث النقطة الميتة والمتواجد بها حقيبة مجهزة بالخرائط اللازمة ومخازن ذخيرة وعدد من القنابل اليدوية وبندقيتين آليتين من طراز كلاشنكوف. ثانياً: تلتقي المجموعة ببقية عناصرها الأربعة المتبقية عند الموقع (ب) وتصبح المجموعة بكامل عددها وبكامل عدتها المكونة من بقية الأسلحة وهي عبارة عن قاذف بازوكا عدد اثنين، وحقيبة ذخيرة، وأربعة مسدسات براوينغ، ورشاشين كارلوستاف بكامل ذخيرتهم. ثالثاً: تتوقف المجموعة عند الموقع (ج) لتوزيع المهام قبل المبيت وتجهيز الحراسة وإرسال العنصر المكلف بإجراء المراقبة والاستطلاع عند الموقع (د). رابعاً: تتحرك المجموعة مع ساعات الفجر الأولى لليوم التالي لخط سير منفرد ومتتابع مجهزين بكامل عتادهم وعدتهم متبعين خطى الفدائي المكلف بالاستطلاع ومتجهين للموقع (هـ) واجتمعوا لاتخاذ قرار على أي من الهدفين يقومون بضربه وحينها سمعوا هدير مروحية قادمة من بعيد تقوم بعملية التمشيط قبل ساعات من تسير المعدات الهندسية باتجاه الموقع رقم (2) اتخذت المجموعة قراراً بتنفيذ الهجوم الذي بدا مع ظهور المروحية العسكرية فبادرتها المجموعة باطلاق قذيفة باوزكا أصابتها مباشرة واشتعلت بها النيران وتمايلت لتسقط بعيداً عن موقع المجموعة التي استعدت للانتشار خلف الصخور ، حينها تحركت دوريات الجيش الإسرائيلي بالقرب من الموقع رقم (3) ودارت معركة بكل أنواع الأسلحة التي تملكها المجموعة موقعة خسائر فادحة بين صفوف جنود العدو وتمكنت أيضاً من تدمير مجنزرة بقذيفة باوزكا وإصابة طاقمها، وازداد الخناق على أفراد المجموعة بقدوم مدرعات استعملت رشاشاتها الثقيلة ،وحينها سقط أول شهيدين من أفراد المجموعة البواسل وهما الشهيد “سعيد عريفة”، والشهيد “محمد خير خرطبيل” وجرح أيضاً المناضل غازي نايف غبن، وهنا قررت بقية المجموعة أن تنسحب مع الجريح قبل نفاذ الذخيرة إلى الموقع (و) وقد فضل المجاهدون أن يبقى في الموقع اثنان لمشاغلة دوريات الجيش وينسحب الثالث مع الجريح الرابع إلى الموقع (ي)، واستمر الاشتباك مع قوات العدو الذي عزز تواجده بدفع عدد كبير من جنوده من خلال انزالهم من المروحيات العسكرية، وزاد ذلك بقدوم عدد من المجنزرات المدرعة لحماية اخلاء جرحاهم وقتلاهم من ساحة المعركة وقد فاق عدد خسائرهم أكثر من ثلاثين إصابة بين قتيل، وجريح و تجاوز الاشتباك ساعات ما قبل الظهر عندما سقط المجاهدون الأربعة شهداء بعد أن خاضوا ملحمة بطولية جعلت الأعداء يصبون نار غضبهم على جثث الأبطال الستة؛ حيث جمعوهم في مكان واحد وقاموا بالتمثيل فيهم وتمزيقهم بالرصاص الحاقد وهم مذعورون من عدة هجمات جانبية قام بها الثوار الذين هبوا من بعض القرى المجاورة لنجدة إخوانهم لشدة ما سمعوه من أصوات انفجارات وهدير صوت المروحيات التي دأبت على تمشيط المنطقة بكاملها بنيران رشاشاتها الثقيلة. وهكذا انتهت هذه العملية البطولية باستشهاد أبطالها الستة وهم: 1. سعيد عريفة. 2. خالد أبو سويد. 3. وليد زامل. 4. محمد خرطبيل. 5. مصطفى بخيت. 6. غازي نايف غبن. وقد بلغت خسائر العدو بإسقاط مروحية ومقتل طاقمها وتدمير أربع آليات مدرعة وقتل وجرح ما يقارب الثلاثين جندياً إسرائيلياً. وانتهى ظهر يوم 7 كانون اول 1967م المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، وكان لهذه العملية الأثر الكبير على معنويات السكان وزادت من صلابتهم رغم ظروف التفتيش والاعتقال والمتابعة لشهور بعد العملية ولكن ذلك لم يمنع بان العدو قد جمد لعدة شهور من حركة إقامته لمراكز المراقبة الدائمة وخفف كثيراً من تجوال دورياته بين القرى. بيت فوريك الشامخة ــ بلدة من أكبر قرانا الفلسطينية في محافظة نابلس، تبعد شرقا عن مدينة نابلس نحو ستة كيلومترات، ومن مدخل القرية وحتى حدود التماس مع الأردن، تبعد حوالي 60 كيلو متراً وآخر حدودها مع الحدود الأردنية تبعد خمسة عشر كيلو متراً، هذه البلدة يبلغ عدد سكانها ثمانية آلاف وستمائة نسمة وتبلغ مساحتها ستة وثلاثون ألف دونماً، صادرت السلطات الإسرائيلية سبعة عشر ألف دونماً لإقامة مستوطنة “مخوارة” أطلق عليها عام 1974م بلدة الشهداء والمناضلين، قدمت البلدة 42 شهيداً وألف معتقل، الشهداء رفاق “أبو عمار” الذين غادرو معه واستشهدوا في هذه البلدة التي أصبحت بعد التحرير “بلدية” بناءً على تعليمات المجاهد أبو عمار شخصياً لاهتمامه الشخصي بها.

القاعدة الآمنة:
ضمن استراتيجية تجنب المعارك الحاسمة جرى البحث عن قاعدة آمنة تحدثت عنها فتح: “تجربة الشهور الماضية أقنعتنا بأن علينا أن نكتفي بما حققناه من نتائج وأن تنتهي مرحلة المشردين الهائمين بسرعة، لأن القتال بهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون استراتيجية طويلة الأمد، إذ أن الاستنزاف الذي يعاني منه كل المشردين الهائمين نظراً لعدم القدرة على التعويض السريع للخسائر، يجعل إنماء الذات أمراً صعباً”(1). وهذا القول يفسر دوافع الانتقال لهذه المرحلة أو هذا التكتيك، ويؤكد في نفسه الوقت عدم مقدرة فتح على خلق ثورة فلسطينية تتبناها كافة جماهير الأرض المحتلة، فتكون تلك الجماهير هي القاعدة الآمنة العريضة للثورة، وبسبب الفشل في تحقيق ذلك، أصبح مناضلو فتح في الأراضي المحتلة كالهائمين، مطاردين وبلا مأوى، وكان لا بد من اتخاذ خطوة جديدة لإعادة البناء واعتبرت هذه المرحلة من علامات النجاح “لكن الثورة يقاس مدى نجاحها وتقدمها، بقدرتها على تخطي مرحلة المشردين الهائمين والانتقال إلى مرحلة القاعدة الآمنة” وتراجعت الحركة عن مفهومها لحرب العصابات واعتبرتها غير كافية للتحرير وأنه لا بد من إيجاد إدارة عسكرية تؤدي للتحرير، فقررت إقامة القواعد الآمنة في اغوار الأردن “فقد أثبتت تجربة الأشهر الثلاثة أنه ليس بالإمكان أن نقيم قاعدة آمنة في الضفة الغربية.. فمن شروط القاعدة الآمنة.. أن يستطيع الثوار أن يعملوا بها علانية، وبدون انقطاع، وأن تكون في مكان وسط الجماهير، وفي تماس مع العدو، وأن يكون الدفاع عنها أمراً ممكناً. وأن الضفة الغربية هي ساحة القتال ولكنها ليست القاعدة الآمنة”(2). وهكذا قررت الحركة مع مطلع عام 1967م إقامة القاعدة الآمنة في الأغوار، وبدأت في الكرامة وغور الأردن(3).

(1) فتح، كفاحنا المسلح، ص 20؛ Fateh. Political and Armed.p.34.
(2) الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969م، (وثيقة رقم 526 ) ص 493.
(3) المصدر نفسه.

ومرة أخرى اضطرت الحركة للعمل من فوق أراضي عربية معرضة نفسها للمضايقات وللشروط العربية والتدخل العربي، مما أفقدها القدرة على الاستمرار في عملها دون الاحتكاك بالدول العربية وخاصة المضيفة منها.
وفقاً لنظرية القاعدة الآمنة قامت فتح ببناء قواعد عسكرية ثابتة في غور الأردن مما أدى إلى: تزايد فاعلية الثورة، وتصاعد العمل الإسرائيلي المضاد(1)، فقد أعلنت فتح عن تنفيذ 68 عملية منذ مطلع 1968م وحتى معركة الكرامة، وكانت العمليات على النحو الاتي (2):
ملاحظة: مرفق جدول العمليات بقسم صور وخرائط تابعة للكتاب جدول رقم (1)

(1) الهيثم الأيوبي، مسيرة الكفاح المسلح الفلسطيني خلال 15 يوماً، شئون فلسطينية، عدد 98.
(2) الجدول من إعداد الباحث عصام عدوان بالاستناد إلى البلاغات العسكرية 91 ــ 105 للفترة من 1/6 ــ 20/3/1968، أنظر فتح، الوثائق العسكرية، ج 1، ص 123 ــ 143.

وقد ذكر سجل شهداء حركة “فتح” أسماء 37 شهيداً للفترة نفسها (1). مما يعكس مدى مصداقية البلاغات العسكرية للحركة. وقد دفعت هذه الأعمال، التي انطلقت في معظمها من الأراضي الأردنية، إسرائيل إلى اتهام مستمر للأردن بمساعدة الفدائيين، تبريراً للعدوان عليه منذ بدء انطلاقة العمل المسلح في الأراضي المحتلة على يد حركة فتح بعد حرب حزيران. ففي الفترة من 8 ــ 1967 – 31/12/1967م كان هناك 25 قصفاً متبادلاً بين القوات الإسرائيلية والقوات الأردنية، كل منهما يتهم الآخر بالبدء(2).

(1) الكتاب السنوي لفتح لعام 1968، ص 391 – 393.
(2) الوثائق الأردنية لعام 1967م، ص 160، 167-8، 176 ــ 7.

ومنذ أقامت “فتح” والفدائيون قواعد عسكرية لها في غور الأردن، ازداد القصف الإسرائيلي للأردن بشكل ملحوظ. في محاولة للزج به في المعركة وذلك بغرض إيجاد جهة رسمية يمكن تحميلها مسؤولية الغارات الفدائية التي تشنها “فتح” وغيرها، ففي الفترة من 11/1968 – 20/3/1968م كانت الخسائر على النحو الاتي :
ملاحظة: *مرفق جدول عدد عمليات القصف المتبادل بين اسرائيل والاردن في قسم صور وخرائط تابعة لكتاب الكرامة جدول رقم (2)
ووفقاً لتصريحات الناطق العسكري الإسرائيلي كانت حصيلة العمليات الفدائية من 1/1/1968 – 20/3/1968 كما يلي:
ملاحظة: * مرفق جدول العمليات الفدائية في قسم صور وخرائط تابعة لكتاب الكرامة جدول رقم (3)
فإذا قارنا هذه الأرقام بتلك التي صرّح بها موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي في 13/2/1968م: “أن خسائر إسرائيل بلغت 15 قتيلاً و 74 جريحاً منذ حرب حزيران” وأنه يعتبر أن كثيراً من هذه الحوادث جاء نتيجة لتأييد فعلي للفدائيين من وحدات تابعة للجيش الأردني(1) فذلك يعني أن حصاد الثلاثة الشهور الأولى من 1968 تقارب حصاد ثمانية شهور منذ حزيران 1967م، أي أن العمليات تصاعدت بشهادة الإسرائيليين أنفسهم. في محاولة للزج بالأردن في الصراع والذي أصبحت تئن بسبب المستعمرات الإسرائيلية. ولذلك جاءت الإشارة إلى أن الأردن يساعد الفدائيين، وذلك تمهيداً لإجراءات عسكرية ضده كان منها أحداث يوم 15/2/1968م.
والواقع أن حجم الخسائر الإسرائيلية كان أكبر مما ذكرته المصادر الإسرائيلية، فهي دائماً تقلل من خسائرها لأغراض الحرب النفسية ضد العدو، وللحفاظ على صمود مستوطنيها ،وعلى هيبة الجيش الإسرائيلي، فبينما تعترف إسرائيل بـ 36 عملية ما بين 1/1 – 20/3/1968م و 17 قتيلاً و 71 جريحاً إسرائيلياً. تقول “فتح” أنها نفذت في الفترة نفسها 68 عملية وقتلت خلالها 142 إسرائيلياً (وهي الأرقام الواردة في بلاغاتها فقط ) بخلاف 98 قتيلاً يمكن تقديرهم كحد أدنى، و 16 جريحاً بخلاف جرحى آخرين لم تحدد عددهم يمكن تقديرهم ب 179 جريحاً.

(1) الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968م، ص 604.

كتاب معركة الكرامة (الحلقة السابعة)

للمؤلف: اللواء/محمود الناطور (ابو الطيب)
الاستعدادات قبيل المعركة ونلخص الموقف قبيل المعركة بالاتي :
توالت عمليات العاصفة في أيام 12و17 و23 و28 كانون الثاني من عام 1965م، وبعد أقل من شهر على انطلاقة “فتح” دخلت حركة الصراع الفلسطيني والعربي مع العدو الإسرائيلي مرحلة جديدة وصعبة دفعت بالموقف العربي إلى اتجاه يبتعد كثيراً عن تقديم الشكاوى للمحافل الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة وبعد البلاغ العسكري الرابع يوم 28/1/1965 أخذت الصحف الإسرائيلية تعترف لأول مرة بالعمل الفدائي الفلسطيني الذي أخذ يؤثر في الإسرائيليين فقالت صحيفة حيروت “إن تسلل عصابات عربية على رؤوسها صناديق الموت، هو أمر يجعلنا نتذكر عدد أولادنا وأفراد عائلاتنا، إن تصريح بن غوريون في أعقاب حملة سيناء عن تطهير الفدائيين اصبح أمرا مضحكاً، وعلى بن غوريون أن يراجع بيان الناطق العسكري”.
لقد اعترفت إسرائيل بأن الهجمات والعمليات الفدائية دمرت مضخات تحويل نهر الأردن ونفق عيلبون في سهل البطوف وهو أهم مراكز تحويل مجرى نهر الأردن واعترفت إسرائيل بتدمير أنابيب ومضخات توزيع المياه في النقب.
وعلى إثر هذا الاعتراف بعمليات العاصفة قام ليفي اشكول رئيس وزراء العدو باستدعاء السفير الأمريكي واروت باربور وبحث معه خطورة الموقف، ثم قام مردخاي كدرون مدير شؤون التسليح بوزارة الخارجية الإسرائيلية بتسليم أودبول رئيس هيئة الرقابة الدولية على الهدنة في فلسطين مذكرة جاء فيها : أن إسرائيل تعتبر الموقف على خطوط الهدنة موقفاً لا يطاق.
كانت إسرائيل حتى يوم الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني 1965م تقوم هي باعتداءاتها على الدول العربية المجاورة لفلسطين وتلجأ الدول العربية دائماً بالشكوى لمجلس الأمن إلا أن الصورة اختلفت في يوم 28/1/1965م ولأول مرة استطاعت قوات العاصفة أن اجبار إسرائيل على اللجوء إلى مجلس الأمن بالشكوى.
قبل هذه الفترة كانت قوات العاصفة قد قررت مضاعفة عملياتها العسكرية حيث قامت مجموعة من قوات العاصفة في 7/9/1966م بالدخول إلى مستعمرة كفاريوفال في الجليل الأعلى واشتبكت مع القوات الإسرائيلية في معركة ضارية وانزلت بالجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة في الأرواح واستشهد في هذه المعركة الشهيدان: “موسى قاسم جمعه”، و “محمد يوسف حسن”.

واستمراراً لقرار التصعيد قامت وحدة من قوات العاصفة في ليلة 10/11/1966م بالإغارة على مستعمرة “شارياشوف” وتمكنت من قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وجرح أربعة آخرين.

وقد نظرت القيادة الإسرائيلية بمزيد من القلق إلى المستوى الذي وصلت إليه قوات العاصفة من التدريب وقررت الرد بشكل انتقامي ولكن على الجبهة الأردنية في الضفة الغربية في صبيحة يوم 13 ــ 11 ــ 1966 حشد اللواء المدرع الإسرائيلي السابع قواته على الحدود الأردنية، دخلت منه قوة بقيادة العقيد يواف شاهام مكونة من 400 جندي محمولين في عربات نصف مجنزرة و20 دبابة وانقسمت إلى قوتين.
اتجهت القوة الأساسية إلى قرية السموع(1) والأخرى ذهبت بإتجاه آخر بقصد التضليل. وتصدت لها كتيبة صلاح الدين الأيوبي التابعة للواء المشاة حطين من الجيش الأردني يقودها العقيد الركن بهجت المحيسن و تذرعت إسرائيل بوجود قواعد للمقاومة الفلسطينية في السموع. ودمرت أكثر من 150 منشأة مدنية منهم 120 منزلاً بصورة تدمير شامل وقتلت وجرحت 162 مواطناً وأصطدمت بهم القوة الأردنية في قتال شرس. أضطرتهم في نهاية ذلك اليوم للإنسحاب كما استطاعت حماية خروج الأهالي من القرية بأقل الخسائر الممكنة بالأرواح المدنية وقتل العقيد الإسرائيلي، وجرح قائد اللواء الأردني أثناء احتدام القتال(2).

(1) قرية السموع تقع إلى الجنوب من مدينة الخليل وقد اعتبرت إسرائيل أن القرية تشكل قاعدة ومنطلقاً للفدائيين.
(2) المصدر موقع ويكبيديا (http://ar.wikipedia.org ).

وانفجرت بعد ذلك “حرب الإذاعات” بين الدول العربية وحدث التشهير السياسي والبيانات المضادة بين المحاور العربية التي كان كل منها يتهم الآخر بالتقاعس عن مواجهة إسرائيل. على هذه الصورة كان عام 1966م قد انتهى بعد ان أثبتت حركة “فتح” وقوات العاصفة وجودها العسكري والسياسي على الأرض وفرضت حركة فتح خطها السياسي ورؤيتها على خريطة الصراع العربي الإسرائيلي.

وبعد حرب عام 1967م لم تصمت إسرائيل طويلاً في وجه هذا التحدي الذي أعلنته حركة “فتح” و“قوات العاصفة” بل ردت إسرائيل على إعلان حركة “فتح” عن نقل قيادتها الرئيسة إلى داخل الأرض المحتلة وعن مباشرة قوات العاصفة لعملياتها البطولية ضد الكيان الصهيوني، قامت إسرائيل بتحرك عسكري سريع وواسع شمل الأرض المحتلة بأكملها فقد فرضت إسرائيل نظام منع التجول في مناطق عدة في الأرض المحتلة وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة. واستقدمت القوات العسكرية ورجال مخابراتها واستخباراتـها ونشرتـهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ولجأت إلى اعتقال المئات من المشتبه بهم في تعاونهم مع حركة فتح ثم عمد الجيش الصهيوني إلى تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مربعات لعملياته وأعلنها مناطق عسكرية وعمد إلى تمشيطها بانتظام من أجل كشف جميع الأماكن والمعابر ونقاط ارتكاز الفدائيين التابعين لحركة فتح بهدف مهاجمتها بطائرات الهيلوكبتر والقوات المحمولة جوا والقوات البرية.

وترافق الجهد الأمني الإسرائيلي الواسع داخل القرى والمدن والمخيمات وعلى الحدود مع الاجراءات الشاملة التي اتخذتها ضد المدنيين الفلسطينيين وخصوصا ضد التظاهرات والعصيان المدني ومع تشديد الحصار على الحدود إلى اعتقال أكثر من 1250 مناضلاً من حركة “فتح” وزجهم بالمعتقلات وكان ذلك حتى نهاية عام 1967م وتم في هذه المرحلة استشهاد 63 مناضلاً من قوات العاصفة أغلبهم من الكوادر والقيادات الفتحاوية من الصف الثاني (الإطار الثاني لحركة فتح) وتم تنفيذ 92 عملية عسكرية حتى يوم الكرامة وكانت فتح تقيم قواعدها الارتكازية داخل الأرض المحتلة وعلى طول الحدود في كل من غور الأردن وجنوب البحر الميت وجنوب لبنان(1).
وفي الوقت الذي بدأت فيه “فتح” تقيم وتنشئ قواعد ارتكاز جديدة في غور الأردن وخصوصاً حول مخيم الكرامة بعد أن تمكنت طلائعها بقيادة المجاهد ياسر عرفات “أبو عمار” من تركيز وجودها داخل مخيم الكرامة باتخاذ وخلق التلاحم القوي والفعال مع جـماهـير شعبنا هناك.

(1) تعتبر أول دورة عسكرية أرسلت إلى مصر قبيل معركة الكرامة هي دورة خاصة في حلمية الزيتون، وهي دورة مكثفة للتدريب على صواريخ 3.5 بوصة، والكمائن، والطوبوغرافيا لمدة شهرين. انتهت في شهر 10/1967 والمشاركين الاخوة الشهيد: نمر صالح (ابو صالح) عضو اللجنة المركزية وكان قائدا للمجموعة، منذر الدجاني (ابو العز)، كايد يوسف، عبد الإله الاتيري، الشهيد بشير كامل داوود (أبو أمية)، الشهيد كامل فزعرو،حمزة يونس (مدرس اللغة العبرية) الشهيد إبراهيم استامبولي، الشهيد سيد حجاب، الشهيد مازن أبو غزالة غادر المجموعة واستشهد في معركة طوباس الشهيرة ــ أما المشرف المصري عن الدورة فهو المقدم مروان.

في ذلك الوقت بدأ العدو الصهيوني يتلمس خطر تلاحم جماهير شعبنا مع الثورة التي تقودها “فتح” وخطر تنامي قواعد “فتح” في غور الأردن وعلى طول الحدود مع فلسطين، الأمر الذي يعني انتشار الثورة أكثر وأكثر ومن هنا بدأ العدو يحضر للهجوم على قواعد رجال العاصفة الأبطال بهدف تصفيتها والقضاء على قيادتها وعلى الثورة الفلسطينية وأعلن عن ذلك بوضوح في تصريحات متعددة وتنال ايضا من الدور الاردني.
كانت تلك التصريحات بمثابة التهديدات لثورانا في غور الأردن والكرامة وتحديهم بصورة سافرة. فبدأ رجال العاصفة وعلى رأسهم المجاهد أبو عمار يدرسون ويناقشون تلك التصريحات جيدا ويدرسون الموقف السياسي والعسكري، حتى وصلوا إلى ثقة مطلقة وكاملة في تقدير الموقف بأن العدو خلال شهر واحد فقط سيهاجم الكرامة وبمنتهى العنف والوحشية، وبدأت القيادة الفتحاوية السياسية والعسكرية تضع الخطط العسكرية على أساس هذا الموقف وقامت القيادة السياسية والعسكرية باتخاذ عدة خطوات في مخيم الكرامة أهمها:
1 ــ إنشاء مواقع دفاعية استخدم فيها الإسمنت المسلح.
2 ــ إحاطة الكرامة ومواقع وقواعد الفدائيين بحقول الغام تحكمت في حجمها الإمكانيات المحدودة المتوفرة لفتح في ذلك الوقت ولقوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني.
3 ـ التدريب على حرب الشوارع التي تنسجم مع طبيعة شوارع الكرامة نفسها.
4 ـ اعتماد المجموعات ذات العدد القليل من 3 ــ 4 مقاتلين لمضاعفة إمكانات القوة المتوفرة لدى حركة فتح في ذلك الوقت من جهة ويقلل الإصابات من جهة أخرى.
5 ــ العمل على توفير أسلحة متنوعة من قاذفات RBG2 والغام ومدافع الهاونات 60/82 ملم والقنابل اليدوية داخل مخيم الكرامة.
6 ــ تركيز الاستطلاع والرصد داخل الأرض المحتلة لمتابعة تحركات الجيش الإسرائيلي وحشوده العسكرية.
7 ــ إقامة نقاط مراقبة أمامية على طول نهر الأردن وخصوصاً مقابل الكرامة.

إلى جانب هذه الخطوات العسكرية كانت هناك الاجتماعات اليومية لكوادر الحركة وقادتها ومقاتليها الأبطال من قوات العاصفة، يطرحون خطط العدو على بساط النقاش ويدرسون الخطط المضادة لها، ثمة سؤال طرح مرة واحدة فقط… هل نصعد الجبال وكان القرار الذي اتخذ بالإجماع هو الصمود والقتال والتحدي وجهاً لوجه مع العدو الصهيوني.وهذا كان يعني أن حركة فتح قبلت التحدي… ومضت الاستعدادات للمعركة سائرة على قدم وساق حتى يوم المعركة الخالدة.

الدوافع المباشرة للاعتداء الإسرائيلي على الكرامة في 21/3/1968م:
شرعت إسرائيل في تضخيم انفجار لغم بحافلة في جنوب النقب في 18/3/1968 وأعلنت أن الرأي العام فيها يطالب بالرد على هذا الحادث ولذلك أعلن رئيس الحكومة ليفي أشكول في الكنيست في نفس يوم الحادث (18/3/1968 ): “إن الأردن لا يفعل شيئاً ليضع حداً لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أراضيه، والأردن مسؤول عن الخرق المستمر لوقف إطلاق النار والنتائج التي يمكن أن تسفر عن ذلك، وسنضطر نحن لحماية أمننا”(1).

وقد قتل في اليوم نفسه أيضاً جنديان إسرائيليان في اشتباك مع مجموعة فدائيين، وحذّر مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة من العواقب محتفظاً بحق الرد دفاعاً عن النفس، ومعتبراً هذا الحادث ذروة لحوادث انتهاك وقف إطلاق النار ولحملة إرهاب مصدرها الأردن، مذكراً بأن 36 هجوماً وعملاً فدائياً قد وقع منذ 15/2/1968(2) انطلاقاً من الأردن.

أدرك الأردن أن تسليط إسرائيل الأضواء على هذا الحادث وتقديمها مذكرة احتجاج لدى رئيس مجلس الأمن مؤشر لخطوات أكبر، وتمهيد لهجوم على الأردن. ولذلك بعث مندوب الأردن الدائم في الأمم المتحدة برسالة إلى رئيس مجلس الأمن “أعلن فيها أن إسرائيل تعد العدة لشن هجوم كبير على الأردن، يمكن أن يؤدي إلى تجدد القتال في الشرق الأوسط” مؤكداً خطورة الوضع وضرورة اتخاذ خطوات لتجنب الهجوم(3).

(1) الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968، ص 610.
(2) الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968، ص 611.
(3) المصدر نفسه والصفحة.

عملية موشيه ديان ــ حولون

اختيار الهدف:

إن التحول الكبير الذي أحدثه احتلال إسرائيل عام 1967م للضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة على صعيد الحياة المدنية وتنقل السكان ما بين القطاع ومناطق الـ 48 مكَّن خلايا المقاومة من العمل بنشاط بين حدود قطاع غزة الشمالية ومدينة يافا القديمة والتنقل بهيئة صياديين للأسماك ذهاباً وإياباً بين المدينتين فقد تأكد لجهاز الرصد والمراقبة التابع لقواتنا العسكرية داخل الأرض المحتلة والعاملة ضمن نطاق هذه المنطقة أن موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي يتردد وباستمرار على مستعمرة حولون الواقعة جنوبي مدينة يافا وعلى الطريق السريع المؤدي إلى عسقلان وغزة وهي منطقة تمتد بانحدار نحو الشاطئ يتخللها بعض الهضاب الترابية تمر بمساحة واسعة عبر آثار بيزنطية قديمة.
تم خلال الاجتماع الخاص بين القيادة السياسية والعسكرية لحركة فتح استعراض هذه المعلومات المهمة الواردة لجهاز الرصد والمراقبة، وبدأت مناقشة طويلة لاتخاذ قرار بتنفيذ خطة عسكرية الهدف منها ضرب موشيه ديان في عقر داره، وتم الاتفاق لتحديد الموعد المناسب لاحقاً لتنفيذ العملية مع توضيح الظروف الملائمة التي لا تعطي الانطباع بأن الهدف منها هو الثأر من موشيه ديان بالذات، ولكن لأهمية وطبيعة المنطقة الجغرافية أعطى المجال لعناصر الرصد بأن تعيد رسم كروكية عسكرية لدراسة الطبيعية الجغرافية المحيطة بمنطقة الهدف وحتى تكون أصداء العملية حين تنفيذها تؤكد حق المقاومة الشعبية المشروعة ضد الاحتلال الاستيطاني لفلسطين وليس فقط عقاباً لمجرم الحرب موشيه ديان على جرائمه التي ارتكبها بحق شعبنا الفلسطيني منذ حرب 1956حتى 1967م.
قامت مجموعة الرصد والمراقبة داخل الأرض المحتلة بتنفيذ المهمة الموكلة لها بدقة ورسمت كروكية توضيحية لمنطقة الهدف تبين فيها أن المشار إليه بالرقم 2 هو أحد المكاتب التابعة لوزارة الدفاع والذي يتردد عليه باستمرار وزير الدفاع موشيه ديان، وحين عودته بعد الظهر يتخذ المسار المشار إليه بالرقم 3 للذهاب إلى الطريق المطل على الموقع الأثري البيزنطي المتواجد تحديداً جنوب تل يونس. وتأكد أيضاً لأفراد المجموعة أن هذه المنطقة الترابية أسفل المنحدر باتجاه البحر تجري عليها أعمال إنشائية تمهيدية من خلال حركة الجرافات العسكرية والشاحنات الكبيرة ولا يتواجد عليها حراسة مكثفة.
انعقد الاجتماع الثاني لقيادة الحركة لدراسة هذه المعلومات الجديدة الواردة من عناصر مجموعة الرصد والمراقبة حيث لمست القيادة تزامناً منطقياً مع المعلومات الواردة من الرصد الخارجي، وبالتحديد من المناطق الأوروبية، بأن إسرائيل تهيئ الظروف الدولية لاستقبال عدد كبير من المهاجرين الجدد وخصوصاً من الأعمار الشابة واجمعت القيادة على أن وزارة الدفاع الإسرائيلي تعد هذه المنطقة على الساحل الغربي لمستعمرة حولون لإنشاء موقع استقبال وتدريب خاص لمجموعات المهاجرين الجدد، وعلى إثر ذلك قررت القيادة اعتبار موكب موشيه ديان هو الهدف المتاح ضربه من خلال عملية تفجير عن بعد بواسطة الأسلاك لسيارته عند مرورها بالمنطقة المحددة بالرقم 3، و اعتبرت القيادة أن هذه العملية لها عمق استيراتيجي على الحالة النفسية المتصاعدة بالغرور بعد نصر إسرائيل في حرب الـ67 وأيضاً لأن موشيه ديان قد وسع من مهام رئاسة الأركان وأعطاها الضوء الأخضر لشن هجمات لاحقة لضرب قواعد حركة فتح على طول الجبهة الأردنية للضفة الشرقية لنهر الأردن وبعمق يصل حتى حدود مرتفعات جبال السلط وأطراف المخيمات الفلسطينية وذلك رداً على تصاعد العمل الفدائي داخل حدود 1967م ومناطق 1948م.
اختيار عناصر التنفيذ:
تكونت المجموعة من ثمانية أفراد من ذوي الاختصاص والخبرة في مجال التفجير إضافة إلى عناصر القتال وخبراء في الطرق والتسلل، وتوزعت المهام على النحو الاتي :
ــ المجموعة الأولى: ضمت عنصرين مجهزين برشاشين كارلو، ومناظير مهمتهم تأمين الاستطلاع المتقدم وتمهيد الطريق للدخول إلى منطقة الهدف من أسفل الجسر تحت الطريق السريع بين تل أبيب وعسقلان وبين (أ) و (هـ) مروراً بالطرق الفرعية بين الجهة الغربية لمستوطنة حولون حتى الطريق المؤدي إلى جنوبي تل يونس وصولاً إلى المنحدر موقع الهدف بين النقاط (ب) و (ج) و (د) على الطريق المطل شرقاً نحو الآثار البيزنطية.
ــ المجموعة الثانية: وتتكون من عنصرين مجهزين بمسدسات ورشاش “برن” مع حقيبة المتفجرات، ومهمتها زرع الألغام على الطريق المستخدم من قبل سيارات موشيه ديان وتمديد سلك التفجير بعيداً عن الطريق أسفل المنحدر عند النقطة (ج) وربطها بعلبة التفجير الكهربائي انتظاراً لساعة الصفر.
ــ المجموعة الثالثة: وكانت بأربعة عناصر مجهزين ببندقيتين سينوبال ورشاشين كارلو وعدد من القنابل اليدوية ومهمتهم تتلخص في تمركزعنصر متقدم عند النقطة (ب) لمراقبة الطريق ورصد الهدف وإعطاء إشارة التنفيذ لعناصر التفجير عند النقطة (ج) وتوزع باقي أفراد المجموعة الثلاثة عند النقطة (د) حيث يكون في الوسط حامل الرشاش وإلى جانبه اثنان من القناصة مجهزين بالقنابل اليدوية ومتهيئين للاشتباك والتدمير والحماية وذلك في حالة فشل التفجيرات أو وصول أي من دوريات الجيش الإسرائيلي للنجدة وأيضاً لتأمين انسحاب بقية أفراد المجموعة إلى النقطة (هـ).
عملية التنفيذ:
في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 20 آذار 1968م أُعطيت الإشارة من منطقة المراقبة (ب) تفيد باقتراب ثلاث سيارات جيب عسكرية نحو موقع التفجير، حيث قام عناصر التنفيذ بالضغط على علبة المفجر الكهربائي وعلى إثره أصيبت السيارة الثانية التي كانت بالوسط إصابة مباشرة وتم تدميرها وقتل مَنْ كان بداخلها من جنود.
ثم أصاب الانفجار الثاني مؤخرة السيارة الأولى ما أدى إلى انقلابها نحو المنحدر ولم يتبين مدى إصابة مَن كانوا فيها، أما السيارة الخلفية الثالثة فقد كانت إصابتها من الأمام خفيفة ما أدى إلى هروب أفرادها مذعورين وتم التعامل معهم من خلال مجموعة الاشتباك التي ألقت عليهم القنابل اليدوية وأمطرت بقية الجنود بوابل من رصاص رشاشاتهم حتى ساد المنطقة هدوء ولم يعد يسمع صوت طلقات من قبل جنود العدو سوى أصوات استغاثة وعويل من هول الصدمة، حينها قررت المجموعة الانسحاب سريعاً قبل وصول أي نجدات من دوريات الجيش الإسرائيلي، وتم لهم ذلك حين سلكوا الطريق التمويهي للانسحاب إلى المنطقة (هـ) وهي معاكسة لمنطقة الدخول وتمكنت المجموعة من العودة إلى قواعدها سالمة.
نتيجة العملية:
أُصيب وزير الدفاع موشيه ديان بكسر في يده اليمنى جراء انقلاب سيارته العسكرية إثر الانفجار، حيث اتضح أنه كان يركب السيارة الأولى وليس الثانية التي تم تدميرها بالكامل ومقتل جنودها الأربعة، وقد جرح سائقه، ونتيجة الاشتباك والتفجير وإلقاء القنابل اليدوية تبين أن خسائر العدو كانت بمقتل سبعة من جنوده وجرح اثنين، ولم تعترف مصادر العدو الرسمية بمقتل أي من جنودها أو إصابة وزير دفاعها حتى طالعتنا صحفهم الرسمية في اليوم التالي بأن الوزير موشيه ديان قد تعرض لإصابة طفيفة في يده إثر سقوطه عن سور قديم بينما كان يتفحص موقعاً أثرياً في منطقة تل يونس.

غربت شمس يوم 20 آذار 1968 وكان ذلك بفارق يوم واحد من وقوع معركة الكرامة حيث لم يتمكن وزير الدفاع موشيه ديان من الاشراف على جيشه الذي هزم وانسحب خائباً من أرض الكرامة دون تحقيق أهدافه بالقضاء على قواعد الفدائيين خارج حدود فلسطين.

يقول القائد صلاح خلف أبو إياد في كتابه“فلسطيني بلا هوية”(1)

“وكان مما يزيدنا شعوراً بالراحة هو أننا أقمنا قواعد فدائية قرب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يوفرون حماية مثلى لنشاطاتنا وجعلنا من إحدى القواعد القريبة من تجمع الكرامة مقر قيادة عملياتنا، وبما أنها كانت تقع بين تلال تبعد أربعة كيلومترات عن نهر الأردن فإنها كانت تحتل موقعاً استراتيجياً.”

وفي مطلع شهر آذار/مارس 1968م تلقينا رسالة من مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأردني هو غازي عربيات يلتمس فيها إجراء محادثة مع قادة “فتح” وقد ترددنا ، أنا والمجاهد ياسر عرفات، بادئ الأمر في إعطائه جواباً بالإيجاب، فنحن لم يسبق لنا أن قابلنا ممثلاً عن النظام الأردني، ثم إننا لما كنا نختلج بضرب من البراءة السياسية في تلك الحقبة، فإننا كنا نعتقد أن أي اتصال، سيكون محرجاً، بل غير لائق بحركة ثورية.

إلا أن الحاح عربيات دفعنا إلى أن نقبل في النهاية أن تجري المحادثة يوم 10 آذار/مارس 1968م في أحد منازل الكرامة، وقد أطلعنا عربيات على معلومات مصدرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي. اي. ايه) تفيد بأن إسرائيل سوف تشن هجوماً واسع النطاق على قواعدنا المقامة على طول نهر الأردن، ونصحنا من باب الصداقة بالتروي ودعانا للذهاب إلى عمان لمقابلة رئيس الأركان العامة “اللواء عامر خماش” الذي يود التباحث معنا حول هذا الموضوع.
وقد حدثنا اللواء خماش في يوم الاثنين 18 آذار/مارس 1968م بحديث أكثر وضوحاً وأشد إحكاماً، وأخبرنا أن الهجمة الإسرائيلية ستتم خلال الأيام الثلاثة المقبلة، وأن الحكمة تقضي بأن يتلافى الفدائيون أية مواجهة وأن ينسحبوا إلى داخل الأراضي الأردنية. ثم ألّح قائلاً بأن قيادة “فتح” ترتكب خطأً جسيماً إذا ما عرضت نفسها لضربات العدو، وأنه إنما ينبغي لنا أن نقي أنفسنا ذلك بأسرع ما يمكن.
كان اللواء خماش محقاً، في المطلق فالفدائيون بحكم قانون حرب العصابات، لا يخوضون معركة مع جيش نظامي، وفعاليتهم رهن بقدرتهم على الحركة، إلا أن اعتبارات سياسية دفعتنا إلى أن نخالف نصائح محدثنا. وقلنا له مفسرين: “أن الفلسطينيين، ثم أن العرب بصورة عامة، لن يفهموا أن نخلي الساحة مرة أخرى أمام الإسرائيليين، إن واجبنا هو أن نعطي الأمثولة وأن نبرهن على أن العرب أهل للشجاعة والكرامة، إننا سنقوض وسندمر، إذا ما أمكن اسطورة الجيش اليهودي الذي لا يقهر”.
وأمام تصميمنا ويأسه من إقناعنا، فإن اللواء خماش اقترح علينا أن نطلب مقابلة الملك حسين، فرددنا عليه دعوته بأدب متحججين بقلة ما تبقى لدينا من وقت لكي نستعد للدفاع عن قواعدنا على طول نهر الأردن.
ولدى عودتنا إلى الكرامة في اليوم نفسه استدعينا كافة المسؤولين العسكريين في المنطقة لنعلمهم بالهجوم الإسرائيلي الوشيك ولنطلب إليهم أن يقرروا ما إذا كان ينبغي تلافي المواجهة أم لا، ولم نشأ (عرفات وأنا) أن نؤثر في الحكم الذي ينبغي لهم أن يصدروه؛ ولذلك فإننا قررنا ألا نطلعهم على الرأي الذي أيديناه بحضور اللواء خماش، وكان النقاش مختصراً، فالجميع مجمعون على أنه لا ينبغي للفدائيين بأي حال من الأحوال، أن يتراجعوا أمام العدو، ولكن على أعضاء القيادة بالمقابل أن يغادروا المكان كإجراء أمني، إلا أن عرفات وفاروق القدومي وأبو صبري وأنا قررنا أن نشترك في المعركة، وتوزعنا في مختلف قطاعات الكرامة واستقر كل منا في مغارة على خاصرة التلال المحيطة بها.

وفي 21 آذار ــ مارس 1968م، أي بعد ثلاثة أيام من تحذير اللواء خماش أيقظني أحد الفدائيين عند الفجر ليعلمني ببدء الهجوم الإسرائيلي، كان في وسع المرء أن يميز أرتال مصفحات الجيش الصهيوني وهي تجتاز نهر الأردن تتبعها تشكيلات من المشاة وبدأت المدفعية بالقصف، بينما راحت الطائرات المروحية الهيلوكوبتر تلقي بالمظليين خلف خطوطنا، وهكذا فقد اندفع حوالي الـ15000جندي من قوات العدو للهجوم على قواعدنا على جبهة تمتد ثمانين كيلومتراً تقريباً.

إلا أنه كان بادياً أن الهجوم الرئيسى يتجه نحو الكرامة التي كان علينا أن ندافع عنها ،واستقبلت الدبابات الإسرائيلية في الكرامة باطلاق نار غزير من بنادق الأر بي جي وبوابل من القنابل اليدوية. وهبط الفدائيون من التلال ليخوضوا المعركة مجابهة وجسما لجسم أحيانا وبالسلاح الأبيض. وأبدى بعض منهم بطولة انتحارية فقد رأيت مثلاً أحد شبابنا من رجال الكوماندوز وهو يدمر دبابة بأن يًلقي بنفسه تحت زردها (جنزيرها) وقد لف نفسه بحزام محشو بالمتفجرات.

(1) من كتاب أبو إياد صلاح خلف (فلسطيني بلا هوية)، من ص 104 - 107 الشهيد القائد صلاح خلف (أبو إياد) هو أحد مؤسسي حركة “فتح”، وهو عضو اللجنة المركزية، وقد تمكن من القيام بمسؤولية قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بنجاح وحكمة وصرامة، عرف بصلابته، وخبرته الواسعة، وحظي باحترام الأصدقاء العرب وغير العرب، قارع الاحتلال الصهيوني، وأجهزته في الخارج وخاصة الموساد. أسهم بشكل أساسي في تكوين الفكر الاستراتيجي لحركة فتح مستفيداً من تجاربه السابقة. تعرض شهيدنا البطل للعديد من محاولات الاغتيال حيث كان يمتلك القدرة على معرفة ما يدور حوله من مخططات أسهمت فيها عدة أجهزة مخابرات دولية كانت متواجدة خصوصاً في الساحة اللبنانية. خاض حوارات واسعة مع مختلف الفصائل الفلسطينية من أجل تقريب وجهات النظر، وتحقيق الوحدة الوطنية، ولذلك كان يحظى باحترام وتقدير مختلف قيادات هذه الفصائل. ارتبط اسم االقائد أبو إياد بكتاب “فلسطيني بلا هوية” الذي كان عبارة عن لقاءات أجراها الكاتب الفرنسي إريك رولو مع الشهيد القائد. استشهد القائد الصلب أبو إياد مع الشهداء: أبو الهول، والشهيد أبو محمد العمري في حادثة مفجعة علي يد عملاء الامبريالية والصهيونية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث السياسية والاستراتيجية .
** تقديم : د . محمد ناصر



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 91 / 2184590

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف الأعداد  متابعة نشاط الموقع العدد 10 السنة 11   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184590 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40