من يتابع عملية التسوية بين الفريقين الفلسطيني و“الإسرائيلي” التي بدأت رسمياً منذ ربع قرن، لا يعدم الدلائل والمقومات التي تجعل منها مجرد مفاوضات محورها اللغة والمصطلحات . فهي لم تمس رغم طول مدتها القضايا الجوهرية التي يمكن تلخيصها بالأرض والإنسان . الأرض هي التي تتعرض للذبح الاستيطاني المتواصل، وهذه قضية لم تعالجها المفاوضات وإن أخضعت للتلاعب اللفظي الخبيث تحت عناوين الوقف المؤقت والتعليق والتجزئة .الإنسان الفلسطيني كقضية ليس هو المقيم في بلدته في الضفة أو غزة منذ الجد المئة، إنما ذاك الذي قذفته أعاصير النكبة خارج وطنه ونزعت منه كل ما يملك من بيت وأرض وممتلكات، ويحاول الصهاينة بعدها نزع ذكرياته ووجدانه فيها .
الآن يعيدون إحياء مفهومي “القرارات الصعبة” و“المجازفة”، وهما بالمناسبة مرافقان لعملية التسوية منذ انطلاقها في مدريد عام 1991 . عندما يطلب من القيادة الفلسطينية اتخاذ قرارات صعبة، فهذا يعني أنها مطالبة بإدارة الظهر لإرادة الشعب الفلسطيني وحقوقه، بمعنى أن الصعوبة المقصودة هي تمرير التنازلات وإقناع الشعب الفلسطيني بها، هي الاكتفاء بالرمزيات والشكليات، والتخلي عن جوهر القضية ومضمونها الوطني . فعندما يجري الحديث عن الإفراج عن دفعة رابعة من الأسرى، فهذا تضليل والتفاف، لأن الأسرى يفترض أن يكونوا قضية تحصيل حاصل قبل توقيع اتفاق أوسلو في باحة البيت الأبيض على مرأى ومسمع ملايين البشر، هذا لو كانت النوايا طبيعية من جانب “إسرائيل”، وليست تكتيكية . والمجازفة التي يطالب بها باراك أوباما القيادة الفلسطينية، هي نفسها المقامرة بحقوق الشعب الفلسطيني، وتقديمها ثمناً لاستمرار المفاوضات العبثية .
القيادات التي تمثّل شعوباً وقضايا، في الحد الأدنى لشروط التفاوض ومقوماته، لكن القيادة الفلسطينية تواصل المفاوضات في ظل انقسام وطني عمودي تحوّل إلى قضية مزمنة، ثم تذهب إلى واشنطن بعد حفلة جدل وتصفية حسابات عقيمة داخل الحزب الحاكم (فتح)، إذا جاز التعبير . فإذا كانت أوراق القوة المتمثّلة بالعوامل الموضوعية تكاد تكون معدومة، إن على صعيد الوضع العربي المهترئ، أو على صعيد الوضع الدولي المنشغل بقضايا يراها أكثر إلحاحية، وإذا كانت ورقة القوة الوحيدة الممكنة المتمثّلة بالعامل الذاتي مضروبة ومعطوبة، إن على صعيد الوحدة الوطنية المستلقية في غرفة العناية المركّزة، أو على صعيد الفعل الشعبي المتأثّر بالضرورة باحتضار الوحدة الوطنية . إذن يكون التساؤل منطقياً حول جدوى الدخول أو الاستمرار في المفاوضات في ظل هكذا أوضاع، وحول معنى التفاوض بين طرف مستلق على ظهره، وعدو يجلس على صدره .
منذ ذهب بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، والنوايا “الإسرائيلية” الأمريكية تتمحور حول تمديد المهلة التي حددها جون كيري للمفاوضات التي تواصلت مثلما بدأت إجرائية وشكلية وفارغة المحتوى من الجدية والدسم الحقوقي . فالتمديد بالنسبة ل “إسرائيل” يعني مزيداً من الوقت الذي أنشأها ومكّنها وقواها وجعلها تمتشق سيف الأمر الواقع الذي تستخدمه في كل مرحلة من المفاوضات، سيما وأنها حصلت رسمياً على تسليم رسمي عربي وفلسطيني على أكثر من سبعين في المئة من فلسطين بلا مفاوضات وبلا أي ثمن، وتحاول تهويد ما تبقى بالطريقة ذاتها، وربما تختزل قضايا الصراع العربي الصهيوني لاحقاً بالحصول على ضمانات من “إسرائيل” بعدم إقامة مستوطنات في موريتانيا .
الأربعاء 19 آذار (مارس) 2014
مفاوضات “القرارات الصعبة”
الأربعاء 19 آذار (مارس) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
13 /
2189789
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
11 من الزوار الآن
2189789 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 11