النتيجة اليتيمة المعلنة لزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ل “إسرائيل” هي إنهاء “الخلاف” بينها وبين تركيا، بعدما اعتذر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، عن قتل “إسرائيل” تسعة مواطنين من الأتراك في مجزرة “أسطول الحرية” .
واضح أن “الاعتذار” كان المفتاح السحري لاستعادة المنسوب العالي للتنسيق السياسي بين تركيا و”إسرائيل”، باعتبار أن العلاقة بين الجيشين لم تتأثّر بالزوبعة السياسية التي أثارتها تركيا على خلفية العدوان “الإسرائيلي” على غزة في 2008-2009 ثم تعالت بعد مجزرة “أسطول الحرية” .
قيل الكثير خلال الشهور الماضية عن جهود ووساطات لتحقيق ما حققه أوباما خلال بضع ساعات، وقيل أيضاً إن خلافات داخل الحكومة “الإسرائيلية” حالت دون الاعتذار الذي كان وشيكاً بدفع من بعض المسؤولين في الكيان الذين يشعرون بالحاجة إلى التنسيق بين “إسرائيل” وتركيا في مواجهة الأوضاع المشتعلة في المنطقة .
نستطيع أن نستنتج أن زيارة أوباما وفّرت الأجواء الأكثر ملاءمة لإخراج هذا الاعتذار، وهو موقف يهم نتنياهو ويفيده في أن يجعله بضاعة مبيعة لأوباما، لأنه بذلك يبرّر ل “الإسرائيليين” موقفاً كان يرفضه منذ مجزرة “أسطول الحرية”، ولم يكن مضطراً له مادامت “إسرائيل” لا تدفع ثمناً له، وفي ظل استمرار الوجه العسكري للعلاقات وهو الأهم .
الاعتذار ليس حجر الزاوية في الخطوة التي أنجزها أوباما، فمقابل حصول تركيا على اعتذار لفظي، حصلت “إسرائيل” على تطبيع العلاقات واستعادة السفراء وإلغاء الإجراءات والدعاوى القضائية على جنود الاحتلال وشطب مسؤوليتهم عن سفك دماء تسعة أتراك استشهدوا في المياه الدولية، وآخرين أصيبوا بجروح .
ستظهر الأيام المقبلة التداعيات التي ستترتب على تحرّك أوباما في اتجاه المصالحة بين “إسرائيل” وتركيا، هذه الخطوة التي يرى فيها بعض المحللين والمراقبين توطئة لعمل عسكري نحو سوريا، خاصة أن التطبيع التركي المتفق عليه مع “إسرائيل” تزامن مع “تطبيع” مع حزب العمال الكردستاني من دعوة زعيمه المعتقل عبدالله أوجلان أنصاره لإلقاء السلاح .
الصحافة “الإسرائيلية” منذ قرابة شهرين وهي تلقي الضوء على جولة أوباما، وكانت المساحة المشتركة لتقاريرها بهذا الشأن أن أوباما قادم لبحث النووي الإيراني الذي يريد أوباما التأكيد لحليفته أن لا تتخذ أي خطوة عسكرية من دون تنسيق مع واشنطن، وفي شأن الملف السوري الذي يمر بلعبة شد حبل بين قوى دولية تسعى لفتح حوار سوري داخلي، وأخرى تدفع باتجاه التصعيد .
أوباما الذي تحدّث بشكل واضح وقاطع، وعبّر عن مواقف إزاء الملفين السوري والإيراني، لم يتطرق لقضية رئيسة واحدة من الملف الفلسطيني، فهو رأى أن الاستيطان لا يستحق أن يكون قضية يرهن استئناف المفاوضات بها، وبالمقابل أخرج كل ما زوّد به من مديح وغزل ونفاق ل “إسرائيل”، بل وحطّم الموقف التقليدي للحكومات الأمريكية السابقة التي كانت تنظر إلى الشطر الشرقي من القدس المحتلة، على أنه جزء من الأراضي الفلسطينية التي ينطبق عليها القرار الدولي رقم ،242 وخرج بتصريح رأى فيه القدس “العاصمة التاريخية” لما أسماه “الشعب اليهودي”، وكرّر الكلام الأسطواني عن التحالف الأبدي بين “أمريكا وإسرائيل”، واعتبار أمن الكيان ليس قضية تفاوضية، وتطويبه فلسطين لليهود .
المعلن من مباحثات أوباما في “إسرائيل” ليس مفاجئاً حتى لو كان أشد صهيونية من مواقف سابقيه، وبالتأكيد فإن المخفي أعظم وأخطر، وعلى العرب أن يكونوا على قدر المسؤولية حماية لمصيرهم .