منذ خمسة قرون وحتى اليوم لم يتحرر العرب أبداً من الأتراك فإضافة الى قرون الركود الطويلة تحت الحكم التركي، وكان حكماً عائلياً للسلاجقة وأحفادهم، دخل العرب القرن العشرين إما بضباط تخرجوا من الكلية الحربية العثمانية او كانوا أعضاء في مجلس المبعوثان العثماني (نائبان عن كل منطقة) ومن أبرز الضباط والسياسيين المذكورين الذين حكموا العرب وكانوا من اصول كردية او تركية نوري السعيد ورضا الركابي وجميل المدفعي وغيرهم.
بيد أن التأثير الكبير للتجربة التركية ما بعد الحرب العالمية الأولى، هو التأثير الذي تركه الانقلاب الذي قام به مصطفى كمال او أتاتورك (أبو تركيا) وأطاح من خلاله بالخلافة العثمانية وأعلن جمهورية علمانية باقتصاد خليط من رأسمالية الدولة ورأسمالية السوق.
فقد شكل الانقلاب المذكور (نموذجاً) لحالات عربية عديدة بدأها بكر صدقي في العراق ثم ثورات تموز في مصر 1952 والعراق 1958 وقبلهما الانقلابات العسكرية في سورية 1948-1950 قادها كما بكر صدقي ضباط من أصول كردية وتركية.
منذ أشهر، ومع استنزاف التجارب الانقلابية العربية، بل والتجربة التركية نفسها وعودة تركيا الى الإسلام السياسي في طبعة جديدة ليبرالية مقبولة او مدعومة أمريكياً. دخل العرب القرن الجديد كما القرن السابق من البوابة التركية أيضاً، وعبر موديلها الإسلامي الجديد كما يمثله اردوغان وعبدالله غول وقد يمتد بهم الحال الى بوابة تركية أخرى مع مطلع القرن المقبل.
نعرف أن تركيا أمة جارة في التاريخ والجغرافيا وتحكمنا بها وشائج عديدة، وان الانقلابات العسكرية ظاهرة عالمية، ولكن آن الأوان للعرب ان يخرجوا من هذه العباءة وأن يتذكروا أنهم عندما كانوا سادة العالم لم يكن الأتراك قد ظهروا بعد.. وفي التاريخ العربي ما يكفي من الدروس والعبر لاستلهام تجربة خاصة قومية القلب واللسان.