الأربعاء 21 نيسان (أبريل) 2010

إلى أسرانا الأحرار...

الأربعاء 21 نيسان (أبريل) 2010 par سوسن البرغوتي

عهد العروة الوثقى وقسم الوفاء، لا نقصان فيه ولا انحراف عنه ، تبقيكم شرايين الحياة وجذور متينة تمتد وتمتد جيلاً بعد جيل، وعهد الانتماء وهوية البقاء، لم تثن عزائمكم وهمم الصبر والإيمان، والتصدي لـ (دولة الزنزانة).. حقيقة كيان قام على القتل والتدمير، وصولاً لاستئصال الحبل السري بين الإنسان وأمه الأرض. طحالب نمت وترعرت في أجواء ومناخات ثقافة العزل والانعزال ابتدعوها، ويمارسونها عليكم وعلى شعبنا في الأرض المحتلة من الماء إلى الماء، من مجازر دموية إلى إرهاب منظم منذ النكبة الأولى.. لا تعرف آلتهم الهمجية العمياء، حق البشر في حياة حرة وكريمة، ولا ترحم صغيراً ولا كبيراً..كلنا بأعينهم شجر الزيتون المعمر والمتجدد، فوجهوا حقدهم لتلك المعجزة الحية، التي لا تطال من شموخها ودوام اخضرارها مزاعم ولا أساطير، لما تمثله من ارتباط عضوي دائم لا يزول بين الكائن الحي وأديم الأرض، لإحلال شعوب أبت التعايش في أوطانها، وتأصلت في نفوسها نقائص الحقد والطمع والكره للإنسانية جمعاء. كسرتم أقفال الأسوار وتواصلتم بالمعرفة والعلم، رافضين ثقافة هجينة غريبة وشاذة، غير آبهين بالقضبان وظلمة السجن، فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

لا يتسع المقال والمقام، لنذكركم، بتفاصيل حياة شعب مرّة نسيه العالم، وأقاموا له خطاً وهمياً يفصلهم عن الأهل والأحبة.. وعن العالم الذي قيل أنه أصبح قرية صغيرة، لكن النوارس تحلق في الفضاء وتأبى أن تغادر شطآنها، باحثة عن بر الآمان في السر والعلن. ولا نذكركم بجدر إسمنتية وأخرى عازلة قاتلة بالحصار تارة، وبالإرهاب والقمع تارات.
آخر هناك حيث الليالي الباردة وقسوة الغربة المبعدين قسراً، دون أي ذنب اقترفوه، سوى أنهم من فلسطين الأصل والأصالة، يرفضون جنان العالم، فلا شيء يعدل فلسطين الروح والقصيدة المجروحة، الزعتر والزيتون، وشقائق النعمان وطريق الآلام، والقبلة الأولى.. ذكريات الأجداد، ودموع آباء رحلوا، قيل لهم أيام معدودات وتعودون، وها هو حنين وإصرار الأبناء والأحفاد إلى الديار ينتظرون، التحام حلم يعانق الأمل، بولادة قيادة لا تهادن ولا تساوم ولا تفاوض، ولا تنسى ما نسيه صناع تمزيق أشرعتنا.

اقتربت معاناة الشعب الواحد لوطن واحد من قرن كامل، لم تفرق بيننا المسافات واختلاف المعاناة والأزمات، وما فرق بيننا، إلا تلك المبادرات والقرارات للتعايش مع واقع السطو المسلح، وحدود بيننا وبين أرضنا، يقايضون أرض بسهل وصحراء بسهوب، وشعباً بآخرين!.

لا تصدقوا وأنتم الأدرى بوجه السجان الحقيقي، أنهم ينشدون السلام، إنما هو الاستعمار القديم، عاد بوجه آخر أبشع وأقذر، ولا تنخدعوا بشعارات الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وهو يحترق بنيران تشتعل وتمتد أبعد من الحدود، لتلتهم أطفال دجلة والفرات وتغتال الحب النابض على ضفتي النيل، وتبيح الخراب وقتل البراعم الصغيرة، المفطومة على ضفاف النهر، تنهل منه تشبث ذلك العشق لأرض داسها المدنسين الغزاة.

نعرف الكثير عنكم، ولكنكم قد لا تعلمون عن أحوالنا.. مصائرنا، لعنة أن يكون المرء لاجئاً، فنحن أسرى الانتظار والحلم، أسرى مساحيق تزينية، وأكاذيب بأن الغربة طابت لنا، وأننا بنينا قصور، وما هي إلا سراب رمال متحركة، تنقلنا من محطة إلى أخرى، ومن عمق النزف نعود، لنعمل ونهتف باسم فلسطين عربية حرة أبية.

لا يُعزل الحر مهما ارتفعت الأسوار حوله، ومهما زاد ظلم السجان، ما دام إيمانه بالوطن وتحريره، وما دام طريقه، المقاومة والصمود والتحدي في عرفه ويقينه ثقافة ونهجاً ، حتى يزهر الربيع وينبلج النهار من حلكة سواد الليل.
ها هم يجهزون لـ“عيد الاستقلال” على أرضنا المسروقة، لنستعيد مرارة النكبة، وعلى أنقاض حقنا الثابت، يبنون صرح كيان لا بد زائل. يعتقدون خبثاً وجرماً أنهم يحتلون شعباً لا (أرض إسرائيل)، يسعون إلى إلغاء وجوده بكل ما أتوا من أسلحة ودعم القوى الاستعمارية، لذا أنتم أئمة التحرير، والمقاومون الأبطال الأمل الباقي، فلا تسقطوا آخر ما نتمسك به من حلم يراودنا ولم يهجر مقلنا يوماً، وجذوة النضال المتقدّة، لن تنطفئ، طالما مشعلها مطالب عنيد وصلب لا يلين. من العراق الذبيح من الوريد إلى الوريد أهديكم، أبيات لشاعر مهاجر، لم يغادره الحلم أيضا ولا نزف جراح أرض وشعب دمروه.. الشاعر د. مـقـداد رحيـم:لا فرقَ بين عروقها وعروقي

لا فرقَ بين عروقها وعروقي
عمراً وتأصيلاً، وبين عروقي

هذانِ وجهانا كأنْ لم يُخلقا
إلاَّ لِـعهدٍ بيـننا موثـوق ِ

قد حدَّثَ التاريخُ عنْ حق ٍّ لنا
عوجوا على تاريخنا المشنوق ِ

فإذا سرقتـمْ من بهيّ سطوره ِ
سطراً، فأين كرامةُ المسروقِ؟

هبُّوا بألف ذريعة ٍ وذريعـة ٍ
للهدمِ، لكنْ لن تضيع حقوقي

أنا هاهنا في كل غصن ٍ أخضر ٍ
أَسمو على التزيـيف والتزويق ِ

إنْ تقطعوها هاهنا آمالنا
لا فرقَ بـين عروقها وعروقي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165804

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165804 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010