على تركيا أن تعتذر. هكذا يرد وزير «إسرائيلي» على مطالبة تركيا لـ «إسرائيل» بالاعتذار عن قتلها تسعة أتراك كانوا على متن أسطول الحرية إلى غزة. لكن لمن يريد الوزير «الإسرائيلي» من تركيا الاعتذار، وعلى ماذا؟ هنا «ثقلة الدم» التي تبعث على التقيؤ. فرجل المواصلات وصلت معه الوقاحة حد المطالبة بالاعتذار لجنود البحرية «الإسرائيلية» الذين ارتكبوا المجزرة بحق المتضامنين الدوليين. لم يوضّح الوزير ما إذا كان يريد الاعتذار أن يصدر عن القيادة التركية أم عن الشهداء الأتراك، لأنهم أولاً تجرأوا على التضامن مع المحاصرين في القطاع، وثانياً لأنهم أطلقوا زخات من صدورهم على الرصاص «الإسرائيلي» البريء، وهكذا فإن الصدر جلاد والرصاص ضحية.
ولأن الجرائم لا تموت بالتقادم، فإن «إسرائيل» في مرحلة ما، ستطالب شهداء دير ياسين بالاعتذار، فهم ارتكبوا جريمة البقاء في بيوتهم أو توجّهوا للمخبز لإحضار الخبز لأطفالهم. وما دام الخبز يمنح الحياة، فإنه معاد للرصاص «الإسرائيلي» الذي يأتي بالموت. الخبز إرهابي إذاً، ومن يتعامل معه عجناً أو خبزاً أو أكلاً هو إرهابي بالضرورة ما لم يكن «إسرائيلياً» أو فاعل مرفوع بالضم الصهيوني الظاهر في أروقة المحافل العالمية.
شهداء كفر قاسم يجب أن يعتذروا للجنود الصهاينة، ذلك لأنهم تجرأوا وقالوا لعصابة القتلة إنهم قادمون من حقول الزيتون لقطف الثمار. لم يكونوا يعرفون أن للزيتون جذوراً ضاربة في الأرض الفلسطينية، فكيف يستوي الانغراس في الأرض مع أيديولوجية الاقتلاع. كان عليهم أن يقتلوا ويبادوا جماعياً، وأن يمنحوا القضاء «الإسرائيلي» قصب السبق في تسعير حياة الإنسان العربي بـ «أغورة»، وهي أصغر وحدة للعملة «الإسرائيلية» المخترعة مع أصحابها.
شهداء مدرسة بحر البقر المصرية يجب أن يعتذروا لأنهم مدانون بالتعلم الذي يؤدي إلى العلم الذي هو سلاح بتعبير كل اللغات، ومن يحمل السلاح من العرب «إرهابي». العلم فيه دروس بالعربي، وفي شريعة غولدا مائير «العربي الجيد هو العربي الميت»، لذلك كان على الأطفال والصبية المصريين ألا يذهبوا إلى المدرسة لتعلّم «الإرهاب» وتكليف الطيران «الإسرائيلي» عناء التحليق والقصف وخسارة أثمان الصواريخ والقذائف. التعليم فيه فيزياء تقود إلى نيوتن الذي يعلّم التلاميذ أن «لكل فعل رد فعل»، و«إسرائيل» تريد أن تمارس أي فعل من دون أي رد.
شهداء صبرا وشاتيلا من النساء والأطفال والشيوخ، وكل شهداء الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان، يجب أن يوزّعوا اعتذارتهم على العساكر «الإسرائيليين» والميليشيات العميلة لهم، قبل أن يصبحوا اليوم زعماء ونجوم ميكروفونات. لقد كان أبناء المخيم في وطنهم، فلماذا لم يقبلوا بالموت هناك بدلاً من أن يصبحوا لاجئين ويتسببوا بوجع رأس لـ «إسرائيل» اسمه حق العودة؟
شهداء مجزرة قانا الأولى يجب أن يعتذروا لأنهم بحثوا عن حقهم في الحياة والتجأوا إلى مقر الأمم المتحدة التي تكرهها «إسرائيل» لأن أغلبيتها الساحقة طالما تمطر «إسرائيل» بقرارات الإدانة، ولا «فيتو» عليها هناك من «فيتوات» ديمقراطية مجلس الأمن. ولأن عدد الشهداء كان «قليلاً» أكملت «إسرائيل» مهمتها في مجزرة قانا الثانية سنة 2006.
إذا بقي حالنا هكذا، سنكون جميعاً إما عرباً «جيّدين» بالمعنى الغولدا مائيري، أو نطالَب بالاعتذار لـ «إسرائيل» لأننا نشاركها في تنفس الهواء.