الأربعاء 7 أيلول (سبتمبر) 2011

دولة مارقة وشرعية عوراء

الأربعاء 7 أيلول (سبتمبر) 2011 par عوني صادق

بعد تأجيله أكثر من مرة، نشرت صحيفة («نيويورك تايمز» - 2/9/2011) النص الحرفي لتقرير «لجنة بالمر» الخاص بالتحقيق في العدوان «الإسرائيلي»، في مايو/ أيار 2010 في المياه الدولية، على «أسطول الحرية» وسفينة مرمرة التركية التي كانت متوجهة إلى غزة في محاولة لكسر الحصار المفروض عليها منذ سنوات، والذي أسفر عن استشهاد تسعة أتراك ممن كانوا على متنها، وجرح آخرين.

جاء التقرير منحازاً بلا مواربة للمعتدي، فاعتبر أن «إسرائيل» كانت في «حالة دفاع عن النفس»، وأن حصار غزة «شرعي» بسبب ما يمثله من «تهديدات أمنية تتعرض لها «إسرائيل»». وكل ما أخذته عليها استخدامها «القوة المفرطة» ضد من كانوا على متن السفينة، داعية إياها وتركيا إلى «استئناف علاقاتهما الدبلوماسية الكاملة وإصلاحها من أجل الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط»! ومن يربط بين «التهديدات الأمنية» التي جعلت العدوان «الإسرائيلي» «دفاعاً عن النفس» ودعوة تركيا إلى تجاوزه «من أجل الاستقرار والسلام في «الشرق الأوسط»»، لا بد أن يجد العدوان كان من أجل الهدف نفسه! واشنطن كانت راضية فلم تعلق على التقرير الذي لا بد أنه صيغ بوحيها، لكنها أعربت عن أسفها «لعجز تركيا و«إسرائيل» عن التوصل إلى اتفاق»، وحثتهما على إصلاح العلاقات بينهما.

لم يتأخر الرد التركي على التقرير، فجاء الرفض على لسان الرئيس عبدالله غول الذي قال: «نحن نعتبر التقرير باطلاً كأنه لم يكن” . وفي مؤتمر صحفي، أعلن وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو عن خطوات فورية:

1) طرد السفير «الإسرائيلي» وتخفيض التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين إلى مستوى السكرتير الثاني.

2) تعليق جميع الاتفاقات العسكرية والأمنية بينهما.

3) تأكيد عدم شرعية الحصار المفروض على غزة ونية نقله إلى محكمة لاهاي الدولية.

4) الوعد باتخاذ كل الإجراءات القانونية الضرورية والتي تفرض على «إسرائيل» احترام القانون الدولي، ولا تبقيها دولة فوق القانون. أما بالنسبة إلى الحكومة «الإسرائيلية»، فقد قبلت التقرير «مع التحفظات»، مطالبة تركيا باحترام قوانين الملاحة البحرية، ومتمسكة في «حقها في الدفاع عن نفسها، وبشرعية حصارها الذي تفرضه على غزة».

نتائج تقرير «لجنة بالمر»، وكما قرأته حنين زعبي بحق «تشير إلى أن الهدف منه إعادة العلاقات الطبيعية بين تركيا و«إسرائيل» لا محاسبة المسؤولين عن جريمة الاعتداء». وبنتائجه هذه يسلط الضوء على مسألتين: الأولى، الكيفية التي تتعامل بها «إسرائيل» مع القانون الدولي وما يسمى «قرارات الشرعية الدولية»، والثانية: الكيفية التي تتعامل معها «الشرعية الدولية» ممثلة بالأمم المتحدة مع «إسرائيل»، والمسألتان في واقع الأمر هما مسألة واحدة، أو وجهان لعملة واحدة، كما يقال. فالمعروف أن «إسرائيل» لم تلتزم، وأحياناً لم تعترف، بأي من قرارات الأمم المتحدة منذ تأسيسها إلا بقرار واحد لم تلبث أن تجاهلته ورفضت الالتزام به وخرجت عليه بعد أن أخذت منه ما أرادت، وهو القرار رقم 181 الذي قضى بتقسيم فلسطين وإقامة دولتين على أرضها إحداهما عربية. لقد اعترفت بالقرار لأنه أعطاها الدولة، ثم رمته في سلة المهملات مع أنه جعل قيام الدولة الفلسطينية شرط الاعتراف الدولي بها، وهي حتى اليوم تعرقل وتمنع قيام الدولة الفلسطينية، بل وتحتل الجزء المخصص لها وتطالب وتعمل من أجل الاستيلاء على كل فلسطين، كما تطالب بالاعتراف بها «دولة يهودية». لقد ضمت إليها الضفة الغربية والجولان السوري، وما زالت تحتل عملياً قطاع غزة، بالرغم من كل القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة ومؤسساتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، خصوصاً إقامة الدولة وحق عودة اللاجئين والتعويض عليهم، وكذلك لا تزال تتجاهل القرارين 242 و338 اللذين اعتبرا احتلال أراضي 1967 عملاً غير شرعي، وأقرا عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.

ذلك باختصار عن تعامل «إسرائيل» مع الأمم المتحدة و«الشرعية الدولية»، أما عن الوجه الأخر لهذه المسألة، أي تعامل الأمم المتحدة و«الشرعية الدولية» معها، فلا يختلف الأمر من حيث النتائج. لكنه إذا كان تعامل «إسرائيل» يكشف عن احتقارها لهذه «الشرعية»، فإن تعامل الأمم المتحدة مع «إسرائيل» يكشف عن احتقار الهيئة الدولية لذاتها، كما يفضح انحيازها ومكاييلها المزدوجة، وهو الذي جعل ويجعل من «إسرائيل» دولة فوق القانون الدولي والشرعية الدولية. والحقيقة أنه لولا خضوع الأمم المتحدة للدول الغربية الكبرى، وبالخصوص للولايات المتحدة الأمريكية وخضوع الأخيرة للوبي الصهيوني، لما أمكن لـ «دولة «إسرائيل»» أن تحكم العالم وتدوس على كل قوانينه وأعرافه ومواثيقه.

هذا الوضع الذيلي للأمم المتحدة اختصر وظيفتها لتكون مجرد أداة لتحقيق مصالح الدول الكبرى ومصالح «إسرائيل»، والدفاع عن هذه المصالح لا غير، وهو نفسه الذي أفقدها كل مصداقية، وشكك ويشكك، في كل مزاعمها وادعاءاتها القائلة إنها أداة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وحق الشعوب في تقرير المصير. والخلاصة، إنه مع دولة مارقة وشرعية عوراء، من العبث المراهنة على الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة لاستعادة الحقوق العربية المنهوبة، بل يجب أن يكون الرهان على بناء القوة العربية القادرة على تحقيق ذلك، ولنا من التاريخ درس وعبرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2182430

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2182430 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40