كلما تنامت شراسة خطاب معمر القذافي، أخذت وداعة منصور كيخيا تترسخ في الوجدان، كما أن تهديدات القذافي تعيد إلينا ذكريات عطاءات التنوير التي لازمت مسيرة منصور في حياته العامة والخاصة، كما أن فلتان الغريزة الجرمية عند القذافي، يستحضر السلوك الحضاري لأحد كبار مفكري العرب المعاصرين منصور كيخيا الوزير والسفير ورجل الدولة .
وكلما شاهدنا وسمعنا اللامعقولية الجامحة في سلوك معمر القذافي، تبلورت في ذاكرتنا استقامة التزام منصور كيخيا حقوق الإنسان، هذه الحقوق التي التزمها أدت إلى شهادته في سبيل إنجازها .
ولعله من أوائل شهداء ليبيا في ثورتها لاستبدال نظام شمولي برهنت الأيام الأخيرة منذ 17 فبراير/ شباط، أن استساغة الإذلال ومن ثم القتل، هي انعكاس لتقوقع الذات، ما دفع القذافي إلى الخروج من أي ضوابط مبدئية أو أخلاقية، الأمر الذي يدفع الطاغية في مثل حالة كهذه، إلى أفكار رهيبة، لكونه يعالج مخاوفه من خلال تخويف متواصل للآخر، وبالتالي جعل كل وسيلة متاحة أداة للسيطرة، وممارسة الترهيب والإذلال على مواطنيه .
صورة الشهيد منصور كيخيا تستعيد في ذاكرتنا الجماعية احترامه لعقول الناس، وبالتالي تتحول عملية الإقناع منهجاً بديلاً لإملاءات فاحشة ومستفزّة، وتنطوي على القيام بممارسات تهديدية بدءاً بتهميش المطالبة بهذه الحقوق، ومن ثم كما هو حاصل الآن، القمع والعدوان، ومن ثم استرخاص حياة الليبيين .
الشهيد منصور كيخيا اعتبر الإنسان قيمة كبرى، لذلك كان خادماً لتأمين حقوقه في مواجهة دكتاتور ظالم يهذي . إننا نستدعي إرث الشهيد منصور كيخيا كي نسهم في إزالة الغبن واختراق ظلم وظلامية ممارسات ما نشاهده الآن في ليبيا من خميرة نضجت تحمل الأمل لليبيا والأمة العربية، بحيث تصبح ليبيا إحدى قلاع النهضة وشريكة مع جارتيها اللتين أدان القذافي ثورتيهما . ولعل منصور كيخيا من عليائه يشارك أهله في ليبيا بإنجازات واعدة لتأمين الأمن للوطن، والأمان للمواطنين .
كان علينا جميعاً استعادة ذلك المنظر في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء الخطاب - أو المسرحية - الذي ألقاه معمر القذافي . كان السفير الليبي السابق لدى المنظمة الدولية علي التريكي رئيساً للجمعية العامة، وكان قرار متفق عليه أن كل رئيس دولة لا تتجاوز كلمته الربع ساعة من الوقت، أما عندما اعتلى القذافي المنبر بدأت مسرحية امتزجت فيها فلتات الكلمة مع تبعثر الآراء وإهانات للأمم المتحدة وقراراتها واستفزازات متعمّدة، ما استولد ردوداً امتزجت فيها مرارة الاستياء والخجل مع الاستغراب من مدى الشطط واحتقار حرمة الكلمة، وأنهاها برمي أوراق قيل إنها ميثاق الأمم المتحدة من على منصة الرئاسة .
لا يوجد أي توصيف لهذا السلوك الغريب الذي يشير إلى ما آلت إليه مسيرة بدأت واعدة، وانتهت بأن يعلن عبدالرحمن شلقم يوم السبت الماضي أمام مجلس الأمن بعد استقالته، أن القذافي وضع الشعب الليبي أمام خيارين “إما أن أحكمكم أو أن أقتلكم”
ما يحصل في ليبيا يختزل معادلة للتاريخ فيها شرف الشهادة لعمر المختار مقابل طاغية يستسيغ مثل باقي الطغاة قتل شعبه .
كانت أحداث ليبيا العربية منذ 17 فبراير/ شباط مؤلمة جداً، وملهمة جداً .