لا زالت موضوعة «الوحدة» الوطنية الفلسطينية شاغلة لمعظم الكتابات السياسية وخاصة الصحفية منها وتحت مروحة واسعة من التقسيمات والتنوعات المختلفة من حيث مبعث الكتابة وهدفها في اختيار هذه الموضوعة.
الذين يريدون التقاط «براءة ذمة» في المسألة الفلسطينة حريصون على الاشارة إلى غياب هذه الوحدة بحسب ما يقدّمون من طريقة عرض في هذه المسألة، وعادة ما يكون عنوان هذه الموضوعة هو هدف الحصول على شهادة براءة ذمة في مسألة تخليهم عن أدوارهم القومية أو الدينية تجاه القضية الفلسطينية.
البعض الآخر تجاوز مرحلة هدف شهادة براءة الذمة إياها بمراحل وقعد سعيداً في حضن حكومة الاحتلال الصهيوني تحت تسمية التطبيع، وأمعن في الوقاحة باستخدام بروبوغاندا رخيصة تقول أنه نتيجة لتضعضع وحدة الفلسطينيين فإن أفضل طريقة لمساعدتهم هي من خلال التطبيع مع العدو لتسهيل حصول تلاقيهم واعادة العرى لموقف موحّد يصلح لمفاوضة الكيان من فوق أرضيته التي يدّعي المطبعون أنها هدفهم من «التطبيع»...
ما سبق يصلح ليس فقط على الأنظمة والحكومات والدول وربما أحيانا الاحزاب والأفراد بمواقع اعتبارية وشرائح وظيفية مختلفة، بل أيضا يصلح في حالة هيئات أممية دولية تتذرع بالانقسام لكي تتهرب من أصل مبرر خلقها ووجودها كحالة «الأونروا» أياها...
لكن المشكلة تبدو أكثر وقاحة عندما يتم توظيف هذا العنوان لدى بعض التيارات والقوى والأحزاب التي هي طالما كانت محسوبة على المقاومة والمقاومين، والقومية والقوميين، وربما الاشتراكية والاشتراكيين، وهي مسألة في هذا الموضع تحتاج لتقعيدها بشكل واضح بحيث لا تستخدم في هذا الجانب غير المسموح به، فإن من يطالب المقاومة بالتخلي عن حربها أو حرب تجهيزاتها من أجل التلاقي مع« الاوسلويين» أو «الدايتونيين» تحت حجة موضوعة الوحدة فإنما ينسفون في الواقع كل نظريات التحرر الوطني من أساسها من حيث هم يطالبون بذلك.
طبعا لأن المقاومة - وهي تتحمل وزر هذه الضبابية المستنتجة - لم تحسم أمرها بعد وتعلن بكل وضوح عن عزل الجماعة اياها التي لا زالت تختطف يافطة حركة وطنية عتيقة سخّمت كل ما فيها، إذ لم نسمع يوما عن مطالبات ولا حتى تفكير بضرورة اتحاد «القوى الوطنية» مع «القوى المضادة» لتكوّن عنوان وحدة وطنية...!