الأربعاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

بروفة اليونيسكو

الأربعاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

ثمة جملة من الملاحظات يمكن قراءتها في قرار اليونيسكو، بعد التصويت بقبول العضوية الفلسطينية الكاملة في المنظمة الدولية. ولعل من المفيد القول إن من يعتبر هذه الخطوة بلا أهمية يجانبه الصواب، ومن يبالغ بالاحتفال بها يقع في خطأ التقدير أو يهدف لتسجيل النقاط. بهذا المعنى فإن ما حصل يمكن اعتباره أكثر قليلاً من إنجاز رمزي، وأقل كثيراً من «فتح مبين».

لكن في البداية لابد من ملاحظة أن نتيجة التصويت كانت مفاجأة إيجابية من العيار الثقيل في زمن خشبي من العيار الخفيف. تكمن هذه المفاجأة تماماً في النسبة العالية من المصوتين بـ «نعم» للعضوية الفلسطينية، رغم مقاومة أمريكا لهذه الخطوة وممارستها ضغوطاً هائلة على دول العالم وشنّها، طوال أسابيع، حملة تحريض محمومة لإحباط الاعتراف، وتهديدها بقطع التمويل عن اليونيسكو قبل أن يتحوّل التهديد إلى قرار بعد التصويت. كنا نظن أن ذلك التهديد سيؤتي أكله ويرعب الكثير من الدول التي تدرك أهمية التمويل الأمريكي للمنظمة الدولية، حيث تتجاوز مساهمة الولايات المتحدة حاجز العشرين في المئة. ولشدة الضغوط والتهديدات الأمريكية، جاء التصويت مفاجأة تبرر الحالة التي كان عليها المندوب الأمريكي بعد التصويت حيث ظهر واضعاً رأسه بين كفّيه كأنه في مأتم.

لم تسق الولايات المتحدة أي تبرير أو تفسير ينطوي على أي درجة من الإقناع بموقفها المعادي لأبسط الحقوق الفلسطينية. فالقول إن هذا القرار يعيق استئناف المفاوضات منطق مقلوب، يشبه القول إن الخروج للشارع بلا مظلة يتسبب بسقوط الأمطار، ذلك أن فشل الخيار التفاوضي دفع القيادة الفلسطينية لتدويل القضية وليس العكس. كما أن هذا «التبرير» إذا أخذنا به لا يحمل سوى معنى واحد هو التماهي مع الموقف «الإسرائيلي». ومن هنا نسأل : هل كلما رفضت «إسرائيل» تنفيذ استحقاق ما، يضطر العالم لتكييف موقفه مع هذا الرفض؟ أم المطلوب ممارسة الضغوط على «إسرائيل» كي تنصاع لقرارات «الشرعية الدولية» التي يجري تفعيلها واستخدامها أبشع استخدام مع دول أخرى، وأيضاً لاعتبارات «إسرائيلية»؟

المفاجأة الثانية كانت تصويت فرنسا إلى جانب العضوية الفلسطينية، وهي نادراً ما تخالف الموقف الأمريكي، وبخاصة منذ منتصف ولاية الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وخلال ولاية الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، رغم أننا ندرك حرج أحفاد الثورة الفرنسية إزاء قضية تتعلّق بأعلى مؤسسة ثقافية في العالم.

وفي هذه المناسبة لا مفر من الرد على القائلين بأن التصويت الذي حصل في اليونيسكو بمثابة بروفة لما سيكون عليه الأمر في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن العضوية الفلسطينية الأكثر أهميّة. فهناك فرق كبير بين الحالتين، إذ إن العضوية في اليونيسكو لم تتطلب مرور مشروع القرار في مجلس الأمن، خلافاً للحالة الثانية حيث تجري الآن عملية نقاش في المجلس، وإذا توفّرت أغلبية للعضوية الفلسطينية، سيطل «الفيتو» الأمريكي برأسه ليحبط العملية كلها ولا تصل للجمعية العامة. وهنا يمكن اعتبار الموقف الأمريكي في اليونيسكو بروفة لما سيكون عليه الحال مع العضوية في الأمم المتحدة. وفي كل الأحوال تبقى «إسرائيل» هي الخلفية الوحيدة لكل موقف أمريكي، حتى إزاء التطورات الداخلية في دول المنطقة.

يبقى أن نذكّر بأننا في كل لحظة نجد أنفسنا أمام تجليات جديدة لنفاق بعض الدول النافذة التي لا ترى في المحافل الدولية سوى مرتع لمصالحها ومنطلقاتها العنصرية ومعاييرها المزدوجة. وهذا يفرض على الفلسطينيين ما هو أهم من العامل الخارجي، وهو العودة إلى أنفسهم ووحدتهم الوطنية وعدم المراهنة على الآخرين حتى وإن كانوا العرب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2182463

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2182463 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40