كم كانت توصية تبصر ومكاشفة وطلبًا ملحًّا, بل توصية جيل بالكامل الزمني عندما دعا نجيب محفوظ إلى المزاوجة بين درء خطر التلوث البيئي وخطر التلوث الأخلاقي.
لقد جاءت توصية محفوظ هذه, بمثابة نداء عاجل في خطاب الشكر الذي وجهه إلى لجنة (نوبل) التي منحته جائزتها الأدبية, ولكن يبدو أن العالم في أغلبه لم ينتبه إلى هذا النداء بالرغم من ضرورته الحضارية لكي يكسب الإنسان شرف مسؤوليته في الحفاظ على نظافة الحياة التي نعيشها ضمن الأفقين, الطبيعي والإنساني.
إن مجال هذه المقدمة الخامس من حزيران/يونيو, وليس المقصود هنا يوم النكسة العربية التي ما زالت حارات القدس (حزينة) بسببها, بل اليوم العالمي للبيئة الذي أعلنته الأمم المتحدة تذكارا سنويا للحفاظ على الطبيعة من كارثة الإفلاس, ولكن مع الأسف ما زلنا لم نتعلم مفردات الدرس البيئي لتطويق التلوث الممتد أفقيا وعموديا من ثقب الأوزون إلى ارتفاع مناسيب الغازات الدفيئة, إلى أكياس البلاستك التي تلقى في مجاري المياه السطحية لتخنق الأسماك, إلى فضلات البواخر الضخمة, إلى أعقاب السجائر التي تلقى من نوافذ السيارات في الطرق على حافات الغابات لتشعل حرائق, إلى الحرائق المدبرة للحصول على أراض من أجل إدخالها ضمن مزايدات العقارات, إلى الأشجار التي لا تموت واقفة على حد توصيف الشاعر الفلسطيني معين بسيسو, وإنما الأشجار التي تقتلع عنوة بفعل الشركات المتعددة الجنسية, الإحصاءات هنا لا تقبل الشك, فمن بين كل ثلاث أشجار, هناك شجرة واحدة تموت بفعل بشري واضح, إلى الزحف الصحراوي الذي يقضم سنويا خمسة كيلومترات مربعة من الأراضي الزراعية في المنطقة العربية وإفريقيا حصريًّا حسب تقرير صادر عن مجموعة خبراء, إلى ما تفعله بعض ربات البيوت من تجميع متخلف لنفايات المنازل.
أليس من المنطق أن نسأل: ماذا فعلنا من أجل بيئتنا, لنترك جانبًا الوعظ الساذج الذي يطل علينا من فضائيات وعلى ورق الصحف وفي مواقع الفيس بوك, وعلى سعة لافتات ملونة تتصدر الشوارع والساحات تماما كما تفعله أمانة بغداد من مواعظ, مثلما يفعل معلمو الصفوف الأولى من المدارس الابتدائية, ولنترك جانبا أيضا حزمة التباليغ التي نقرأها في واجهات المطاعم والأسواق الكبيرة والساحات والمتنزهات, ولنسأل أنفسنا: ماذا ينبغي علينا أن نعمل لحماية البيئة التي نعيش فيها؟ وما هو الاستحقاق الذي يترتب علينا لتثمين حياة شجرة, أو حشرة مفيدة, بل وتثمين نسمة هواء خالية من غاز سام؟ وماذا علينا أن نفعل لكي يكون المكان الذي نحن فيه نظيفا معافى طريا زاخرا بالوداعة؟ وماذا علينا أن نسلك لضمان وصول نفايات منازلنا إلى أماكن آمنة لا تصدر التلوث وليس كما يحصل في العراق, فليس هناك مدينة واحدة فيه لا تملك مكبًّا مكشوفًا لتلك النفايات, الوضع الذي أدى إلى نشوء قرى ليس لسكانها من عمل سوى نبش(كنوزها).
لقد قيل بصدق ان ثقافة سلوك, والحال لا تنقصنا المعارف اليومية في الحفاظ على نظافة البيئة, غير أن المشكلة تكمن في كيفية تحويل هذه المعارف إلى سلوك أخلاقي يومي.
علينا أن نشعر بالعيب بل والخجل من العروض التي نعتمدها في الإساءة إلى البيئة وفي ذلك تبقى المراجعة محكا من أجل أن نجعل من السلوك الذي يحمي البيئة واجبا يضاهي تحريم القتل والسرقة وعموم أشكال العنف, آه لو أن الكرة الأرضية الآن قادرة على النطق وتحرير الشكاوى لكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد غرق في ملفات هذه الآه!! .. لقد اضطر لزيارة القطب الجنوبي في محاولة يائسة لمواساة طيور البطريق التي تعاني الكآبة من سرعة ذوبان الثلوج وكأن لسان حالها يقول أوقفوا المجزرة التي حولت قطبنا إلى مزبلة.
الجمعة 6 حزيران (يونيو) 2014
بين بان كي مون والخامس من يونيو
الجمعة 6 حزيران (يونيو) 2014
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
28 /
2189807
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
13 من الزوار الآن
2189807 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13