الاثنين 17 آذار (مارس) 2014

ما ينقص مشهد الصمود في غزة

الاثنين 17 آذار (مارس) 2014 par محمود الريماوي

يسترعي الانتباه أن توتر الأوضاع في قطاع غزة مع الاحتلال “الإسرائيلي”، لا يجد له صدى عربياً أو دولياً، رغم الخسائر التي تقع في صفوف أبناء القطاع، واستمرار الاحتلال في فرض حصاره البحري والجوي والبري (باستثناء معبر رفح) على القطاع . وابتداء فإن الصمود الذي يعبّر عنه الغزّيون رغم المعاناة الشديدة التي يقعون تحت وطأتها منذ عقود، والتلاقي الميداني بين الفصائل على التكاتف في مواجهة الاحتلال هو أمر يثير الإعجاب . ورغم التفاوت الهائل في ميزان القوى بين الجانبين، إلا أن أبناء غزة نجحوا في إرساء صراع يمتلك قدراً من الندية مع العدو، الذي يكاد يستنزف وسائل القمع والتنكيل من دون أن يحقق غايته في كسر إرادة أبناء القطاع .
غير أن هذه الشواهد المضيئة على صمود أبناء قطاع غزة، يقابلها للأسف واقع سياسي ملتبس، يجعل هذه الشواهد غير قابلة للاستثمار وطنياً، أو أن تحقق تراكماً سياسياً لصالح عدالة القضية الفلسطينية، والاحتضان العربي لها . فليس غائباً عن الذهن أن واقع الحال في القطاع يشي بانفصال هذا الجزء من الوطن الفلسطيني عن بقية أجزاء الوطن . ولئن كان للاحتلال دور مشهود في تكريس هذا الانفصال من خلال رفع حواجز صفيقة بين القطاع والضفة الغربية، ومنع التنقل بين الشطرين إلا على نطاق شديد الضيق، والحؤول دون أي تواصل بينهما، فإن ذلك لا يعفي السلطة في غزة التي تحتكرها عملياً حركة حماس من تكريس هذا الانفصال نفسياً وسياسياً، عبر إقامة حكم قائم بذاته، يستمد نفوذه وشرعيته من نفوذ الحركة ذاتها على الأرض وعلى أبناء القطاع وليس عبر توافق وطني أو من خلال صيغة تمثيلية تفرزها صناديق الاقتراع، ونفوذ الحركة يمتد على بقية الفصائل التي يحظر عليها التعبير عن وجودها المستقل ورؤاها السياسية الخاصة إلا على أضيق نطاق وتحت طائلة التضييق والمنع، بحيث تبقى مقاومة الاحتلال هي الهامش الوحيد المتاح، وذلك ليس بالأمر الهين أو الهامشي، فلا شك أن المبرر الأول لوجود الفصائل هو بالفعل التصدي للاحتلال، غير أن التطورات الجارية منذ أكثر من عقدين، ألقت على كاهل الفصائل كما على بقية القوى السياسية والاجتماعية مهمة المشاركة في صياغة حياة وطنية، وبناء كيان سياسي يسير أو يُفترض به أن يسير على طريق الاستقلال .
خلال الأعوام الماضية التي تكرس فيها الانفصال بين شطري الوطن رفضت حركة حماس أية خطوات من شأنها إحياء التواصل والتفاعل بين شطري الوطن وبين أبناء الوطن الواحد، وبالذات إجراء انتخابات محلية وبرلمانية . وبينما تأخذ حماس على السلطة الوطنية في رام الله أنها لم تجدد شرعيتها عبر انتخابات جديدة رئاسية ونيابية، وذلك صحيح جزئياً، إلا أن حركة حماس بدورها لا تُلقي بالاً للعودة إلى الشعب، وإجراء انتخابات عامة لمنح تفويض جديد . إن الانتخابات تكاد تكون غائبة بشكل كلي عن أجندة حماس المولعة بالتمكين الذاتي قبل أي أمر آخر . وفيما تلقى الاتهامات على السلطة في رام الله بالفساد وهي اتهامات لم تأت من فراغ، إلا أن السلطة في رام الله تمتلك على الأقل هيئات لمكافحة الفساد، وسبق لها أن دانت وزراء ومسؤولين كباراً .
بينما يشكو قطاع غزة علاوة على الرقابة البرلمانية التي لا وجود لها مع غياب برلمان منتخب، من افتقاد أجهزة مسؤولة ومستقلة لمراقبة الأداء الحكومي في جميع أوجهه وبالذات جانب الموارد والإنفاق الحكومي . وبينما يتمتع أبناء الضفة الغربية بالحد الأدنى من حرية التعبير والاجتماع، كما تشهد على ذلك وسائل إعلام مستقلة عديدة مع ما يكتنف ذلك من تضييقات بين آونة وأخرى، فإن أبناء قطاع غزة لا يجدون أمامهم من فرص التعبير سوى التهليل للصواب السياسي الثابت والدائم للحركة القائمة بالحكم وللمجموعات الحزبية والفصائلية الملتفة حولها، وتحت طائلة المحاسبة والتضييق في غياب سلطة قضائية مستقلة .
ومن اللافت أن حركة حماس وقد ذهبت بعيداً خلال الأعوام الثلاثة الماضية في التخندق بخندق الإسلام السياسي الحزبي في العالم العربي، لم تُعِد النظر في الحصاد المر لهذا الاصطفاف، ولم تسع إلى تظهير طابعها الوطني كحركة تحرر، تضع مصلحة شعبها وقضيتها فوق الاعتبارات الحزبية والإيديولوجية، وتحترم إرادة الشعوب العربية الشقيقة وخياراتها السياسية، مما كان حريّاً أن ينأى بها عن العواصف السياسية التي تعصف بالعالم العربي .
والخاسر في ذلك هم أبناء قطاع غزة الذين ما انفكوا يجسدون آيات في الصمود والثبات، كما هي القضية الوطنية التي تستحق بناء ائتلافات سياسية عريضة ومرنة، وليس استبدال احتكار هذا الفريق باحتكار فريق آخر، والتنافس على السلطوية دون سواها في نهاية المطاف .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2182661

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2182661 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40