يبدو أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري فضّل أن يقفز عن التوتّر مع موسكو بشأن قضية إدوارد سنودين والأزمة في سوريا، إذ أهدى نظيره الروسي سيرغي لافروف حبّتي بطاطا . ولأن هكذا خطوة ليست مألوفة بين الدبلوماسيين، فإن من شأنها أن تشعل التكهّنات وتطلق العنان لفضول الصحفيين والمحلّلين، طالما أن الدلالات لا يمكن أن تدور في فلك جوع لافروف واشتياقه للبطاطا . إذا استمعنا لتفسير كيري القائل إنه عمد لهذه الخطوة بعدما تحدّث لافروف إليه عن إنتاج البطاطا في ولاية ايدهو الأمريكية، تنتقل كرة الترميز للملعب الروسي وتثير التساؤل عن معنى التطرق لموضوع من اختصاص وزارات الزراعة وليس الخارجية، ولاسيما أن الروس لهم خبرة طويلة في التورية والتمويه والترميز .
بعض المحللين رأى في مبادرة كيري محاولة لكسر الجليد بين واشنطن وموسكو، لكن لو كانت المبادرات الدبلوماسية تكسر الجليد، لتحوّلت سيبيريا منذ زمن إلى صحراء من كثرة هكذا مبادرات واتفاقات طالت الصواريخ البالستية والملف النووي والكثير من القضايا الدولية والإقليمية، فضلاً عن أن ما حصل هو العكس، إذ انتقل الجليد الروسي إلى أمريكا ومعه خمسون درجة مئوية تحت الصفر .
على أية حال، لم تكن أنظار شعوب العالم لتشخص نحو اللقاء بين كيري ولافروف من أجل رؤية الأمريكان يهدون البطاطا للروس، أو رؤية الروس يهدون قبّعة زهرية اللون للناطقة باسم الخارجية الأمريكية . مثل هذه الحركات تثير فضول الصحافة والإعلام، لكنّ الشعوب تترقب من لقاءات العملاقين ما هو مصيري وأشد أهميّة . الشعوب تدرك أن لأزماتها بعداً دولياً، وتنتظر بالتالي أن يكون للحل بعد دولي أيضاً .
الأوضاع المأساوية في سوريا عنوان دائم للقاءات موسكو وواشنطن منذ بدايتها قبل ثلاث سنوات، وهي كانت حاضرة في اللقاء الأخير أيضاً، وربما ما قد يتلوه من لقاءات وصولاً إلى مؤتمر جنيف . وقد استمعنا لوجهتي نظر تتوّجان تقارباً بدأ منذ الاتفاق حول الكيماوي السوري الذي أفضى لاتفاق دولي بشأن النووي الإيراني . هذا الانفراج هو الأهم، وهو الذي يترتّب عليه، إذا مضى قدماً بجديّة، أن يحقّق نتائج توقف النزيف والمعاناة في سوريا، إذ إن هناك شعباً يتعرض للموت قصفاً أو ذبحاً أو برداً أو جوعاً، وهناك بلاد تقسّم وتفتّت وتفتتن، ويغزوها الطير من كل جنس، ولا بد من مواصلة طريق الحل السياسي بحيث تعمل كلا الدولتين العظميين على ممارسة ضغط حقيقي وجدّي على كل الأطراف كي توقف القتال وتجلس معاً على طاولة الحوار، لتنهي المأساة من خلال حل سوري سوري بمساعدة دولية .
صحيح أن العنصر الأساسي في الصراعات الداخلية أدواته محليّة، لكن القوى الدولية والتداخلات والمصالح وخرائط النفوذ تلعب دوراً أساسياً في إذكاء نيرانها وديمومتها، وبالتالي في إيجاد حلول لها متى استقرت الإرادة على الحل، ومتى أدرك الجميع أن الوسائل العسكرية لا تنتج حلولاً بل أسباباً لمزيد من الحرائق والمآسي والدمار وتوفير دفيئة نموذجية لإرهاب عابر للحدود والطوائف والأعراق . عندها لا يهم إن تحقق هذا بدبلوماسية البطاطا أم القبّعة الزهرية .
الأربعاء 15 كانون الثاني (يناير) 2014
تقارب كيري ولافروف
الأربعاء 15 كانون الثاني (يناير) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
16 /
2192884
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
24 من الزوار الآن
2192884 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 24