الأربعاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2014

من ظهور “داعش” إلى دماره

الأربعاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par عاطف الغمري

يتفق معظم الخبراء والمهتمين بظاهرة الإرهاب وانتشارها، على أن الإرهاب ليس مشكلة جديدة، فقد ظهر تاريخياً في أشكال متعددة، وكان أسلوبه واحداً في بث الرعب، وممارسة القتل وسفك الدماء . لكن بقيت كامنة فيه نقاط ضعفه، وفيروسات تآكله، وهو ما قضى عليه في كل مرة .
كثير من الدراسات تناولت هذه المسألة، وطرحت في عدد من المؤتمرات التي عقدت أخيراً، وشارك فيها مسؤولون كبار مخابراتيون وعسكريون، لمناقشة استراتيجية أوباما للحرب ضد تنظيم “داعش” .
وضمن ما قيل في هذه المؤتمرات، ما ذكره الجنرال جيمس كليير مدير وكالة الأمن الوطني - وشاركه فيه آخرون - أن هذه ليست المرة الأولى تاريخياً التي ينتشر فيها الإرهاب في العالم، وأن هزيمته كانت دائماً على صخرة معاداته لحركة التاريخ، ومخاصمته لقوانين الزمن والتطور الإنساني، ولأن هويته الدموية، وسفكه دماء الأبرياء، تحشد أمامه كل يوم، أعداداً متزايدة من الكارهين والرافضين له، والمصممين على القضاء عليه .
إحدى الدراسات كتبها لبريمر المدير التنفيذي السابق لمؤسسة هنري كيسنجر - لإصدارات جامعة هارفارد - يقول فيها إن الإرهاب كان يوجد، حين يظهر من يثير الرعب في الآخرين، باستخدام العنف، أو التهديد باستخدامه . فمنذ 400 سنة مضت، ظهرت جماعة الحشاشين المدفوعة للقتل لأسباب سياسية، بزعامة حسن الصباح في إيران، وهي الجماعة التي اشتق منها التعبير الإنجليزي Assasin )حشاشين)، الذي تحول في قاموس اللغة الانجليزية إلى معنى القتل والاغتيال .
وأثناء الحرب النابليونية، استخدم أنصاره العربات التي حملوها بالمتفجرات، لتنفجر وسط حشود المدنيين، وفي مطلع القرن العشرين انتشرت موجة الفوضويين في أوروبا، التي سقط فيها ضحايا كثيرون، وكذلك قيام جماعات من اليمين المسيحي المتطرف في أمريكا، في العقود الأخيرة، بإطلاق الرصاص على من يخالفونهم فكرياً، ثم أخيراً ممارسات تنظيم “القاعدة”، الذي لحق به “داعش” .
وفي الماضي وأيضاً في هذه الأيام، كان هدف الإرهابيين، التخويف، ونشر الرعب على أوسع نطاق، وبين أكبر التجمعات الجماهيرية، اقتناعاً منهم بأن ذلك يجذب انتباه العالم إليهم، وهو ما يشعرهم بالزهو والأهمية، وأنهم موجودون في هذا العالم .
واليوم، ومع تطور التكنولوجيا الحديثة، وانتشار وسائل الاتصال المجتمعي، يواجه العالم نوعاً جديداً من الإرهاب، معتمداً على انضمام أفراد إليه، من خريجي الجامعات، منهم مهندسون، وخبراء في التعامل مع الإنترنت .
هناك دراسة للبروفيسور روبرت إيمري أستاذ السياسة والعلاقات الدولية، بجامعة نيوكاسل، يقول: إن المنظمات الإرهابية يجمعها عنصر واحد مشترك، فأعضاؤها يهدفون إلى إحداث صدمة مجتمعية، من خلال ارتكاب أعمال بالغة القسوة والشراسة، وفي الوقت نفسه يظهرون أنفسهم بمظهر الضحايا، وأن هذه الجماعات سواء وجدت في العراق وسوريا، أو في بريطانيا وأستراليا وكندا، فهي كلها تتعمد استفزاز المؤسسات الأمنية والسياسية، والقانونية، لجرها إلى مواجهات عنف معها من أي نوع، فكلما زادت من عنفها فهي بذلك تحدث الصدمة، وكلما ردت عليها سلطات الدولة، فهي تستغل ذلك في رسم صورته الصحية لنفسها .
ويقدم إيمري نموذجاً لشراسة الإرهاب، ولكيفية القضاء عليه أيضاً، بما جرى في كندا عام ،2006 عندما اكتشفت السلطات الكندية، أن مجموعة إرهابية من شباب أطلقوا على أنفسهم اسم “تورنتو 18” يستعدون لتنفيذ مؤامرة، بسلسلة من الهجمات، وتفجير سيارات مفخخة واستطاعت السلطات إحباط المؤامرة، والإيقاع بأغلب أعضاء الشبكة، عن طريق ما توافر لها من معلومات، سهلت لها تعقب خطواتهم، واختراق الشبكة، بمساعدة الجالية المسلمة المحلية في كندا، وتم تقديم الذين ألقي القبض عليهم للمحاكمة، وصدرت ضدهم أحكام عاجلة، بينما هرب اثنان منهم تبين بعدها أنهما قتلا في سوريا، وبعدها شددت كندا من العقوبات الرادعة للإرهاب . وفي الأيام الأخيرة، جرت مناقشات واسعة عقب إعلان إقامة التحالف الدولي، وكانت بعض المناقشات تحت عنوان “هزيمة”داعش“من الاستراتيجية إلى التطبيق” . شارك فيها خبراء منهم جان بيير فيللو السفير السابق في العراق، ومايكل إيزنستان الخبير العسكري، وجرت المناقشة في إطار منتدى معهد واشنطن Washington imstitute واتفق المشاركون على أن تدمير “داعش”، يلزمه استراتيجية لاستئصال التنظيم تماماً، والتزام الولايات المتحدة بأمن دول المنطقة جميعها .
في الوقت نفسه عقدت جلسات استماع بالكونغرس، منها جلسة للجنة المخابرات، ناقشت ما هو مطلوب للقضاء نهائياً على “داعش”، وإنزال هزيمة ساحقة بالتنظيم وأعوانه في العراق وسوريا .
وفي هذا الإطار، تحدث الجنرال ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، أمام منتدى معهد أسبن بولاية كولورادو، وذكر أن وزارة الدفاع جهزت استراتيجية من مجموعة خيارات، من ثلاث مراحل، هي: احتواء “داعش” داخل حلقة حصار ثم تفتيت التنظيم وأخيراً هزيمته .
وأن المخابرات الأمريكية بدأت مهمة إقامة شبكة تجسس لجمع أكبر حجم من المعلومات عن “داعش”، من بين وسائلها اختراقه بالعملاء، بالإضافة إلى ما ذكره ديمبسي من أنه تم تنفيذ أكثر من 60 مهمة استخبارية، بالطائرات كل يوم فوق العراق .
والتركيز على عنصر المعلومات أكدته كلوديا هيلبراند مديرة مركز الدراسات الدولية والاستخبارية، والمحاضرة في علوم مكافحة الإرهاب بالجامعات الأمريكية، من أن فعالية الضربات الجوية الموجهة لإرهاب “داعش”، تحتاج أساساً لتكوين صورة معلوماتية كاملة .
وأيضا ما ذكره مايكل روجرز مدير وكالة الأمن الوطني الأمريكية (MSA)، من أن وكالته تتابع تحركات “داعش”، وانتقالات الأجانب المنضمين إليها الذين بلغ عددهم عشرة آلاف أجنبي .
إن الخبراء والمحللين وجدوا أن من أكبر نقاط ضعف تنظيم “داعش”، أنه يقدم نفسه نظاماً بديلاً عن نظام الدولة، ورغم أن التنظيم غنى بمعايير قوة الإرهاب، فهو فقير بمعايير النظام الدولي، في فهم معنى الدولة، ولأنه يسجن نفسه داخل عالم من صنعه، منفصلاً عن العقل والمنطق والتطور الإنساني والسياسي الذي ارتضته الجماعة البشرية في صورة الدولة، والذي لا يستغني فيه طرف عن الآخرين، فهو بذلك تسبب في أن تنقطع روابطه بالعالم، وخلق من حوله أعداء يتزايدون، ويضيقون عليه حلقة الحصار .
إن المعلومات التي تجمعت خلال الفترة القصيرة الماضية، من خلال أجهزة مخابرات، ومراكز بحوث، ودراسات متخصصة، لم تختلف فيما بينها على أن الإرهاب الذي يواجهه العالم اليوم، لا ينحصر في “داعش” وحده لأن خيوط الاتصال مفتوحة بين “داعش” ومختلف الجماعات المتطرفة والإرهابية، وهو ما أكده بوعي القرار الأخير لدولة الإمارات العربية المتحدة، بإدراج عدد كبير من التنظيمات، على لائحة المنظمات الإرهابية .
هذه الحقائق تفرض على الدول الغربية، التي اقتنعت بأن الإرهاب خرج بتهديده عن حدود منطقة الشرق الأوسط، ليمثل تهديداً مباشراً لها، وأنه عبارة عن شبكة متكاملة متعددة الأسماء، أن تغير من سياساتها، بحيث لا تستثني جماعات من كونها إرهابية، خضوعها لحسابات سياسية، لأن الخاسر في النهاية هو الدولة التي تكيل بمكيالين، وتتجاهل خطر جماعات، ليست بعيدة عن “داعش”، سواء بالدعم المباشر، وغير المباشر، أو على الأقل بالتحيز والتعاطف .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2182752

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2182752 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40