الخميس 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

تفريغ القضية الفلسطينية

الخميس 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par ناجي صادق شراب

القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع بين الفلسطينيين وسعيهم إلى إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، و“إسرائيل” ومبرراتها الأمنية، وليست مجرد صراع على مساحة أرض محدودة، أو صراع بين قوميتين متناقضتين لا تقبل إحداهما الأخرى وليست مجرد صراع أيديولوجي أو صراع ديني بحت . وليست القضية الفلسطينية محصورة بين الفلسطينيين و“إسرائيل” فقط، بل هي صراع مركب، ممتد، وشامل للعديد من المكونات والفواعل من الدول وغير الدول، فهي قضية معقدة في مضمونها، من أرض وحدود ولاجئين شردوا من أراضيهم ومازالوا يعيشون في المخيمات . والقضية الفلسطينية ليست قضية دولة مازالت تسعى إلى نيل مقعدها الكامل في الأمم المتحدة، أو قضية أمن قومي عربي من خلال عدو يهدد 22 دولة عربية .
القضية الفلسطينية هي قضية أمن جميع الدول . ومنذ أن وجدت القضية الفلسطينية ارتبطت برؤيتين متناقضتين غير متقابلتين . المقاربة الفلسطينية التي تقوم على الحق الشرعي التاريخي، وحق الفلسطينيين في أرضهم، أرضهم التي شردوا منها بالقوة الصهيونية المدعومة دولياً، وتقوم على الحق الوجودي للشعب الفلسطيني .
وتستند هذه الرؤية إلى الحقائق الدينية والجغرافية والتاريخية بأن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب، وأن مصدر تهديد الأمن القومي العربي هو “إسرائيل” والحركة الصهيونية التي تتجاوز مطامعها أرض فلسطين لتشمل الدول العربية، وأن “إسرائيل” هي صنيعة الاستعمار، الذي أراد أن يدق إسفيناً في قلب الدول العربية، ويحول دون وحدتها، وتذهب هذه المقاربة الفلسطينية أيضاً إلى أن القضية الفلسطينية هي قضية الدول الإسلامية، نظراً لمكانة القدس الدينية، والمسجد الأقصى الذي يرتبط بالإسراء والمعراج لرسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهو مكون أساسي من مكونات الإيمان لكل المسلمين، ولا تكتفي هذه المقاربة بهذه الحدود، بل إن القضية الفلسطينية مسؤولية المجتمع الدولي، ومسؤولية الأمم المتحدة التي أنشأت “إسرائيل” كدولة ومنحتها العضوية الكاملة، وعاجزة حتى عن تنفيذ قراراتها التي أصدرتها بشأن دعم الحقوق الفلسطينية .
مقاربة تقوم على أنه صراع وجود، وبقاء، وأكثر من كونه صراع دولة . هذه المقاربة اعتراها كثير من التغيير أولاً بقبول “إسرائيل” دولة والاعتراف بها، والقبول بقيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران ،1967 أي أقل من نحو خمس وعشرين في المئة من قرار التقسيم، أي التخلي عن فكرة فلسطين التاريخية، وإن كانت حركة حماس ومعها بعض حركات المقاومة تتمسك بفلسطين التاريخية . هذه المقاربة لم تعد تحمل قوة منطوقها الفكري والسياسي نفسه، لأن هناك الكثير من المدركات السياسية التي لحقها التغير، وخصوصاً في زمن التحولات العربية وتراجع القضية الفلسطينية كقضية أمن إقليمي ودولي، ومع ذلك مازالت هذه المقاربة تقوم على هذه الثوابت والأصول نفسها .
وبالمقابل فإن المقاربة “الإسرائيلية” تناهض وتلغي المقاربة الفلسطينية، فهي استناداً لروايتها وأساطيرها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهي أرض “شعب الله المختار”، وهي الأرض الموعودة . وباختصار هذه المقاربة لا تعترف للفلسطينيين بأي حقوق تاريخية أو قانونية على أرضهم، وأنهم مجرد بشر لا أرض لهم، إنهم عابرون، ومع ذلك فإن هذه المقاربة اعتراها الكثير من التغيير، وخصوصاً بعد فشل “إسرائيل” في القفز عن حقوق الفلسطينيين التاريخية التي لا يمكن التنازل عنها . وفي هذا السياق باتت “إسرائيل” تتعامل معهم تدريجياً بمنحهم شكلاً من الحكم الذاتي، خوفاً من دمجهم في كيانها، وحرصاً على نقاء شعبها وطابعه اليهودي . لكن نجاح المقاربة الفلسطينية أجبر “إسرائيل” على التعامل معهم كحقيقة سياسية، ومن هنا فإن الدخول في عملية مفاوضات الهدف منها ليس التسوية بقدر ما هو تفريغ القضية الفلسطينية من مكوناتها ومضامينها الفلسطينية .
وتحاول “إسرائيل” أن تقزم القضية الفلسطينية وتختزلها في مجرد كينونة سياسية لإدارة ملايين من السكان الفلسطينيين، تمنحهم قدراً من السلطات والصلاحيات المدنية . وفي سياق تفريغ القضية الفلسطينية تحاول “إسرائيل” ومعها الآلة الإعلامية الأمريكية تصوير أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية أمن قومي عربي، بدليل علاقاتها مع عدد من الدول العربية، وأن الخطر الحقيقي هو خطر الإرهاب الإسلامي وليس خطرها، وهذه هي المعركة الحقيقية التي تحاول أن تمارسها “إسرائيل” ضد المحاولات الفلسطينية لتفعيل قرارات الشرعية الدولية، ومحاولتها عدم الربط بين ما يدور من تطورات سياسية في الدول العربية كمحاربة “القاعدة” و“داعش” و“الإخوان” والجماعات الإسلامية المتطرفة وبين القضية الفلسطينية كأساس لكل قضايا المنطقة، وهذا ما صرح به الرئيس أوباما في خطابه الأخير في الأمم المتحدة عندما أشار إلى أنه لا رابط بين القضية الفلسطينية ومشكلات المنطقة . وتأكيدات “إسرائيل” أنه لا شريك فلسطينياً لصنع السلام، وتصوير أن قضية “إسرائيل” والعرب والعالم قضية واحدة هي قضية الإرهاب . هذه هي السياسة الخطرة التي تنتهجها “إسرائيل” لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 72 / 2181607

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181607 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40